حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئًا فليتبع فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان قالوا نعم قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل النار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيقول هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال يا رب قدمني عند باب الجنة فيقول الله له أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسأل غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول يا رب أدخلني الجنة فيقول الله ويحك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول تمن فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته قال الله عز وجل من كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك ذلك ومثله معه قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله لك ذلك ومثله معه قال أبو سعيد إني سمعته يقول ذلك لك وعشرة أمثاله حفظ
القارئ : حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي: ( أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال : هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه حجاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس ).
الشيخ : قوله كذلك التشبيه هنا للرؤية بالرؤية وليس للمرئي بالمرئي، يعني ترونه عيانا بأبصاركم ولا تشكون في ذلك كما أنكم ترون الشمس والقمر في هذه الحال.
القمر ليلة الإبدار لا يخفى على أحد، والشمس ليس دونها سحاب لا تخفى على أحد، وإنما قدم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لتقرير الحكم في نفوسهم، لأنه إذا تقدم ذكر العلة ورد الحكم على نفس متهيئة لقبوله، لأنها عرفت العلة من قبل، ونظير هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع التمر بالرطب؟ ولم يقل إنه حرام سئل عن بيع التمر بالرطب، تعرف يا أحمد التمر والرطب ؟
الطالب : أليس التمر هو الناشف والرطب هو ...
الشيخ : التمر هو الناشف الذي بلغ حده في الاستواء، والرطب هو اللين، سئل عن بيع التمر بالرطب فقال : ( أينقص إذا جف ؟ ) ولم يقل إنه حرام، بل قدم ذكر العلة حتى يرد الحكم على نفس متهيئة، قالوا: نعم، فنهى عن ذلك.
هنا لما سألوه هل نرى ربنا؟ بين لهم، ضرب لهم هذا المثل، القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب يرى؟ أجيبوا بشك ولا بغير شك؟ بغير شك، الشمس ليس دونها سحاب كذلك ترى بغير شك قال : ( فإنكم ترونه كذلك ) يعني كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر صحوا ليس دونه سحاب، متعني الله وإياكم بهذا النظر، اللهم صل على محمد، نعم.
القارئ : قال: ( فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ).
الشيخ : وإلى أين ؟ إلى النار يتبعونهم إلى النار لقول الله تعالى : (( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم )) تحصبون بها كما تحصب الحجارة (( أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون، لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون )) لما سمع المشركون بهذا زمروا وطبلوا وقالوا: انظروا لمحمد يقول إن عيسى يرد النار، وأنه حصب جهنم، لأن المبطل يحتج بكل حجة ولو كانت أوهى مما لا أوهى منه، فأنزل الله : (( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون )) وممن سبقت له من الله الحسنى عيسى بن مريم عليه الصلاة السلام فإنه أحد الرسل الكرام، بل هو أحد أولو العزم (( لا يسمعون حسيسها )) إلى آخره، فهؤلاء يقال لهم: اتبعوا آلهتكم لأنهم كانوا يعبدونها في الدنيا فيقال هذه آلهتكم اتبعوها ثم تقودهم إلى النار كما يقود فرعون قومه إلى النار (( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود )) نعم.
القارئ : ( وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم ).
الشيخ : هذا من المثنى لفظا لا معنى، والمعنى بين ظهر جهنم يعني فوقها.
القارئ : ( فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله ).
الشيخ : الله أكبر.
القارئ : ( تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل النار، فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة فيقول الله له أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسأل غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله عز وجل منه، ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول تمن، فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته قال الله عز وجل من كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه ، قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله . قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله لك ذلك ومثله معه ، قال أبو سعيد: إني سمعته يقول ذلك لك وعشرة أمثاله ).
الشيخ : الحمد لله، اللهم لك الحمد، انتهى الوقت.
في الحديث الطويل الذي مر علينا البارحة يحسن أن نشرحه شرحا على كلمة كلمة يقول : أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي، عندكم يزيد بالزاي: أن لأبا هريرة رضي الله عنه أخبرهما أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ سبق شرح هذا هل نرى ربنا يوم القيامة؟ أي: نراه رؤية عين، لأن رؤية القلب التي هي اليقين أوكمال اليقين ثابتة لكل مؤمن في الدنيا قبل الآخرة، وإنما قلنا ذلك لننبه على أن هذه الرؤية رؤية بصرية حقيقة، لا كما قال أهل التحريف والتعطيل إنها رؤية قلبية، بمعنى أنهم يصل بهم حد اليقين إلى أن الرب عندهم كالمشاهد، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يضرب لهم مثلا قبل كل شيء قبل أن يعطيهم الخبر قال ( هل تمارون ) فيه ( هل تَمَارون وهل تُمَارون) أنا أخبركم ان فيها روايتين أنا عندي مشكولة على هذا: تَمَارون أو تُمَارون، يا ناس لست أسأل الآن، أنا أخبر الآن: فيها روايتان هل تَمَارون أي هل يماري بعضكم بعضا، وكل واحد يقول للثاني لا، أو تُمارون أي تمارون غيركم، في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا: لا يا رسول الله، لا نماري في ذلك ولا نتمارى، بل كل منا يؤمن بهذا، بأنه يرى القمر على حقيقته ويرى عين القمر
قال : ( وهل تمارون ) ونقول فيها كما قلنا في الأول ( في الشمس ليس دونها سحاب؟) قالوا: لا، قال : ( فإنكم ترونه كذلك ) أي: كما ترون القمر ليس دونه سحاب، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب، وهذه رؤية بصرية قطعا.
وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دل عليه القرآن ذكره الله عز وجل في أربعة مواضع من كتاب الله، منها ما هو صريح، ومنها ما هو قريب من الصريح، أما الصريح فقوله تبارك وتعالى : إذا واحد يحب يجلس على الكرسي يفسر للطلبة فلا مانع، فمثل قول الله تعالى : (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) هذه الزيادة فسرها أعلم الخلق بكتاب الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها النظر إلى وجه الله الكريم، ومن المعلوم أن تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر أعلى أنواع التفسير، ومنها قوله تعالى : (( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) فإن هذا صريح في أنه يرى بالعين، لأنه أضاف النظر إلى الوجوه التي فيها الأعين (( وجوه يومئد ناضرة إلى ربها ناظرة )) ولا عبرة بقول من يقول : إلى ثواب ربها منتظرة، فإن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ولا حملهم على ذلك إلا تحكيم عقولهم الفاسدة، والثالث قوله تبارك وتعالى : (( لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد )) أي: مزيد على ما يشاؤون، وهنا فسر بأن المراد بذلك النظر إلى وجه الله الكريم كما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم.
ومنها قول الله تعالى في الفجار : (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) استدل بها الشافعي رحمه الله وقال: ما حجب هؤلاء حال السخط إلا ليراه الأبرار في حال الرضا، وهذا استدلال جيد.
هذه أربعة آيات.
ومنها قول الله تبارك وتعالى : (( على الأرائك ينظرون )) فإن المفعول به هنا محذوف، لم يذكر ماذا ينظرون ؟ ومن القواعد المقررة في الأصول والبلاغة أن حذف المعمول يفيد العموم، أي: ينظرون كل ما لهم من النعيم، ومنه النظر إلى وجه الله عز وجل.
أما الأحاديث فهي متواترة كما قال الناظم الذي جمع بعض المتواتر :
مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتا واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض
مما تواتر حديث من كذب يعني ( من كذب علي متعمدا ) وهذا الحديث قال المحدثون إنه متواتر لفظا ومعنى.
ومن بنى لله بيتا واحتسب أي: من بنى لله بيتا بنى الله له بيتا في الجنة.
ورؤية شفاعة، رؤية هذا هو الشاهد، يعني: رؤية المؤنين لله عز وجل.
إذن فأحاديث الرؤيا ثابتة ثبوتا قطعيا، لأن المتواتر يفيد القطع.
وإذا كان كذلك فأي عقل يمنع هذا؟ أي عقل؟ أي دليل؟ قال الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام حين قال (( رب أرني أنظر إليك قال لن تراني )) ولن تفيد التأبيد، فيقال لهم: هذا الذي طلبه موسى هل طلب أن يرى الله عز وجل في الآخرة أم في الدنيا ؟ نعم، قال: (( رب أرني أنظر إليك )) الآن أنظر إليك، قال: (( لن تراني )) أي في الوقت الذي طلبت مني أن تراني لن تراني، فالسياق يدل على أن الرؤيا المطلوبة في الدنيا وأن النفي المسلط عليها في الدنيا.
وأما قولهم: إن لن تفيد التأبيد فهذا ليس بصحيح، فإن أهل النار يتمنون الموت ويقولون لمالك (( ليقض علينا ربك )) مع أن الله قال في اليهود : (( ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم )) لا آية البقرة (( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم )) وهم يتمنونه، فالحاصل أن القول بذلك لا يستقيم.
وما استدلوا به على نفي الرؤية غير صحيح، يعني غير صحيح الاستدلال.
ثم على فرض أنه يحتمل ما قالوا فلدينا قاعدة شرعية وهي أنه إذا وجد نصان أحدهما محكم لا اشتباه فيه والثاني متشابه وجب أن يحمل المتشابه على المحكم فمن سلك غير هذا الطريق فهو من الذين في قلوبهم زيغ.
فإذا قال قائل: كيف يرونه؟ على أي كيفية يرونه؟ قلنا هذا ليس إلينا، هذا أمر غيبي، لا نعلم على أي كيفية يرون الله عز وجل، لكن قطعا سيرونه من فوقهم وليس من حذائهم، وليس من أسفل منه، بل من فوقهم، لأن الله تعالى فوق كل شيء نعم.
يقول : ( من كان يعبد شيئا فليتبعه ) يعني فليتبع ما يعبده ( فمنهم من يتبع الشمس لأنهم يعبدونها ومنهم من يتبع القمر لأنهم يعبدونه ومنهم من يتبع الطواغيت لأنهم يعبدونها ) والمراد بالطواغيت هنا: كل ما يعبد من دون الله مما سوى الشمس والقمر، لأن الشمس والقمر قد نص عليهما.
يقول : ( وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ) وإنما يبقى المنافقون مع أهل الإيمان لأنهم كانوا يتظاهرون بإيش؟ بالإيمان، فيغرر بهم ويخدعون كما كانوا يخادعون الله والذين آمنوا في الدنيا.
( فيأتيهم الله عزوجل فيقول: أنا ربكم، فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ) يأتيهم الله عز وجل فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه، بماذا يعرفونه وهل سبق لهم رؤيته ؟ أنكر بعض المعتزلة هذا الحديث وقال: إن قوله عرفناه، إنما تكون في الأعيان، وعلمناه تكون في المعاني، ولهذا يقول علمت الحكم، وعرفت زيدا، ولا يقول علمت زيدا لأن المعرفة تقع على الأعيان، والعلم يكون في المعاني، وعلى هذا فقولهم إذا جاء ربنا عرفناه يقول: هذا يدل على أنهم سبق أن رأوا الله وهم لم يروه فدل هذا على أن الحديث ليس بصحيح. فيقال: هذا خطأ، لأن معرفة الشيء تارة تكون عن سابق رؤية، وهذا واضح، وتارة تكون عن سابق وصف، بمعنى أنه يوصف للإنسان الشيء فإذا رآه على الوصف الذي كان عرفه عرف أنه هو، وإنما يعرفون الله بوصفه لأنه عز وجل وصف نفسه بأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صفاته ما يقتضي معرفته والعلم به.
( فيقول: أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فيدعوهم فيضرب الصراط ) هنا فيه اختصار يدعوهم إلى أي شيء ؟ يدعوهم إلى السجود كما في حديث أبي سعيد الطويل يدعوهم إلى السجود، أي يأمرهم به، فإذا ذهبوا ليسجدوا سجد من كان يسجد لله تعالى في الدنيا طاعة له، وعجز عن السجود من كان يسجد رياء وسمعة، أعوذ بالله، وهذا كالتفسير لقوله تعالى : (( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود )) يعني في الدنيا (( وهم سالمون )).
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيدعوهم ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم ) الصراط هو الطريق الواسع المستقيم، ولا يسمى صراطا في اللغة إلا بهذا الوصف واسع مستقيم، لأنه مأخوذ من الزرط، وهو ابتلاع اللقمة بسرعة وانحدارها مع المري بسرعة، ولا يكون المشي في الطريق بسرعة إلا إذا كان واسعا مستقيما، هذا هو الصراط، ولكن قد ورد في * صحيح مسلم * بلاغا ( أنه أدق من الشعر وأحد من السيف ) فإذا صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب القول به، ويكون صراطا باعتبار ما يمر به الناس، لأن الناس يمرون عليه على قدر أعمالهم كما سيأتي في الحديث، ويكون تسمية هذا صراطا لسهولة المرور عليه ممن سهله الله عليه. فإذا قال قائل: على هذه الرواية التي ذكرت أنها بلاغا عن النبي صلى الله عليه وسلم كيف يمكن السير على شيء أدق من الشعر وأحد من السيف؟
فالجواب أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، فإن المرور على هذا الصراط لا يمكن أبدا في الدنيا، كيف وسيمر عليه أمم لا يحصيها إلا الله، لكن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا، أليست الشمس تدنو من الخلائق قدر ميل؟ ومع ذلك لا تحرقهم، مع أن الشمس في الدنيا لو دنا منها أقوى فولاذ في الأرض لماع كالماء مع البعد الشاسع عنها، فأحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا.
قلت لكم: هذا إن صح حديث مسلم، لأن بعض أهل العلم طعن فيه، وقال: البلاغ ليس بمتصل، وقد وردت أحاديث على أنه دحض ومزلة، والدحض هو الطريق الذي فيه الطين يزلق الناس به، وأيدوا كلامهم بما وصف هنا.
قال : ( فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ) وفي هذا دليل على عظم هذا الموقف، وأنه موقف عظيم، حتى الذين أعطوا الأمان في الدنيا يسألون السلامة في ذلك اليوم، وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإذا كان الرسل وقد أعطوا الأمان يسألون السلامة والنجاة في ذلك اليوم فما بالك بمن دونهم، اللهم سلم.
وفي قوله : ( اللهم سلم سلم ) هل المعنى أنهم يكررون هذه الكلمة مرتين؟ لا، هذا لا يدل على الاقتصار على مرتين، بل يدل على التكرار أي على مطلق التكرار وإن زاد على مرتين.
وفي هذه الجملة دليل على أن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأنهم حتى في الآخرة مفتقرون إلى الله سبحانه وتعالى يقولون اللهم: سلم وسلم.
( وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ ) قالوا نعم، قال: ( فإنها مثل شوك السعدان ) والسعدان نبت معروف فيه شوك شديد، أحيانا يكون معقوفا لكنه إذا أصاب الإنسان لا بد أن ينفذ في جلده، وأحيانا ينكسر وتبقى الشوكة، لكنه كثير الشوك ولا يمكن لأحد أن يمسه بيده.
قال: ( إنها مثل شوكة السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله) لأن شوك السعدان الذي في الدنيا ليس بذاك الكبير، بإمكان الإنسان أن يكسره شوكة شوكة، ويصل إلى غرضه منه، لكن الشوك الذي يكون في الصراط لا يعلم قدر عظمها إلا الله ( تخطف الناس بأعمالهم ) الله أكبر، أي: بحسب أعمالهم، والخطف أخذ الشيء بسرعة، وسبحان الله تخطفهم بأمر الله، وتعرف المراد منهم بأمر الله، وإلا فهي كلاليب، ليس لها عقل، ولكن كل شيء أمام أمر الله عاقل حتى الجماد لما قال الله للسماوات والأرض (( ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين )) هذا الشوك يخطف الإنسان بعمله وهو ماش على الصراط، يجد نفسه آمنا فإذا بالشوكة تخطفه وتلقيه في النار أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
(تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو ) من يوبق بعمله أي: يهلك، لكن كل من مر على الصراط فإن مآله للجنة، وذلك أن أهل النار الذين هم أهلها لا يأتون إلى الصراط الصراط ولا يقربون حوله لأنهم ناكفون عنه في الدنيا، فلا يهتدون إليه في الآخرة، يحشرون من هناك من المحشر إلى النار والعياذ بالله (( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ))، لكن هؤلاء عصاة المؤمنين، منهم من تخطفه الكلاليب ويلقى في النار يطرح فيها ثم ينجو بعد مشيئة الله عز وجل، ومنهم من يخردل ثم ينجو، يخردل معناها عندكم في الشرح؟
القارئ : ...
الشيخ : هذا من؟ الفتح؟ العيني ويش يقول ؟ مو معك العيني وين اللي كان معه، كنت صاحبه بالأول على كل حال يخردل يعني يجعل قطعا كالخردل لكن هذا تفسير المحشي والله أعلم تحتاج إلى مراجعة.
ثم بعد ذلك ينجو من النار.
يقول : ( حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ) يأمر الله الملائكة أن يخرجوا من النار من يعبد الله، فبأي شيء يعرفون من يعبد الله؟ يعرفونه بأثر السجود، الجبهة والأنف والكفان والقدمان والركبتان، يعرفونهم بذلك، لأن الله حرم على النار أن تأكل أعضاء السجود.
وفي هذا يقول الشاعر:
يا رب أعضاء السجود عتقتها من فضلك الوافي وأنت الباقي
ثم توسل بهذا إلى أن يعتق بقية البدن:
فمنن على الفاني بعتق الباقي
يا رب أعضاء السجود أعتقتها من فضلك الوافي وأنت الباقي
والعتق يسري في الغنى يا ذا الغنى فامنن على الفاني بعتق الباقي
العتق يسري في الغنى يعني أن الرجل الغني إذا أعتق عبده ولو بعضه عتق الجميع، وكذلك إذا أعتق شريكه نصيبه منه سرى إلى الباقي وضمنه المعتق واضح هذا ولا غير واضح؟ يعني رجلان شريكان في عبد أعتق أحدهما نصيبه فعتق، الآخر لم يعتق نصيبه، لكنه غني يسري عتق الأول إلى نصيب شريكه ويضمن شريكه قيمة نصيب شريكه لشريكه.
والعتق يسري في الغنى يا ذا الغنى فامنن على الفاني بعتق الباقي
وهذا من باب التوسل إلى الله عز وجل ببعض نعمه على بعض.
قال ( وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا ) امتحشوا يعني احترقوا حتى صاروا فحما، ( فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ) ماء الحياة الله أعلم بكيفيته وحاله لكنه ماء تحيا به الأجساد فينبتون كما تنبت الحبة أو الحِبة في حميل السيل، أي: فيما يحمله السيل، لأن السيل يحمل حبوبا وغيرها حتى إذا استقر ووقف نبت مكانه هذه الحبوب. ثم يقول : ( ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ) يفرغ بمعنى ينتهي من القضاء بين العباد، وقد قال الله تعالى في سورة الرحمن (( سنفرغ لكم أيها الثقلان )) وهذه كلمة وعيد (( سنفرغ لكم أيها الثقلان )) لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن حتى يفرغ من شيء لشيء، لكنها كلمة وعيد كما تتوعد الإنسان فتقول أنا أتفرغ لك وأفعل لك وأترك، ثم يقول : ( ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة ) وهو آخر أهل النار دخولا الجنة، من يعرب الجملة هذه ؟ الجملة أعربها كلها. وهو آخر أهل النار دخولا الجنة.
الطالب : الواو تبع ما قبلها وهو مبتدأ وآخر خبر، خبر المبتدأ وهو مضاف وأهل مضاف إليه.
الشيخ : آخر مضاف وأهل مضاف إليه.
القارئ : وأهل مضاف والنار مضاف إليه دخولا حال.
الشيخ : الحال ما تكون إلا وصفا أو مصدرا مؤولا به؟ آخر هذه اسم تفضيل ولا لا ؟
السائل : ليست اسم تفضيل.
الشيخ : إلا هي على وزن أفعل آخر أصلها آخر فهي على وزن اسم التفضيل، فعلى هذا تكون دخولا تمييز، تكون تمييز، وأما الجنة مفعول به للمصدر، أحسنت. انتهى الوقت.
السائل : ...
الشيخ : يقول مرفوع للمصدر.
وقفنا في الشرح على ( يبقى رجل بين الجنة والنار ) نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم
نقل البخاري رحمه الله في سياق حديث ما ذكره في باب فضل السجود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعد أن قص ما سبق: ( ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد ) يفرغ من القضاء بمعنى ينتهي منه، وليس المعنى أنه ينشغل بالقضاء بين العباد عن أمور الكون الأخرى، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن.
( يبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبلا بوجهه قبل النار ) مقبلا بوجهه قبل النار على سبيل الاختيار أو على غير الاختيار ؟ الثاني على غير الاختيار، ولهذا يقول : ( يا رب اصرف وجهي عن النار ) لأنه إذا شاهد النار والعياذ بالله وشاهد أهله يعذبون لا شك أنه سوف يتألم، وأيضا فإن حرارة النار تؤثر على الوجه أكثر مما تؤثر على بقية البدن، قال ( قد قشبني ريحها ) قشبني بمعنى أتعبني وآذاني، ( وأحرقني ذكاؤها ) أي سمومها فيقول : ( هل عسيت ) يقول من ؟ يقول الله عز وجل : ( هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزيتك ).