باب : صلاة الخوف . وقول الله تعالى : (( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذىً من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذاباً مهيناً )) . حفظ
الشيخ : (( فلتقم طائفة منهم معك )) يعني وطائفة أخرى لا تقوم معك، أين تكون ؟ تكون في مواجهة العدو، لئلا يبغت المسلمين في حال صلاتهم ويهجم عليهم، (( فلتقم طائفة منهم معك )) يعني وأخرى تجاه العدو.
(( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم )) إذا سجدوا أي: أتموا صلاتهم، هذا هو المعنى الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم بها فعلا، لأنه لو قال قائل: إذا أخذت اللفظ على ظاهره فالمعنى أنه إذا سجدوا انصرفوا من الصلاة بدون تشهد ولا تسليم؟
نقول: إن السنة تبين القرآن وتفسره، وقد جاءت بأن الطائفة التي تبتدئ الصلاة مع الإمام تتم الصلاة ثم تذهب (( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائهم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك )) اللام في قوله: (( ولتأت )) لام الأمر بدليل أن الفعل معها مجزوم ولتأت.
(( طائفة أخرى )) من هي الطائفة الأخرى؟ التي كانت تجاه العدو (( لم يصلوا فليصلوا معك )) هنا قال فليصلوا معك إشارة إلى أنه لا يسلم حتى يقضوا صلاتهم ويكون تسليمهم مع تسليمه، وبناء على ذلك جاءت السنة، فإن هؤلاء الطائفة إذا دخلوا مع الإمام والإمام في الركعة الثانية دخلوا معه، صلوا معه الركعة، فإذا جلس للتشهد أتموا لأنفسهم، ثم سلم الإمام بهم ولهذا قال : (( فليصلوا معك ))، ولو أنه سلم ثم قضوا ما صاروا صلوا معه بل أدركوا ركعة من صلاتهم، وعلى هذا تكون السنة مبينة لمعنى قوله (( فليصلوا معك )).
(( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم )) الضمير في ليأخذوا الأولى أو الثانية ؟ الثانية، وإنما أمرهم بالأمرين جميعا: بأخذ الحذر والأسلحة، لأن العدو يكون قد تربص بهم أكثر واستعد للهجوم، فلذلك أمرت الطائفة الثانية بأن تأخذ الحذر والأسلحة.
ثم قال عز وجل : (( ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة )) نعم، يودون هذا يودون بكل قلوبهم أن يغفل المسلمون عن السلاح والمتاع حتى يميل عليهم العدو ميلة واحدة، أي: قاضية، وكما أن هذا في السلاح الحسي فهو كذلك في السلاح المعنوي، يود الذين كفروا الآن أن نغفل عن أخلاقنا وعقيدتنا حتى يهجمونا بأخلاقهم الفاسدة وعقائدهم المنحرفة، ولذلك يجب على الأمة الإسلامية أن تكون يقظة لعدوان الكفار بالأسلحة أتموا؟ المعنوية كما يجب أن يكونوا حذرين بالنسبة للأسلحة الحسية.
ثم قال : (( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذىً من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم )) لأنه قال : (( وليأخذوا أسلحتهم )) فنفى الجناح عن حمل الأسلحة إذا كان هناك أذى من مطر بمعنى أنه كان مطر يؤذيهم حمل السلاح معه ويشق عليهم، أو كانوا مرضى والمراد مرضا لا يمنعهم من الجهاد، لأن المرض الذي يمنع من الجهاد يسقط به الجهاد كما قال تعالى : (( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج )) ولكنه قال : (( خذوا حذرهم )) يعني لا تضعوا السلاح من الأذى أو المرض وتغفلوا، خذوا حذركم، لأن الأعداء يتربصون بنا إيش؟ الدوائر.
(( إن الله أعد للكافرين عذاباً مهيناً )) وفي هذا التعليل إشارة إلى أن كل ما نعده للكافرين من الإهانة فإنه من مراد الله وقضاء الله لأنه أعد للكافرين عذابا مهينا في الدنيا والآخرة، أما عذاب الدنيا فإننا إذا سلطنا الله عليهم وغلبناهم سبينا الذرية والنساء وقتلنا المقاتلة، وهذا من أشد ما يكون عذابا، أما في الآخرة فالأمر أوضح من أن نتحدث عنه نعم.
الشاهد من هذه الآية تشير إلى صلاة الخوف، حيث إن القائد يقسم الجيش إلى قسمين، قسم يجعله في نحر العدو للدفاع، وقسم آخر إيش يعملون؟ يصلون معه الركعة الأولى، فإذا قام إلى الثانية أطال القراءة وقضوا هم لأنفسهم وأتموا الصلاة، ثم ذهبوا إلى نحر العدو، ورجعت الطائفة التي كانت في نحر العدو ودخلت مع الإمام في الركعة الثانية فيصلون معه، فإذا جلس للتشهد قاموا ولم يجلسوا وأتموا الصلاة وسلموا معه، وحينئذ يكون الإمام منتظرا لهذه الطائفة في القيام وإيش؟ والقعود، في القيام والقعود.