تتمة القراءة من الشرح مع تعليق الشيخ حفظ
القارئ : " الحديث خرجه أبو داود من حديث عبد الله بن أنيس، وهو مما تفرد به ابن إسحاق، وذهب الجمهور إلى أن الطالب لا يصلي إلاّ بالأرض صلاة الأمن، إلاّ أن يخاف، منهم: الحسن ومكحول ومالك والثوري والشافعي وأحمد - في رواية عنه -، وقد سبق ذكر ذَلِكَ. ومنها:
أن صلاة شدة الخوف لا تكون جماعة، بل فرادى، وقد سبق أن الجمهور على خلاف ذَلِكَ ".
الشيخ : والصحيح أنهم يصلون فرادى إذا لم يتمكنوا من الجماعة، إن تمكنوا من الجماعة وجب، وإذا لم يتمكنوا فكيف يمكن أن نقول الجماعة واجبة وأنهم آثمون؟ نعم.
القارئ : " وقد سبق أن الجمهور على خلاف ذَلِكَ.
ومنها: أنهم إذا لم يقدروا على الإيماء في حال شدة الخوف أخروا الصلاة حتى يأمنوا، وممن قال بتأخير الصلاة مكحول كما سبق عنه، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وحكى ابن عبد البر عن ابن أبي ليلى وأبي حنيفة وأصحابه: أنه لا يصلي أحد في الخوف إلاّ إلى القبلة، ولا يصلي في حال المسايفة، بل تؤخر الصلاة.
وعن أحمد رواية: أنه يخير بين الصلاة بالإيماء وبين التأخير.
قال أبو داود: سألت أبا عبد الله عن الصلاة صبيحة المغار، فيؤخرون الصلاة حتى تطلع الشمس، أو يصلون على دوابهم؟ قَالَ: كلٌ أرجو، واستدل أصحابنا لهذه الرواية بصلاة العصر فِي بني قريظة وفي الطريق، وأنه لم يعنف واحد منهما، وسيأتي ذكره والكلام على معناه قريبا - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -. وجمهور أهل العلم على أنه لا يجوز تأخير الصلاة في حال القتال، وتصلى على حسب حاله، فإنه لا يأمن هجوم الموت في تلك الحال فكيف يجوز لأحد أن يؤخر فرضاً عن وقته، مع أنه يخاف على نفسه مداركة الموت في الحال، وهذا في تأخير الصلاة عن وقتها التي لا يجوز تأخيرها للجمع. فأما صلاة يجوز تأخيرها للجمع فيجوز تأخيرها للخوف، ولو كان في الحضر عند أصحابنا وغيرهم من العلماء وقول ابن عباس: جمع رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة من غير خوف، يدل بمفهومه على جواز الجمع للخوف، فإن الخوف عذر ظاهر، فالجمع له أولى من الجمع للمطر والمرض ونحوهما.
فأما قصر الصلاة في حال الخوف في الحضر، فالجمهور على منعه. وحكى القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد بجوازه، مخرجة عن رواية حنبل عنه، بجواز الفطر في رمضان لقتال العدو.
وروي عن عثمان بن عفإن، أنه قالَ: لايقصر الصلاة إلاّ من كان شاخصاً بحضرة العدو. وظاهره: أنه يجوز القصر بحضرة العدو في غير السفر - أيضاً - وبذلك فسره أبو عبيد في غريبه. وذكر ابن المنذر عن عمران بن حصين مثل قول عثمان -أيضاً، وقد يفسر بأنه لايجوز القصر إلاّ في حال السفر أو الإقامة في دار الحرب لقتال العدو، وهذا قول كثير من العلماء، ويأتي بيانه في كتاب قصر الصَّلاة إن شاء الله سبحانه وتعالى ".
الشيخ : خلاص ؟ ما فسر الكلمات، والفتح الثاني؟ من قوله : وقال أنس.
القارئ : " وقال أنس، وصله بن سعد وابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه، وذكره خليفة في تاريخه وعمر بن شبة في أخبار البصرة من وجهين آخرين عن قتادة ولفظ عمر: سئل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال؟ فقال حدثني أنس بن مالك أنهم فتحوا تستر وهو يومئذ على مقدمة الناس وعبد الله بن قيس يعني أبا موسى الأشعري أميرهم.
قوله: تستر بضم المثناة الفوقانية وسكون المهملة وفتح المثناة أيضا بلد معروف من بلاد الأهواز، وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر، وسيأتي الإشارة إلى كيفيته في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى.
قوله: اشتعال القتال بالعين المهملة، قوله: فلم يقدروا على الصلاة يحتمل أن يكون للعجز عن النزول ويحتمل أن يكون للعجز عن الإيماء أيضا فيوافق ما تقدم عن الأوزاعي، وجزم الأصيلي بأن سببه أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلا من شدة القتال.
قوله: إلا بعد ارتفاع النهار، في رواية عمر بن شبة حتى انتصف النهار.
قوله ما يسرني بتلك الصلاة أي بدل تلك الصلاة، وفي رواية الكشميهني: من تلك الصلاة. قوله: الدنيا وما فيها، في رواية خليفة الدنيا كلها، والذي يتبادر إلى الذهن من هذا أن مراده الاغتباط بما وقع فالمراد بالصلاة على هذا هي المقضية التي وقعت ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم ثم تداركوا ما فاتهم منها فقضوه، وهو كقول أبي بكر الصديق لو طلعت لم تجدنا غافلين، وقيل مراد أنس الأسف على التفويت الذي وقع لهم، والمراد بالصلاة على هذه الفائتة، ومعناه لو كانت في وقتها كانت أحب إلي فالله أعلم.
وممن جزم بهذا الزين بن المنير فقال: إيثار أنس الصلاة على الدنيا وما فيها يشعر بمخالفته لأبي موسى في اجتهاده المذكور، وأن أنسا كان يرى أن يصلي للوقت وإن فات الفتح وقوله هذا موافق لحديث ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ) انتهى ".
الشيخ : ركعتا الفجر هنا سنة الفجر ليس المراد الصلاة، نعم.
القارئ : " وكأنه أراد الموافقة في اللفظ وإلا فقصة أنس في المفروضة، والحديث في النافلة ويخدش فيما ذكره عن أنس ".
الشيخ : ويقال إذا كان هذا في راتبة الفجر خير من الدنيا وما فيها، فالفريضة أعظم منها.
القارئ : " ويخدش فيما ذكره عن أنس من مخالفة اجتهاد أبي موسى أنه لو كان كذلك لصلى أنس وحده ولو بالإيماء، لكنه وافق أبا موسى ومن معه فكيف يعد مخالفا، والله أعلم ".
الشيخ : لا شك أن هذا المعنى الأخير أنه يقول ما يسرني بتلك الصلاة يعني لو صليناه في الوقت، وأنه أراد بذلك الاعتراض على أبي موسى لا شك أن هذا غلط، والصواب أنه اغتبط بها حين قضوها وصلوها مطمئين آمنين آتين بها على الوجه المطلوب، فاغتبط بذلك، وإذا كانت الصلاة نام الإنسان عنها أو نسيها تقضى وقضاؤها كفارة لها فما بالك إذا كانت في هذه الحال، فالصواب ما دل عليه ظاهر فعل هذين الصحابيين الجليلين أبي موسى وأنس بن مالك، وأنه إذا اشتد التحام القتال حتى لا يمكن للإنسان أن يتصور ما يقول ولا ما يفعل لا من إيماء ولا قراءة ولا تسبيح، فإنه يجوز أن يؤخر الصلاة بل يجب لأنه لا يمكن أن يصلي حقيقة ولا يتصور هذا إلا من وقع في هذا.
السائل : لما قال يا شيخ لما قال الحافظ ابن حجر : ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم قال الشيخ عبد العزيز بن باز في التعليق : قوله أهم منها يعني في ذلك الوقت لأن الفتح قد يفوت بالصلاة، والصلاة لا تفوت بإمكان قضائها بعد الفتح، وإلا فمعلوم من الأدلة الشرعية أهم وأعظم من الجهاد فتنبه، والله أعلم.
الشيخ : صحيح، وأيضا اشتغلوا بأمر مباح بأمر يبيح لهم أن يؤخروا، ما اشتغلوا بشيء محرم، نعم.
أن صلاة شدة الخوف لا تكون جماعة، بل فرادى، وقد سبق أن الجمهور على خلاف ذَلِكَ ".
الشيخ : والصحيح أنهم يصلون فرادى إذا لم يتمكنوا من الجماعة، إن تمكنوا من الجماعة وجب، وإذا لم يتمكنوا فكيف يمكن أن نقول الجماعة واجبة وأنهم آثمون؟ نعم.
القارئ : " وقد سبق أن الجمهور على خلاف ذَلِكَ.
ومنها: أنهم إذا لم يقدروا على الإيماء في حال شدة الخوف أخروا الصلاة حتى يأمنوا، وممن قال بتأخير الصلاة مكحول كما سبق عنه، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وحكى ابن عبد البر عن ابن أبي ليلى وأبي حنيفة وأصحابه: أنه لا يصلي أحد في الخوف إلاّ إلى القبلة، ولا يصلي في حال المسايفة، بل تؤخر الصلاة.
وعن أحمد رواية: أنه يخير بين الصلاة بالإيماء وبين التأخير.
قال أبو داود: سألت أبا عبد الله عن الصلاة صبيحة المغار، فيؤخرون الصلاة حتى تطلع الشمس، أو يصلون على دوابهم؟ قَالَ: كلٌ أرجو، واستدل أصحابنا لهذه الرواية بصلاة العصر فِي بني قريظة وفي الطريق، وأنه لم يعنف واحد منهما، وسيأتي ذكره والكلام على معناه قريبا - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -. وجمهور أهل العلم على أنه لا يجوز تأخير الصلاة في حال القتال، وتصلى على حسب حاله، فإنه لا يأمن هجوم الموت في تلك الحال فكيف يجوز لأحد أن يؤخر فرضاً عن وقته، مع أنه يخاف على نفسه مداركة الموت في الحال، وهذا في تأخير الصلاة عن وقتها التي لا يجوز تأخيرها للجمع. فأما صلاة يجوز تأخيرها للجمع فيجوز تأخيرها للخوف، ولو كان في الحضر عند أصحابنا وغيرهم من العلماء وقول ابن عباس: جمع رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة من غير خوف، يدل بمفهومه على جواز الجمع للخوف، فإن الخوف عذر ظاهر، فالجمع له أولى من الجمع للمطر والمرض ونحوهما.
فأما قصر الصلاة في حال الخوف في الحضر، فالجمهور على منعه. وحكى القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد بجوازه، مخرجة عن رواية حنبل عنه، بجواز الفطر في رمضان لقتال العدو.
وروي عن عثمان بن عفإن، أنه قالَ: لايقصر الصلاة إلاّ من كان شاخصاً بحضرة العدو. وظاهره: أنه يجوز القصر بحضرة العدو في غير السفر - أيضاً - وبذلك فسره أبو عبيد في غريبه. وذكر ابن المنذر عن عمران بن حصين مثل قول عثمان -أيضاً، وقد يفسر بأنه لايجوز القصر إلاّ في حال السفر أو الإقامة في دار الحرب لقتال العدو، وهذا قول كثير من العلماء، ويأتي بيانه في كتاب قصر الصَّلاة إن شاء الله سبحانه وتعالى ".
الشيخ : خلاص ؟ ما فسر الكلمات، والفتح الثاني؟ من قوله : وقال أنس.
القارئ : " وقال أنس، وصله بن سعد وابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه، وذكره خليفة في تاريخه وعمر بن شبة في أخبار البصرة من وجهين آخرين عن قتادة ولفظ عمر: سئل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال؟ فقال حدثني أنس بن مالك أنهم فتحوا تستر وهو يومئذ على مقدمة الناس وعبد الله بن قيس يعني أبا موسى الأشعري أميرهم.
قوله: تستر بضم المثناة الفوقانية وسكون المهملة وفتح المثناة أيضا بلد معروف من بلاد الأهواز، وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر، وسيأتي الإشارة إلى كيفيته في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى.
قوله: اشتعال القتال بالعين المهملة، قوله: فلم يقدروا على الصلاة يحتمل أن يكون للعجز عن النزول ويحتمل أن يكون للعجز عن الإيماء أيضا فيوافق ما تقدم عن الأوزاعي، وجزم الأصيلي بأن سببه أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلا من شدة القتال.
قوله: إلا بعد ارتفاع النهار، في رواية عمر بن شبة حتى انتصف النهار.
قوله ما يسرني بتلك الصلاة أي بدل تلك الصلاة، وفي رواية الكشميهني: من تلك الصلاة. قوله: الدنيا وما فيها، في رواية خليفة الدنيا كلها، والذي يتبادر إلى الذهن من هذا أن مراده الاغتباط بما وقع فالمراد بالصلاة على هذا هي المقضية التي وقعت ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم ثم تداركوا ما فاتهم منها فقضوه، وهو كقول أبي بكر الصديق لو طلعت لم تجدنا غافلين، وقيل مراد أنس الأسف على التفويت الذي وقع لهم، والمراد بالصلاة على هذه الفائتة، ومعناه لو كانت في وقتها كانت أحب إلي فالله أعلم.
وممن جزم بهذا الزين بن المنير فقال: إيثار أنس الصلاة على الدنيا وما فيها يشعر بمخالفته لأبي موسى في اجتهاده المذكور، وأن أنسا كان يرى أن يصلي للوقت وإن فات الفتح وقوله هذا موافق لحديث ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ) انتهى ".
الشيخ : ركعتا الفجر هنا سنة الفجر ليس المراد الصلاة، نعم.
القارئ : " وكأنه أراد الموافقة في اللفظ وإلا فقصة أنس في المفروضة، والحديث في النافلة ويخدش فيما ذكره عن أنس ".
الشيخ : ويقال إذا كان هذا في راتبة الفجر خير من الدنيا وما فيها، فالفريضة أعظم منها.
القارئ : " ويخدش فيما ذكره عن أنس من مخالفة اجتهاد أبي موسى أنه لو كان كذلك لصلى أنس وحده ولو بالإيماء، لكنه وافق أبا موسى ومن معه فكيف يعد مخالفا، والله أعلم ".
الشيخ : لا شك أن هذا المعنى الأخير أنه يقول ما يسرني بتلك الصلاة يعني لو صليناه في الوقت، وأنه أراد بذلك الاعتراض على أبي موسى لا شك أن هذا غلط، والصواب أنه اغتبط بها حين قضوها وصلوها مطمئين آمنين آتين بها على الوجه المطلوب، فاغتبط بذلك، وإذا كانت الصلاة نام الإنسان عنها أو نسيها تقضى وقضاؤها كفارة لها فما بالك إذا كانت في هذه الحال، فالصواب ما دل عليه ظاهر فعل هذين الصحابيين الجليلين أبي موسى وأنس بن مالك، وأنه إذا اشتد التحام القتال حتى لا يمكن للإنسان أن يتصور ما يقول ولا ما يفعل لا من إيماء ولا قراءة ولا تسبيح، فإنه يجوز أن يؤخر الصلاة بل يجب لأنه لا يمكن أن يصلي حقيقة ولا يتصور هذا إلا من وقع في هذا.
السائل : لما قال يا شيخ لما قال الحافظ ابن حجر : ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم قال الشيخ عبد العزيز بن باز في التعليق : قوله أهم منها يعني في ذلك الوقت لأن الفتح قد يفوت بالصلاة، والصلاة لا تفوت بإمكان قضائها بعد الفتح، وإلا فمعلوم من الأدلة الشرعية أهم وأعظم من الجهاد فتنبه، والله أعلم.
الشيخ : صحيح، وأيضا اشتغلوا بأمر مباح بأمر يبيح لهم أن يؤخروا، ما اشتغلوا بشيء محرم، نعم.