قراءة من الشرح مع تعليق الشيخ . حفظ
القارئ : بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه لقول البخاري : " باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه : حدثنا محمد بن سلام: ثنا مخلد: أنا ابن جريجٍ: سمعت نافعا يقول: سمعت ابن عمر يقول: ( نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقيم الرجلُ الرجل من مقعده، ثم يجلس فيه ِ) قلت لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها.
وقد خرّجه البخاري في مواضع متعددة، وفي بعضها زيادة: ( ولكن تفسحوا وتوسعوا ) .
وخرّج مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الحمعة ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا )
وخَّرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن افسحوا يفسح الله لكم ).
وروى ابن أبي حاتم بإسناده، عن مقاتل بن حيان، قال: أنزلت هذه الآية - يعني: قوله: (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافْسَحُوا )) في يوم جمعة، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ في الصفة، وفي المكان ضيقٌ، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء أناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس، فقاموا حيال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسلموا عليه، ثم سلموا على القوم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فلم يفسح لهم، فشق ذلك على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار -من غير أهل بدر -: ( قم أنت يا فلان، وأنت
يا فلان )
، فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه، وعرف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكراهة في وجوههم، وتكلم في ذلك المنافقون، فبلغنا أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( رحم الله رجلاً فسح لأخيه ) ، فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعاً، فيفسح القوم لإخوانهم، ونزلت الآية يوم الجمعة فظاهر هذا: يدل على أن إقامة الجالس نسخ بهذه الآية، وانتهى الأمر إلى التفسح المذكور فيها.
وقال قتادة: كان هذا للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن حوله خاصة، يشير إلى إقامة الجالسين ليجلس غيرهم، فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك إكراماً لأهل الفضائل والاستحقاق، وغيره لا يؤمن عليه أن يفعله بالهوى.
ويستثنى من ذلك الصبي، إذا كان في الصف، وجاء رجلٌ، فله أن يؤخره ويقوم مقامه، كما فعله أبي بن كعب بقيس بن عباد، وقد ذهب اليه الثوري وأحمد، وقد تقدم ذلك "
. ذكر الصفحة يقول ص 33.
الشيخ : نفس المجلد؟
القارئ : أرجع له ؟
الشيخ : نعم.
القارئ : " ولو قام الصبي في وسط الصف، ثم جاء رجلٌ، فله أن يؤخره ويقوم مقامه، نص عليه، وفعله أبي بن كعبٍ بقيسِ بن عبادٍ، وروي نحوه عن عمر - أيضاً -، فهذا قول الثوري وأحمد، وقد سبق ذكره في أبواب الصفوف.
ولو كان الصبي في آخر الصف، فقام رجلٌ خلفه في الصف الثاني، فقال أحمد: لا بأس به، هو متصلٌ بالصف، وحمله القاضي على أن الصف إذا كان فيه خللٌ، فوقف رجلٌ لم يبطل اتصاله، لأن الصبي لا يصاف الرجل في الفرض على المنصوص لأحمد، ومن أصحابنا من قال: لا يصاف الرجل في الفرض ولا في النفل "
انتهى
الشيخ : بس ؟
القارئ : نعم.
الشيخ : لكنه يقول سبق.
القارئ : نعم.
الشيخ : الله المستعان.
القارئ : تكلم عن مصافة الصبي.
الشيخ : لكن ما تكلم عن الترجمة مع أنه في العادة يتكلم، الترجمة أخص من الحديث.
القارئ : ما أكملنا يا شيخ.
الشيخ : طيب.
القارئ : " فإن كان الذي في الصف رجلاً، وكان أعرابياً أو جاهلاً، لم يجز تأخيره من موضعه، قال أحمد: لا أرى ذلك.
وفي سنن أبي داود عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( من سبق إلى ما لم يسبق اليه أحد فهو أحق به ).
واستثنى بعض الشافعية - أيضاً - ثلاث صور، وهي: أن يقعد في موضع الإمام، أو طريق الناس ويمنعهم الاجتياز، أو بين يدي الصف مستقبل القبلة.
ويستثنى من ذلك، أن يكون المتأخر قد أرسل من يأخذ له موضعاً في الصف، فاذا جاء قام الجالس، وجلس الباعث فيه "
.
الشيخ : بعد الصلاة بعض الناس الآن إذا سلم تقدم وخلى الناس وراءه قريبا منه، وهذه عادة ما كنا نعرفها لكنها حدثت، فتجد الذين إلى جنبه يقع في نفوسهم شيء أن يستدبرهم، بعض الناس يقول هذا وأمثاله أنا أقعد تعبت مثلا من الافتراش في الصلاة والتورك وأحب أن أتربع والمكان ضيق، نقول لا بأس عليك، _انتبه يا أيوب_ أقول لا بأس عليك تقدم إلى مكان آخر أبعد عن الناس أو تأخر، إي نعم.
القارئ : " وقد ذكره الشافعي وأصحابنا وغيرهم، وروي عن ابن سيرين أنه كان يفعله.
وأما إن قام أحد من الصف تبرعاً وآثر الداخل بمكانه، فهل يكره ذلك، أم لا؟ إن انتقل إلى مكان أفضل منه لم يكره، وإن انتقل إلى ما دونه فكرهه الشافعية.
وقال أحمد فيمن تأخر عن الصف الأول وقدم أباه فيه: هو يقدر أن يبرَّ أباه بغير هذا.
وظاهره: الكراهة، وأنه يكره الإيثار بالقرب.
وأما المؤثر، فهل يكره له أن يجلس في المكان الذي أوثر به؟ فيهِ قولان مشهوران أشهرهما: لا يكره، وهو قولُ أصحابنا والشافعية وغيرهم.
والثاني: يكره، وكان ابن عمر لا يفعل ذلك، وكذلك أبو بكرة.
وخَّرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام له رجل من مجلسه، فذهب ليجلس فيه، فنهاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وخرّج أحمد وأبو داود من حديث أبي بكر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معناه -أيضاً "
.
الشيخ : يحمل هذا الحديث على أن الرسول عليه الصلاة والسلام إما أنه اختار أن يكون الأول في مكانه لأنه أفقه من الثاني أو أنفع، أو أن الرسول ظن أنه قام خجلا وحياء، فنهى الثاني أن يجلس، وأما إذا قام إكراما وليس هناك مصلحة، فلا شك ان الرسول لا ينهى عن مثل ذلك والله أعلم.
ابن عمر رضي الله عنه كان إذا قام له الرجل ما يجلس في مكانه أبدا، لعله يخشى أن يكون قام خجلا أو حياء، وكان ابن عمر معروفا بشدة الورع، لكن لو قام إكراما لك فقد يكون من حسن الخلق أن تقبل هذا الإكرام.
بقي أن يقال الإيثار بالقرب، لا شك أن الإيثار بالقرب إذا كان عن زهد فيها فهو على خطر، وإن كان لإكرام من أوثر فهذا فيه تفصيل، إذا كان لو لم تؤثره لبقي في قلبه شيء كما لو كان الأب ممن يشره على ابنه من أجل أن يقدمه فجاء الأب ولم يقم الابن عن مكانه فهنا لا شك أن جبر خاطر أبيه أولى، وأما إذا كان لا يهتم فبقاؤه في مكانه الفاضل أحسن، وكذلك يقال فيما لو أراد إنسان أن يكرم أحد له حق عليه ويقوم ويقول اجلس فلا بأس، هذا الإيثار في القرب غير الواجبة، أما الواجبة فلا يجوز الإيثار بها، كما لو كان مع الإنسان ماء قليل يكفي لوضوء رجل واحد، ومعه صاحب له فهنا لا يؤثره بهذا الماء القليل، لماذا ؟ لأنه يجب عليه استعماله، فإذا آثر به غيره معناه أنه يبقى بلا وضوء.
القارئ : " ولو بادر رجلٌ وسبق المؤثر إلى المكان، فهل هو أحق به من الموثر، أم لا؟ فيه وجهان لأصحابنا وغيرهم.
وأما من فسح له في مجلسٍ أو صفٍ "
.
الشيخ : ولا شك أنه لا يجوز، لا يجوز للإنسان يقوم من مكانه لشخص ويجي واحد ويدخل في هذا المكان، هذا عدوان، وهولا يحل، وأشد منه أن بعض الناس إذا خاف من فوت الركعة ولم يكن في الصف مكان جلب واحدا ثم دخل في مكانه، هذا لا شك أنه حرام ولا يجوز.
فعلى كل حال غير المؤثر لا يجوز أن يتقدم ويكون في مكان المؤثر، نعم.
القارئ : " وأما من فسح له في مجلسٍ أو صفٍ، فلا يكره له الجلوس فيه.
وفي مراسيل خالد بن معدان، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( إذا جاء أحدكم إلى المجلس، فوسع له، فليجلس، فإنها كرامة ) خرّجه حميد بن زنجوية.
فإن كان في جلوسه تضييق على الناس، أو لم يصل إلى المكان الا بالتخطي، فلا يفعل.
وقد روي عن أبي سعيدٍ الخدري، أنه أوذن بجنازة في قومه، فتخلف حتى جاء الناس وأخذوا المجالس، ثم جاء بعد، فلما رآه القوم توسعوا له، فقال: لا، إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( إن خير المجالس أوسعها ) ، ثم تنحى فجلس في مجلس واسع، وخَّرج أبو داود منه المرفوع فقط.
وروى الخرائطي -بإسناد فيه جهالة -، عن أبي هريرة -مرفوعاً -: ( لا توسع المجالس إلا لثلاثة: لذي علم لعلمه، وذي سن لسنه، وذي سلطان لسلطانه ) "
.
الشيخ : هذا فيه نظر، ولا أظنه يصح لأن الله يقول : (( إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا )).
القارئ : " ودخل خالد بن ثابت الفهمي المسجد يوم الجمعة، وقد امتلأ من الشمس، فرآه بعض من في الظل، فأشار اليه ليوسع له، فكره أن يتخطى الناس إلى ذلك الظل، وتلا: (( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ))، ثم جلس في الشمس. خرّجه حميد بن زنجويه ".
الشيخ : أحسنت بارك الله فيك.
القارئ : أحسن الله إليك، حول الترجمة قال: " وخرج مسلم عن جابر قال : لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ".
الشيخ : إي نعم، مو مشكل كونه يسوق الحديث العام في ترجمة خاصة.
القارئ : كأنه يشير إلى الحديث الذي رواه مسلم.
الشيخ : ما يستقيم هذا.
القارئ : فيه كلام للحافظ ابن حجر إن رأيتم أن نقرأه ؟
الشيخ : طيب.
القارئ : قال : " هذه الترجمة المقيدة بيوم الجمعة ورد فيها حديث صحيح لكنه ليس على شرط البخاري، أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ: لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول تفسحوا، ويؤخذ منه أن الذي ".
الشيخ : الغريب أن البخاري رحمه الله يأتي بحديث عاما ثم يحمله على الخصوص، هذا يعتبر قصر للحديث عن دلالته.
السائل : يمكن يكون إشارة إلى رواية أخرى أو حديث آخر؟
الشيخ : يمكن هذا، يمكن أشار إلى هذا، لكن في هذا نظر، ما دام روايته عامة، كمل القراءة.
القارئ : " وكأن البخاري اغتنى عنه بعموم حديث ابن عمر المذكور في الباب، وبالعموم المذكور احتج نافع حين سأله ابن جريج عن الجمعة، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى ".