تكلم أبو مالك على المتمسكين بالكتاب والسنة وعلى الفتن الواقعة اليوم . حفظ
أبو مالك : إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله . (( يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون )) (( يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثّ منهما رجالا كثيرا و نساء و اتّقوا الله الّذي تساءلون به و الأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبا )) (( يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله و قولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما )) أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كتاب الله ، و خير الهدى هدى محمّد صلّى الله عليه و سلّم و شرّ لأمور محدثاتها و كلّ محدثة بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النّار . لا أحسب إلا أنّ كلّ واحدا منّا نحن معاشر من يقول عن نفسه أو من يقولون عن أنفسهم نحن على منهج الكتاب و السّنّة سواء أكنّا في عمّان في الأردن أم في أيّ قطر من أقطار المسلمين الأخرى إلا أنّ كلّ واحد منّا يعلم أنّ النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام لم يغادر الدّنيا و يلتحق بالرّفيق الأعلى إلاّ و قد بيّن لنا بيانا شافيا و فصّل لنا تفصيلا كاملا و أوقفنا على كلّ أمر من أمور الدّنيا و الآخرة الّتي بها تكتب السّعادة للمرء المسلم إن ألزم نفسه هذا السبيل ويقصي بها عن الشّقوة الّتي تحلّ أهلها عياذا بالله أو تقودهم إلى مصير الجحيم ، و هذه نعمة كبرى يجب علينا دائما أن نشكر لله فضله علينا بها و أن نكثر بها أيضا من الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و هو حقّ ألزمنا الله به في كتابه . أقول هذا و نحن الآن نعيش أحداثا جساما و فتنا عظاما و مصائب جمّة تطلّ علينا بقرونها الحادّة المذبّبة من كلّ أقطارنا و تكاد تتهدّدنا و تتوعّدنا و كلّ منّا في عقر داره و قعر بيته . و السّلامة من هذه الأحداث الجسام و من هذه الفتن العظام لا يكون بالّتصدّي لها ليذود الإنسان أو ليذودها المرء منّا عن نفسه بسلاح يحسب به أنّه قادر على درئها و ردّها و لا يكون أيضا بالتّطلّع إليها من قريب أو من بعيد و كأنّه يقول لها أو لبعضها أقبلي إليّ قبل أن أقبل إليك و لا تكون كذلك أيضا بالخوض فيها على غير بيّنة و هدى . درء هذه الفتن لا يكون بشيء من مثل هذا أو ما يماثله و يشابهه و يحاكيه ، إنّما المخرج من هذه الفتن و هذه الأحداث ينبغي أن يكون على وفق ما نحن عليه و قد ألزمنا أنفسنا منهج الكتاب و السّنّة . أن نكون ملزمين أنفسنا كما نلزم أنفسنا بأدب الطّعام و الشّراب و بأحكام الصّلاة والحجّ والزّكاة و الصّيام و معرفة الحلال و الحرام و كيف يكون كسب أحدنا صافيا خالصا يجتنب به صريح الحرام و الشّبهات كذلك أيضا من باب أولى حتّى يسلم لنا ذلك كلّه و نكون على بصيرة من أمرنا أن نتعلّم كيف ننجوا من هذه الفتن و بخاصّة إذا خالطتنا و فرضت نفسها علينا و أصبحت تأوي إلينا في بيوتنا و تمشي معنا في طرقاتنا و تجلس معنا في مساجدنا و تتحرّك معنا أينما توجّهنا ، عندئذ يصبح لزاما على كلّ واحد منّا أن يتعرّف كيف يدرأ هذه الفتن عنه إن لم يكن قد لامسته من قريب أو من بعيد أو أنّها لازال يفصل بينه و بينها مسافة زمانيّة أو مكانيّة يمكن أن يحتاط لنفسه أو يأخذ الحيطة لنفسه فيعرف كيف ينجو من شررها و شرّها و هنا أذكّركم بحديث حذيفة رضي الله عنه الّذي جاء في صحيح البخاري عندما قال ( كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عن الخير و كنت أسأله عن الشّرّ مخافة أن يدركني ) و الحديث معروف لديكم و لكن أردت أن أبيّن أنّ كثيرا من النّاس أصبح الخير عندهم شرّا و الشّرّ خيرا حتّى أصبحنا نسمع أو نقرأ من آثار هذه الفتن الّتي لم يعد يتبيّن الإنسان فيها مع الجاهلين ما يمكن أن يتبيّنه مع المتقّين و مع أهل العلم و طلاّبه ، أصبحنا نسمع أشياء غريبة عجيبة أن يكون هناك مثلا دعوة لاستنصار أو استنزال النّصر أو استسقاء النّصر و أن تحيى ليلة من اللّيالي في مكان كذا أو في مسجد كذا و أن يكون ضيف الاعتكاف في هذه اللّيلة فلان من النّاس . هذا ما أنتجته بعض من الفتن أو هذه المحن و لو أنّ أهل العلم هم الّذين استفتوا أو أخذ رأيهم أو استشيروا في هذه الأمور الّتي تحدث و تجري على ساحتنا و في أرضنا و تكاد شررها أو شرورها تتخطّفنا من قريب أو من بعيد لنجى منا الكثير الكثير و لكنّ النّجاة الّتي نريدها ما يكاد قد أصاب منها حظّا يسيرا أو وافرا إلاّ عدد قليل حتّى من الّذين يلزمون أنفسهم أو يقولون عن أنفسهم بأنّهم أهل منهج الكتاب والسنة ولا يخفى على ذي بصيرة عاقل أنّه لا يتأهّل لبيان مداخل هذه الفتن و مخارجها و بيان مواطن الشّدّة و الضّعف فيها إلاّ قليل من النّاس ، ليس كلّ أحد أو ليس كلّ واحد يمكنه أن يقول في هذه الفتنة قولا فصلا ، إلاّ إن هو قد أحاط بشيء كثير جدّا من كلام نبيّنا عليه الصّلاة السّلام يتبيّن به كيف يمكن أن يعرف مداخلها و مخارجها ليجتنب أن يصل إلى وسط الطّريق فيها فلا يستطيع أن يرجع إلى مدخل من مداخلها أو أن يصل إلى مخرج من مخارجها و من هنا أصبحنا نرى و نسمع كثيرا من النّاس يتكلّمون كلاما لا أصل له في دين الله و ينقلون من الكتب ما هبّ و دبّ و يتحدّثون عن أباطيل الكلام كما يتحدّثون عن حقائق الإسلام و يسوّون بين هذه وتلك فهذه و الله العظيم طامّة من الطّامّات الّتي ينبغي أن نحذرها و أن نحذّر النّاس منها . كثر العلماء و كثر الدّعاة و كثر المحرّضون و كثر المشجّعون و أصبحت ترى في كلّ نادي و وادي جمهرة من النّاس يقول فيهم واحد منهم افعلوا فيفعلون ، اتركوا فيتركون حتّى إذا جاء العاقل من أهل البصر و حذق الأمر و معرفة مسائل العلم و توخّي الحقّ من كتاب الله و سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يجد لنفسه شيئا كالصّمت أن يلوذ به أو أن يتمسّك بأهدابه . و لا أحبّ هنا أن أطيل عليكم في هذه المقدّمة و قد أكرمني شيخنا جزاه الله خيرا أن أتحدّث إليكم بمثل هذه المقدّمة بين يدي ما ستسمعونه من شيخنا جزاه الله خيرا من العلم النّفيس و المسائل المحكمة الّتي يتبصّر الإنسان فينا بها أين يجب أن يكون و كيف يجب أن يكون ممّا آتاه الله عزّ وجلّ من علم الكتاب و السّنّة و بما فتح الله عليه و لو أنّ واحدا مثل الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألباني في غير قومه في هذا البلد أو في سواه كان في بلد من البلاد الّتي تعرف حقّ العلماء لحجّ إليه النّاس من كلّ أقطار الدّنيا و لكن هو بيننا و مقيم بين أظهرنا و النّاس يتحدّثون عن علمه و كتبه و تحقيقاته و مرويّاته و تخريجاته و مسائله المستنبطة الّتي ربّما جاء بها بالكثير ممّن لم يسبقه فيها أحد من العلماء و مع ذلك نضنّ على أنفسنا أن نجلس إليه أو أن يأتي النّاس إليه في هذا البلد هذه الجماهير الغفيرة الّتي تؤمّ السّاحات و المساجد لتسمع كلاما هائجا لا يكاد الكلام أو لا يكاد المرء يمسك من نفع فيه إلاّ على أقلّ القليل و أيسر اليسير . بعد هذا لا يسعني إلاّ أن أقول جزى الله عنّا شيخنا و بارك الله عليه و فيه و أمدّ في عمره و نفع به الأمّة الإسلاميّة و جزاه عمّا قدّم لها خير الجزاء و ليسمح لي شيخي الآن أن نعود إلى المجلس بعد أن نصلّي العصر إن شاء الله . و السّلام عليكم .
الشيخ : جزاك الله خيرا .
أبو مالك : نسمع هذه الأيّام كلمة الجهاد تتردّد على ألسنة الكثيرين سواء أكانوا قادة أم كانوا من عامّة النّاس و لا شكّ أن الجهاد همو رأس سنام الإسلام و هو الطّريق الّذي يمهّد لعقائد الإسلام و شرائعه و أركانه أن تسود في الأرض و هذا أمر لا يخفى على أحد في النّاس قديما و حديثا مسلما كان أم غير مسلم و لكن لا شكّ أنّ الأمر مع كونه ظاهرا في غايته و في حقيقته إلاّ أنّه يغيب عن كثير من النّاس الشّروط الّتي يجب توفّرها حتّى يكون هذا الجهاد هو الطّريقة الّتي يسلكها المسلم أو جماعة المسلمين لإعلاء كلمة الله في الأرض .فكثير من هذه الأسئلة الّتي بين أيدينا تتناول هذا الموضوع و أوّل سؤال .
الشيخ : جزاك الله خيرا .
أبو مالك : نسمع هذه الأيّام كلمة الجهاد تتردّد على ألسنة الكثيرين سواء أكانوا قادة أم كانوا من عامّة النّاس و لا شكّ أن الجهاد همو رأس سنام الإسلام و هو الطّريق الّذي يمهّد لعقائد الإسلام و شرائعه و أركانه أن تسود في الأرض و هذا أمر لا يخفى على أحد في النّاس قديما و حديثا مسلما كان أم غير مسلم و لكن لا شكّ أنّ الأمر مع كونه ظاهرا في غايته و في حقيقته إلاّ أنّه يغيب عن كثير من النّاس الشّروط الّتي يجب توفّرها حتّى يكون هذا الجهاد هو الطّريقة الّتي يسلكها المسلم أو جماعة المسلمين لإعلاء كلمة الله في الأرض .فكثير من هذه الأسئلة الّتي بين أيدينا تتناول هذا الموضوع و أوّل سؤال .