إذا كان طالب العلم غير أهل للترجيح بين الأقوال المختلفة في المسألة أو كان أهلا لذلك لكنه لم يتمكن من الترجيح فماذا يفعل.؟ حفظ
الشيخ : إن كنت تعني العامة فالعامة كما يقول العلماء لا مذهب له ، ومذهبه مذهب مفتيه ، وإن كنت تعني العلماء وطلاب العلم الذين يمشون على قوله تعالى: (( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )). فعلى هذا العالم وذاك الطالب أن يتحرى الصواب مما اختلف فيه الناس ، فأينما انتهى به بحثه وقف عنده وطرح الشك وأخذ باليقين ، وفتح باب الشك هذا لا نهاية له ، وهو كما تعلمون من وساوس الشيطان ، من لم يكن عنده رأي فعليه أن يأخذ بالاحتياط ، لكن الاحتياط في كثير من المسائل يوقع في الإشكال ، لأن الذي يقول مثلا اقرأ وهو معارض بقول لا تقرأ، ولذلك فلابد أن يتحرى الصواب وأن يجتهد بقدر ما يستطيع ، والاجتهاد يختلف من العالم إلى طالب العلم ، إلى العامي ، كلا بحسبه و (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )). فالشك ليس له قيمة شرعا ، ولا هو من الأدلة الشرعية حتى يعتد به ويلتفت إليه .

السائل : ولكن إذا طالب العلم لم يحقق الأصول التي من خلالها يستطيع أن يرجح قول على قول أو يطمئن قلبه إلى قول ، فهذا موقفه يعني غير واضح يعني لم يدرس المسائل يعني حجج هؤلاء قوية وحجج هؤلاء قوية ، فهو لم يحصل بعد الأدوات التي يستطيع أن يرجح بها ، هذا موقفه أيش يكون ؟
الشيخ : يقلد .
السائل : هذا حكم المقلد .
الشيخ : يقلد ولا بد نحن نقول الفرق بين دعوتنا وبين ما عليه الجماهير من إخواننا المسلمين ، أن الجماهير جعلوا التقليد دينا ، ونحن نجعله ضرورة ، وشتان بين الأمرين ، فاتخذوه دينا فنسوا قال الله قال رسول الله ، بل وكثيرا ما يحاربون من يقول قال الله قال رسول الله ، لأن هذا الاتجاه أصبح نسيا منسيا بسبب التدين بالتقليد ، أما إنسان كما صورت آنفا ضاع بين قيل وقال ، هذا له قول وله أدلة ، وهذا له قول وله أدلة ، وربما يكون في قول ثالث ورابع ، فضاع بينها ، فهذا لابد له من التقليد ، ويشترط في التقليد أن يبتعد أولا عن اتباع الهوى ، والذي يعبرون عنه بتتبع الرخص ، وثانيا أن يقلد من يغلب على ظنه أنه أعلم وأتقى وأصلح وغير ذلك من الصفات التي ترجح عالما على آخر ، فالتقليد إذا ضرورة ولا يجوز أن يجعل دينا ، وهذا تماما يبدوا لي كالقياس ، الذي هو دليل من الأدلة الأربعة الشرعية التي هي: الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس ، لكن القياس كما قال الإمام الشافعي رحمه الله " القياس للضرورة " وهذا معروف عند الفقهاء حين يقولون " إذا ورد الأثر بطل النظر ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل " ويقولون أيضا " لا اجتهاد في مورد النص " ، لكن هناك فرق مع اتفاقهم على هذا " إنه لا اجتهاد في مورد النص " ، هناك فرق في استعمال القياس ، فمن متوسع يقابله منكر للقياس من أصله ، وهم الظاهرية ، ويتوسط بين أولئك المتوسعين وهؤلاء المنكرين - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلا أبو عادل - يتوسط بين هؤلاء وهؤلاء أهل الحديث ، ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله ، فيقول " لا قياس إلا عند الضرورة " فكذلك " لا تقليد إلا عند الضرورة " حينما لا تجد النص من كتاب الله ومن حديث رسول الله ـ وهذا الخطاب للعالم فضلا عن طالب العلم فضلا عن من دونه ـ حينما لا يجد النص في الكتاب أو السنة فلابد له من أن يقلد من هو أعلم منه ، ولذلك نقرأ في سيرة الصحابة رضي الله عنهم أن بعضهم كان يتبع بعضا ويثق به ولا يجادل ولا يناقش خلافا لمن يتوهم بعض الغلاة في اتباع الكتاب والسنة ، حيث يقولون بالاجتهاد في كل كبير وصغير ، هذا خطأ لأنه لابد لكل إنسان مهما علا وسما علما أن يفوته شيئا من العلم مصدقا قوله تعالى: (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )). ففي هذه الحالة لابد أن يقلد العالم الذي يثق بعلمه ، فمسألتنا هذه من هذا القبيل ، من لم تتبين له الوجه الصحيح من هذه الآراء المختلفة فيقلد العالم الذي يثق بعلمه سواء كان القول بالركنية في مسألتنا هذه أو بتحريم القراءة وراء الإمام أو بالتوسط بين هذا وهذا ، فيأخذ بقول من يطمئن لعلمه وفضله وسابقته في ذلك .