تتمة الشرح حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرّحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الوضوء من صحيحه :
" باب غسل المني وفركه ".
الشيخ : حديث فاطمة أظن ما شرحناه ؟.
طيب ، فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أتت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقالت : ( إني امرأة أستحاض فلا أطهر ) وهذا هو الاستحاضة أن يبقى الدم معها دائما أو لا ينقطع عنها إلا يسيرا أو يتجاوز الخمسة عشر يوما ، فهذه ثلاثة أحوال ، فما جاوز خمسة عشر يوما فهو استحاضة ، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم قال أن المرأة ناقصة في دينها وعقلها ، وذكر من نقصان الدين أنها إذا حاضت لم تصلي ولم تصم ، قال العلماء وهذا دليل على أن الحيض إذا جاوز الخمسة عشر فإن المرأة لا تدع الصلاة ، لئلا يكون أكثر وقتها ترك الصلاة .
وقيل أن الاستحاضة أن يستمر معها الدم ولا ينقطع في الشهر إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك ، وقيل أن الاستحاضة أن لا تطهر أبدا ، وظاهر حديث فاطمة بنت حبيش أنها لا تطهر لأنها قال : امرأة استحاض فلا أطهر ، لكن للاحتياط أن يجعل ذلك إلى الخمسة عشر يوما ، وما زاد على ذلك فإنه يعتبر استحاضة إلا إذا كانت المرأة ممن يجتمع حيضها ، فإن بعض النساء تطهر ثلاثة أشهر وتحيض شهرا كاملا ، يعني يجتمع الحيض لها ، فهذه على حسب عادتها .
وقوله صلّى الله عليه وسلم : ( إنما ذلك دم عرق ) يجوز في الكاف الفتح والكسر ، وذلك أن كاف المخاطب باسم الاشارة يستعمل في اللغة العربية على وجوه ثلاثة :
الأول : أن يتبع المخاطب وهو الأفصح ، فإن كان مفردا مذكرا كان مفردا مفتوحا ، وإن كان مفردا مؤنثا كان مفردا مكسورا ، وإن كان مثنى كان مثنى في المذكر والمؤنت ، وإن كان مجموعا كان بالميم في جمع المذكر وبالنون في جمع المؤنث ، قال الله تعالى : (( قالت فذلكن الذي لمتنني فيه )) وقال الله تبارك وتعالى : (( ذلكما مما علمني ربي )) وقال تعالى : (( وتلكم الجنة التي أورثتموها )) فهذا هو الأفصح .
الاستعمال الثاني : أن تكون بالفتح للمذكر مطلقا يعني سواء أكان مفرد أو مثنى أو مجموعا، وبالكسر للمؤنث مطلقا سواء كان مفردا أو مثنى أو مجموعا.
الاستعمال الثالث : أن تكون بالفتح مطلقا سواء كان المخاطب رجلا أو امرأة واحد أو مثنى أو جمعا .
وقوله : ( إنما ذلك دم عرق ) إذا قال قائل : والحيض أليس دما ؟ .
فيقال بلى الحيض دم ، لكنه ليس دم عرق بل هو دم طبيعة وجبلة يعتاد الأنثى إذا بلغت ، وليس له سبب ، ودم العرق له سبب إما مرض أو أن تحمل شيئا ثقيلا أو ما أشبه ذلك، المهم أن دم العرق له سبب ودم الحيض دم طبيعي .
قال : ( فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ) وإقبال الحيضة دخول زمنها ، وإدبار الحيضة انتهاء زمنها ، وعلى هذا فتكون المرأة المعتادة التي لها حيضة معلومة ترجع إلى عادتها ، وهذا لا شك أنه أريح .
وقال بعض العلماء ترجع إلى التمييز ، فإن دم الحيض له ميزة ليست لدم العرق ، الميزة يكون علامات دم الحيض أنه أسود ثخين منتن ، ودم العرق ليس كذلك ، لكن المشهور عند الحنابلة رحمهم الله أن المرجع إلى العادة أولا ، فإن لم يكن لها عادة بأن استحيضت ابتداء من أول ما جاءها الحيض فترجع إلى التمييز ، وكذلك لو كان لها عادة ولكن نسيتها لا تدري متى وقتها فإنها ترجع إلى التمييز .
طيب فإن لم يكن لها تمييز لا عادة ولا تمييز ؟.
فإنها ترجع إما إلى غالب النساء وإما إلى غالب نسائها ، والفرق بين القولين واضح ، إلى غالب النساء وهو ستة أيام أو سبعة، إلى غالب نسائها وهو أنه إذا كان لها قريبات عادتهن تسعة أيام فإنها ترجع إلى تسعة أيام ، وهذا أقرب من حيث الطبيعة ، لأن الغالب أن المرأة تكون طبيعتها كطبيعة قريباتها لأن هذه وراثة ، فتكون في الغالب ترجع إلى عادة أقاربها ، فإن لم يكن لها أقارب أو كانت عادة أقاربها مضطربة فإنها ترجع إلى عادة غالب النساء .
فالآن عندنا خلاف : هل يقدم التمييز أو يقدم العادة ؟ .
والصحيح تقديم العادة ، لأنها أقل اضطرابا وأقل تشويشا ، والتمييز ربما مع تغير الطبيعة ربما يتغير أيضا ، فتجد مثلا يحصل لها دم أسود في يوم أو يومين ثم أحمر ثم أسود ثم أحمر ثم تبقى مرتبكة ، فإذا قلنا ترجع إلى العادة انتهى الأمر ، عادتها ستة أيام من أول كل شهر ، نقول إذا اجلسي من أول كل شهر ستة أيام .
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( ثم اغسلي عنك الدم وصلي ) أي دم ؟ .
دم الحيض لأنه قال : ( وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ) ، فهل دم الاستحاضة يجب التنزه منه والتطهر منه أو لا لأنه دم عرق ؟ .
الظاهر أن دم الاستحاضة كدم الحيض يجب التنزه منه لأنه خارج من السبيل ، إما من الرحم من أدناه أو من الطريق بين الرحم وبين الفرج الله أعلم .
وقوله : ( ثم صلي ) استدل به العلماء على أنه لا تمكن الصلاة مع النجاسة لأن ( ثم ) تفيد الترتيب .
قال : ( وقال أبي ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت )، توضئي لكل صلاة : قيل أنها تتوضأ لكل صلاة ولو في وقت واحد ، وقيل أن المراد أن تتوضأ لوقت كل صلاة ، فمثلا لا تتوضأ لصلاة الظهر قبل الزوال ولا لصلاة المغرب قبل الغروب ، وهل لها أن تجمع ؟ .
الجواب نعم لها أن تجمع ، لأن تطهرها لكل وقت بدون جمع يشق عليها بلا شك ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما حين حكى : ( أن النبي صلّى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر ، قالوا : ما أراد إلى ذلك ؟ ) لماذا جمع ؟ ( قال : أراد ألا يحرج أمته . يعني أن لا يلحق بها الحرج بترك الجمع ).
ومعلوم أن المستحاضة يلحقها الحرج لو قلنا توضئي إذا دخل وقت الظهر ثم إذا دخل وقت العصر ثم إذا دخل وقت المغرب ثم إذا دخل وقت العشاء وصلي كل صلاة في وقتها ، سيشق عليها لا سيما وأن النساء يذكرن أن استعمال الماء في غسل الفرج يؤثر على المرأة ، وعلى هذا نقول لها أن تجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما حسب ما يتيسر لها ، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما حسب ما يتيسر لها ، وبين العشاء والفجر ؟ .
الطالب : لا .
الشيخ : لا تجمع بين العشاء والفجر ؟.
الطالب : النبي صلّى الله عليه وسلم ما جمع إلا بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء .
الشيخ : لكن جوابك أنت ، جوابك بالأول يفيد الجواز .
السائل : لا هذا قلت قيام الليل إذا أرادت أن تقوم بالليل .
الشيخ : لا، نسأل عن الجمع بين العشاء والفجر ، ما فيه جمع .
الجمع بين العصر والمغرب ؟. ما فيه .
أما امتناع الجمع بين العشاء والفجر فظاهر ، لأن بينهما وقتا ليس وقتا للصلاة ، إذ أن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل، فما بعد نصف الليل ليس وقتا للعشاء .
وأما امتناع الجمع بين العصر والمغرب فلأن المغرب من صلاة الليل لكنه تختم بها صلاة النهار ، ولهذا جاء في الحديث أنها وتر النهار ، وليست من جنس صلاة العصر لأنها جهرية وصلاة العصر سرية .
والأصل الامتناع بعد هذا كله هو أنه لم يرد الجمع بين العصر والمغرب .