فوائد حفظ
الشيخ : هذا الحديث فيه الجهر بقراءة الفجر، كما كان الجهر في صلاة العشاء، وفي صلاة المغرب.
وفيه هذه القصة أنه حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعت الشياطين شياطين الجن من الاستماع إلى ما يكون في السماء، وعجبوا من ذلك، وأرسلوا من يبحث ما الذي حدث؟ حتى أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم في سوق عكاظ، وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الأسواق لأجل أن يعرض على الناس ما جاء به من الشرع، حتى أدركوه وهو يصلي الفجر فاستمعوا إلى القرآن، فقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين السماء، ثم ذهبوا منذرين إلى قومهم.
ففي هذا الحديث فوائد، منها: حماية الله عز وجل لهذا الوحي من أن تسترقه الشياطين، ولهذا قال تعالى في سورة الشياطين : (( وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم ))، هذا في غاية ما يكون من المحال، (( وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون )).
ومنها: أن الشياطين تسترق السمع قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم استنكروا وتعجبوا من كونهم لا يتمكنون من استراق السمع، وقالوا: لا بد أن هذا شيء حدث.
ومنها: أن الجن وهم الشياطين تعرف وتعلم بما يحدث في الأرض، ويضربون المشارق والمغارب حتى يدركوا ما يريدون.
ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يعمد إلى مجامع الناس ليذكرهم ويدعوهم إلى الله عز وجل، وهذا إن تمكن، لأنه ربما لا يتمكن من مثل ذلك، إما لكثرة لغط الناس وازدحامهم وتكالبهم على الدنيا، أو لغير ذلك، لكن إذا كان الشيء يعني هادئا ورأى من المصلحة أن يتكلم فليتكلم.
ومنها: حسن استماع الجن لقراءة القرآن، لأن القرآن يأخذ بلب الإنسان حتى يستمع إليه كالمقهور على ذلك، لأنهم استمعوا القرآن فلما حضروه قالوا: أنصتوا، لإعجابهم بما سمعوا، فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، ففيه هذا أدبان: الأدب الأول الإنصات، الأدب الثاني عدم الانصراف حتى انتهى، وهذا ينبغي أن يجعل من آداب طالب العلم، أن يحسن الإنصات ولا ينصرف حتى ينتهي المجلس.
ومنها: أنهم ذهبوا ينذرون قومهم، وهذا هو معنى قوله تعالى : (( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم )) على أحد الأقوال في الآية، لأن هذه الآية وجه الله تعالى الخطاب فيها إلى الجن والإنسان وقال : (( ألم ياتكم رسل منكم )) فاستدل بذلك بعض العلماء أن من الجن رسلا لقوله وقد وجه الخطاب إليهم: (( رسلا منكم )).
ولكن الصحيح خلاف ذلك، لقوله تعالى : (( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ))، وقد نوقش هذا الدليل، لأن المستدل به اعتمد على قوله (( إلا رجالا )) فنوقش بأن رجال تأتي للجن يعني يوصف بها الجن، كما في قوله تعالى : (( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ))، ولكن الدليل الذي لا نقاش فيه قوله تعالى : (( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب )) فلم تخرج النبوة ولا الكتاب الذي مع الرسل عن ذرية نوح وإبراهيم.
وأما قوله تعالى : (( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلا منكم )) فإما أن يراد بالرسل النذر، وإما أن يراد بالخطاب توجيهه للمجموع لا للجميع، يعني: يخاطب قوما منهم من يكون منهم رسل ومنهم من لم يكن، فيكون الخطاب موجه لمجموع الطائفتين لا للجميع، أي: لا لكل واحد منهم.
وعلى كل حال القول الذي نعتقده أنه لا يكون من الجن رسول أبدا.