قراءة من الشرح حفظ
" قراءة من الشرح "
القارئ : " قوله ركعة وسجد سجدتين، زاد عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري مثل نصف صلاة الصبح.
وفي قوله: مثل نصف صلاة الصبح إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح، فعلى هذا فهي رباعية وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت العصر.
وفيه دليل على أن الركعة المقضية لا بد فيها من القراءة لكل من الطائفتين، خلافا لمن أجاز للثانية ترك القراءة.
وقوله: فقام كل واحد منهم فركع لنفسه لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه: ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه: أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا، ولم نقف على ذلك في شيء من الطرق.
وبهذه الكيفية أخذ الحنفية، واختار الكيفية التي في حديث ابن مسعود أشهب والأوزاعي وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد، واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد لكن لا بد أن تكون التي تحرس يحصل الثقة بها في ذلك، والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحد ثم يصلي الآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقا، لكن قال الشافعي أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة، لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله: أسلحتهم ".
الشيخ : خلاص؟
القارئ : خلاص.
الشيخ : على كل حال ظاهر الحديث هذا وقوله ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا أنهم لم يكملوا صلاتهم، انصرفوا تجاه العدو، ثم جاءت الطائفة الثانية فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم سلم فقام كل واحد منهم أي: من هذه الطائفة الثانية أو منهم أي من كل الطوائف، يحتمل هذا وهذا فإن كان كل واحد من الطائفة الثانية فلا إشكال يعني تقضي ثم تذهب وتحرس ثم تأتي الأولى وتقضي ركعتها، وإن كان المعنى أنهم كلهم قضوا جميعا ففيه إشكال، وهو أنهم إذا فعلوا ذلك فلا حراسة، وهولا يجوز أن يدعوا القوم بلا حراسة كما قال عز وجل (( خذوا حذركم)) (( وليأخذوا أسلحتهم )) وعلى هذا يتعين أن في الرواية طيا أي أن الرواة تركوا أو طووا ذكر الطائفة الأولى ماذا صنعت، وعلى هذا فتحمل على حديث سهل بن أبي حتمة أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قام من الركعة الأولى قضت الطائفة الأولى وهو قائم، ثم ذهبت إلى العدو، يتعين هذا.
وفي قوله ( ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ) دليل على أنه ليس من المشروع أن الناس إذا فاتهم شيء من الصلاة ثم قاموا يقضون أنه يصلي بعضهم ببعض وهذا وإن أجازه بعض الفقهاء فقد منعهم آخرون، يعني مثل أن يقول لصاحبه نحن فاتنا ركعتان فإذا قمنا سأكون إماما لك، هذا ليس بمشروع، ولم يعهد من الصحابة على وجه صريح أنهم كانوا يصلون جماعة إذا سلم الإمام وهم يقضون صلاتهم.
ولهذا اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من قال إنه جائز أن يصلي المسبوق بمن معه بعد سلام الإمام، فينتقل أحدهم من ائتمام إلى إمامة، وينتقل الثاني من إمام إلى إمام آخر، ومن الفقهاء من منع هذا، نعم. الفتح الأول.
" قراءة من فتح الباري لابن رجب "
القارئ : " ذكر حديث ابن عمر وخرجه في موضع آخر من رواية معمر وخرجه مسلم من رواية معمر وفليح كلاهما، عن الزهري، به - بمعناه. وقد روي عن حذيفة نحو رواية ابن عمر - أيضا خرجه الطبراني من رواية حكام بن سلم، عن أبي جعفر الرازي، عن قتادة، عن أبي العالية، قال: صلى بنا أبو موسى الأشعري بأصبهان صلاة الخوف وما كان كبير خوفٍ، ليرينا صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام فكبر، وكبر معه طائفة من القوم، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بهم ركعة أخرى، فانصرفوا وقاموا مقام إخوانهم فجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم، فصلى كل واحد منهم الركعة الثانية وحدانا. ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي العالية، أن أبا موسى كان بالدار من أرض أصبهان، وما بها كبير خوف، ولكن أحب أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم، فجعلهم صفين: طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها، وطائفة من ورائها، فصلى بالذين بإزائه ركعة، ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الأخرى، وجاءوا يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم، فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة ركعة، ثم سلم بعضهم على بعض، فتمت للإمام ركعتان في جماعة، وللناس ركعة ركعة. يعني في جماعة، خرجه ابن أبي شيبة، وعنه بقي بن مخلد في مسنده وهو إسناد جيد، وهو في حكم المرفوع، لما ذكر فيه من تعليمهم سنة نبيهم، ورواه أبو داود الطيالسي، عن أبي قرة، عن الحسن، عن أبي موسى، أن رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بأصحابه -فذكر نحوه، وفيه زيادة على حديث ابن عمر: أن الطائفة الأولى لما صلت ركعة وذهبت لم تستدبر القبلة، بل نكصت على أدبارها، وروي - أيضا - عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو ذلك، من رواية خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف، فقاموا صفين، فقام صف خلف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصف مستقبل العدو، فصلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصف الذين يلونه ركعة، ثم قاموا فذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، وجاءوا أولئك فقاموا مقامهم، فصلى بهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة، ثم سلم، ثم قاموا فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ثم ذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم، فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، خرجه الإمام أحمد -وهذا لفظه - وأبو داود - بمعناه وخصيف، مختلف في أمره، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه أخذها عن أهل بيته، فهي صحيحة عندهم.
وهذه الصفة توافق حديث ابن عمر وحذيفة، إلاّ في تقدم الطائفة الثانية في قضاء ركعة وذهابهم إلى مقام أولئك مستقبلي العدو، ثم مجيء الطائفة الأولى إلى مقامهم فقضوا ركعة، وحديث ابن عمر وحذيفة فيهما قيام الطائفتين يقضون لأنفسهم، وظاهره: أنهم قاموا جملة وقضوا ركعة ركعة وحدانا.
وقد رواه جماعة، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، وزادوا فيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر وكبر الصفان معه جميعاً. وقد خرجه كذلك الإمام أحمد وأبو داود.
وزاد الإمام أحمد: ( وهم في صلاة كلهم ) واختلف العلماء في صلاة الخوف على الصفة المذكورة في حديث ابن عمر وما وافقه، فذهب الأكثرون إلى أنها جائزة وحسنة، وإن كان غيرها أفضل منها، هذا قول الشافعي -في أصح قوليه - وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وقالت طائفة: هي غير جائزة على هذه الصفة، لكثرة ما فيها من الأعمال المباينة للصلاة من استدبار القبلة والمشي الكثير، والتخلف عن الإمام، وادعوا أنها منسوخة، وهو أحد القولين للشافعي، ودعوى النسخ هاهنا لا دليل عليها. وقالت طائفة: هي جائزة كغيرها من أنواع صلاة الخوف الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا فضل لبعضها على بعض، وهو قول إسحاق: نقله عن ابن منصور ونقل حرب، عن إسحاق، أن حديث ابن عمر وابن مسعود يعمل به إذا كان العدو في غير جهة القبلة وكذلك حكى بعض أصحاب سفيان كلام سفيان في العمل بحديث ابن عمر على ذلك، وقالت طائفة: هي أفضل انواع صلاة الخوف، هذا قول النخعي، وأهل الكوفة وأبي حنيفة وأصحابه، ورواية عن سفيان، وحكي عن الأوزاعي وأشهب المالكي وروى نافع، أن ابن عمر كان يعلم الناس صلاة الخوف على هذا الوجه. وحكي عن الحسن بن صالح، أنه ذهب إلى حديث ابن مسعود، وفيه: أن الطائفة الثانية تصلي مع الإمام الركعة الثانية، ثم إذا سلم قضت ركعة، ثم ذهبت إلى مكان الطائفة الأولى، ثم قضت الطائفة الأولى ركعة، ثم يسلم وقد قيل: إن هذا هو قول أشهب، وحكى ابن عبد البر، عن أحمد، أنه ذهب إلى هذا -أيضا.
وقال بعض أصحابنا: هو أحسن من الصلاة على حديث ابن عمر، لأن صلاة الطائفة الثانية خلت عن مفسد بالكلية.
وحكي عن أبي يوسف ومحمد والحسن بن زياد والمزني: أن صلاة الخوف لا تجوز بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لظاهر قول الله تعالى: (( وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ )) الآية. قالوا: وإنما يصلي الناس صلاة الخوف بعده بإمامين، كل إمام يصلي بطائفة صلاة تامة، ويسلم بهم.
وهذا مردود بإجماع الصحابة على صلاتها في حروبهم بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد صلاها بعده: علي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الاشعري، مع حضور غيرهم من الصحابة، ولم ينكره أحد منهم، وكان ابن عمر وغيره يعلمون الناس صلاة الخوف، وجابر، وابن عباس وغيرهما يروونها للناس تعليما لهم، ولم يقل أحد منهم: أن ذلك من خصائص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخطابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يمنع مشاركة أمته له في الأحكام، كما في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )) وقوله: (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِم )) وحكي عن مالك، أنها تجوز في السفر دون الحضر، وهو قول عبد الملك بن الماجشون من أصحابه، ويحتج له بحمل آية القصر على صلاة الخوف، وخرجه الإمام أحمد من رواية ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: غزا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ست مرار قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السابعة.
وقد تقدم في حديث أبي عياش، أن أول صلاة الخوف كانت بعسفان، وعلى المشركين خالد،
وقد روى الواقدي بإسناد له، عن خالد بن الوليد، أن ذلك كان في مخرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عمرة الحديبية، وقد تقدم أن أبا موسى صلى بأصبهان هذه الصلاة، ولم يكن هناك كبير خوف، وإنما صلى بهم ليعلمهم سنة صلاة الخوف، وهذا قد يحمل على أنه كان ثم خوف يبيح هذه الصلاة، ولم يكن وجد خوف شديد يبيح الصلاة بالإيماء.
وقد قال أصحابنا وأصحاب الشافعي: لو صلى صلاة الخوف على ما في حديث ابن عمر في غير خوف لم تصح صلاة المأمومين كلهم، لإتيانهم بما لا تصح معه الصلاة في غير حالة الخوف من المشي والتخلف عن الإمام، فأما الإمام فلأصحابنا في صلاته وجهان، بناء على أن الإمام إذا بطلت صلاة من خلفه، فهل تبطل صلاته لنيته الإمامة وهو منفرد، أو يتمها منفردا وتصح؟ وفيه وجهان للأصحاب ".
الشيخ : أحسنت، الخلاصة أن ظاهر حديث ابن عمر رضي الله عنه أن الطائفة الأولى انصرفوا على صلاتهم، بقوا على صلاتهم، وفي هذه الحال يلزم المشي الكثير والاتجاه إلى غير القبلة، لكن قد يقال إن هذا للضرورة وأن صلاة الخوف ليست كغيرها.
القارئ : " قوله ركعة وسجد سجدتين، زاد عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري مثل نصف صلاة الصبح.
وفي قوله: مثل نصف صلاة الصبح إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح، فعلى هذا فهي رباعية وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت العصر.
وفيه دليل على أن الركعة المقضية لا بد فيها من القراءة لكل من الطائفتين، خلافا لمن أجاز للثانية ترك القراءة.
وقوله: فقام كل واحد منهم فركع لنفسه لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه: ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه: أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا، ولم نقف على ذلك في شيء من الطرق.
وبهذه الكيفية أخذ الحنفية، واختار الكيفية التي في حديث ابن مسعود أشهب والأوزاعي وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد، واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد لكن لا بد أن تكون التي تحرس يحصل الثقة بها في ذلك، والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحد ثم يصلي الآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقا، لكن قال الشافعي أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة، لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله: أسلحتهم ".
الشيخ : خلاص؟
القارئ : خلاص.
الشيخ : على كل حال ظاهر الحديث هذا وقوله ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا أنهم لم يكملوا صلاتهم، انصرفوا تجاه العدو، ثم جاءت الطائفة الثانية فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم سلم فقام كل واحد منهم أي: من هذه الطائفة الثانية أو منهم أي من كل الطوائف، يحتمل هذا وهذا فإن كان كل واحد من الطائفة الثانية فلا إشكال يعني تقضي ثم تذهب وتحرس ثم تأتي الأولى وتقضي ركعتها، وإن كان المعنى أنهم كلهم قضوا جميعا ففيه إشكال، وهو أنهم إذا فعلوا ذلك فلا حراسة، وهولا يجوز أن يدعوا القوم بلا حراسة كما قال عز وجل (( خذوا حذركم)) (( وليأخذوا أسلحتهم )) وعلى هذا يتعين أن في الرواية طيا أي أن الرواة تركوا أو طووا ذكر الطائفة الأولى ماذا صنعت، وعلى هذا فتحمل على حديث سهل بن أبي حتمة أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قام من الركعة الأولى قضت الطائفة الأولى وهو قائم، ثم ذهبت إلى العدو، يتعين هذا.
وفي قوله ( ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ) دليل على أنه ليس من المشروع أن الناس إذا فاتهم شيء من الصلاة ثم قاموا يقضون أنه يصلي بعضهم ببعض وهذا وإن أجازه بعض الفقهاء فقد منعهم آخرون، يعني مثل أن يقول لصاحبه نحن فاتنا ركعتان فإذا قمنا سأكون إماما لك، هذا ليس بمشروع، ولم يعهد من الصحابة على وجه صريح أنهم كانوا يصلون جماعة إذا سلم الإمام وهم يقضون صلاتهم.
ولهذا اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من قال إنه جائز أن يصلي المسبوق بمن معه بعد سلام الإمام، فينتقل أحدهم من ائتمام إلى إمامة، وينتقل الثاني من إمام إلى إمام آخر، ومن الفقهاء من منع هذا، نعم. الفتح الأول.
" قراءة من فتح الباري لابن رجب "
القارئ : " ذكر حديث ابن عمر وخرجه في موضع آخر من رواية معمر وخرجه مسلم من رواية معمر وفليح كلاهما، عن الزهري، به - بمعناه. وقد روي عن حذيفة نحو رواية ابن عمر - أيضا خرجه الطبراني من رواية حكام بن سلم، عن أبي جعفر الرازي، عن قتادة، عن أبي العالية، قال: صلى بنا أبو موسى الأشعري بأصبهان صلاة الخوف وما كان كبير خوفٍ، ليرينا صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام فكبر، وكبر معه طائفة من القوم، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بهم ركعة أخرى، فانصرفوا وقاموا مقام إخوانهم فجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم، فصلى كل واحد منهم الركعة الثانية وحدانا. ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي العالية، أن أبا موسى كان بالدار من أرض أصبهان، وما بها كبير خوف، ولكن أحب أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم، فجعلهم صفين: طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها، وطائفة من ورائها، فصلى بالذين بإزائه ركعة، ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الأخرى، وجاءوا يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم، فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة ركعة، ثم سلم بعضهم على بعض، فتمت للإمام ركعتان في جماعة، وللناس ركعة ركعة. يعني في جماعة، خرجه ابن أبي شيبة، وعنه بقي بن مخلد في مسنده وهو إسناد جيد، وهو في حكم المرفوع، لما ذكر فيه من تعليمهم سنة نبيهم، ورواه أبو داود الطيالسي، عن أبي قرة، عن الحسن، عن أبي موسى، أن رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بأصحابه -فذكر نحوه، وفيه زيادة على حديث ابن عمر: أن الطائفة الأولى لما صلت ركعة وذهبت لم تستدبر القبلة، بل نكصت على أدبارها، وروي - أيضا - عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو ذلك، من رواية خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف، فقاموا صفين، فقام صف خلف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصف مستقبل العدو، فصلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصف الذين يلونه ركعة، ثم قاموا فذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، وجاءوا أولئك فقاموا مقامهم، فصلى بهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة، ثم سلم، ثم قاموا فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ثم ذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم، فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، خرجه الإمام أحمد -وهذا لفظه - وأبو داود - بمعناه وخصيف، مختلف في أمره، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه أخذها عن أهل بيته، فهي صحيحة عندهم.
وهذه الصفة توافق حديث ابن عمر وحذيفة، إلاّ في تقدم الطائفة الثانية في قضاء ركعة وذهابهم إلى مقام أولئك مستقبلي العدو، ثم مجيء الطائفة الأولى إلى مقامهم فقضوا ركعة، وحديث ابن عمر وحذيفة فيهما قيام الطائفتين يقضون لأنفسهم، وظاهره: أنهم قاموا جملة وقضوا ركعة ركعة وحدانا.
وقد رواه جماعة، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، وزادوا فيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر وكبر الصفان معه جميعاً. وقد خرجه كذلك الإمام أحمد وأبو داود.
وزاد الإمام أحمد: ( وهم في صلاة كلهم ) واختلف العلماء في صلاة الخوف على الصفة المذكورة في حديث ابن عمر وما وافقه، فذهب الأكثرون إلى أنها جائزة وحسنة، وإن كان غيرها أفضل منها، هذا قول الشافعي -في أصح قوليه - وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وقالت طائفة: هي غير جائزة على هذه الصفة، لكثرة ما فيها من الأعمال المباينة للصلاة من استدبار القبلة والمشي الكثير، والتخلف عن الإمام، وادعوا أنها منسوخة، وهو أحد القولين للشافعي، ودعوى النسخ هاهنا لا دليل عليها. وقالت طائفة: هي جائزة كغيرها من أنواع صلاة الخوف الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا فضل لبعضها على بعض، وهو قول إسحاق: نقله عن ابن منصور ونقل حرب، عن إسحاق، أن حديث ابن عمر وابن مسعود يعمل به إذا كان العدو في غير جهة القبلة وكذلك حكى بعض أصحاب سفيان كلام سفيان في العمل بحديث ابن عمر على ذلك، وقالت طائفة: هي أفضل انواع صلاة الخوف، هذا قول النخعي، وأهل الكوفة وأبي حنيفة وأصحابه، ورواية عن سفيان، وحكي عن الأوزاعي وأشهب المالكي وروى نافع، أن ابن عمر كان يعلم الناس صلاة الخوف على هذا الوجه. وحكي عن الحسن بن صالح، أنه ذهب إلى حديث ابن مسعود، وفيه: أن الطائفة الثانية تصلي مع الإمام الركعة الثانية، ثم إذا سلم قضت ركعة، ثم ذهبت إلى مكان الطائفة الأولى، ثم قضت الطائفة الأولى ركعة، ثم يسلم وقد قيل: إن هذا هو قول أشهب، وحكى ابن عبد البر، عن أحمد، أنه ذهب إلى هذا -أيضا.
وقال بعض أصحابنا: هو أحسن من الصلاة على حديث ابن عمر، لأن صلاة الطائفة الثانية خلت عن مفسد بالكلية.
وحكي عن أبي يوسف ومحمد والحسن بن زياد والمزني: أن صلاة الخوف لا تجوز بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لظاهر قول الله تعالى: (( وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ )) الآية. قالوا: وإنما يصلي الناس صلاة الخوف بعده بإمامين، كل إمام يصلي بطائفة صلاة تامة، ويسلم بهم.
وهذا مردود بإجماع الصحابة على صلاتها في حروبهم بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد صلاها بعده: علي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الاشعري، مع حضور غيرهم من الصحابة، ولم ينكره أحد منهم، وكان ابن عمر وغيره يعلمون الناس صلاة الخوف، وجابر، وابن عباس وغيرهما يروونها للناس تعليما لهم، ولم يقل أحد منهم: أن ذلك من خصائص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخطابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يمنع مشاركة أمته له في الأحكام، كما في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )) وقوله: (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِم )) وحكي عن مالك، أنها تجوز في السفر دون الحضر، وهو قول عبد الملك بن الماجشون من أصحابه، ويحتج له بحمل آية القصر على صلاة الخوف، وخرجه الإمام أحمد من رواية ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: غزا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ست مرار قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السابعة.
وقد تقدم في حديث أبي عياش، أن أول صلاة الخوف كانت بعسفان، وعلى المشركين خالد،
وقد روى الواقدي بإسناد له، عن خالد بن الوليد، أن ذلك كان في مخرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عمرة الحديبية، وقد تقدم أن أبا موسى صلى بأصبهان هذه الصلاة، ولم يكن هناك كبير خوف، وإنما صلى بهم ليعلمهم سنة صلاة الخوف، وهذا قد يحمل على أنه كان ثم خوف يبيح هذه الصلاة، ولم يكن وجد خوف شديد يبيح الصلاة بالإيماء.
وقد قال أصحابنا وأصحاب الشافعي: لو صلى صلاة الخوف على ما في حديث ابن عمر في غير خوف لم تصح صلاة المأمومين كلهم، لإتيانهم بما لا تصح معه الصلاة في غير حالة الخوف من المشي والتخلف عن الإمام، فأما الإمام فلأصحابنا في صلاته وجهان، بناء على أن الإمام إذا بطلت صلاة من خلفه، فهل تبطل صلاته لنيته الإمامة وهو منفرد، أو يتمها منفردا وتصح؟ وفيه وجهان للأصحاب ".
الشيخ : أحسنت، الخلاصة أن ظاهر حديث ابن عمر رضي الله عنه أن الطائفة الأولى انصرفوا على صلاتهم، بقوا على صلاتهم، وفي هذه الحال يلزم المشي الكثير والاتجاه إلى غير القبلة، لكن قد يقال إن هذا للضرورة وأن صلاة الخوف ليست كغيرها.