قراءة من الشرح مع تعليق الشيخ . حفظ
القارئ : " ذكر البخاري في هذا الباب مسائل.
أحدها: من فاته صلاة العيد مع الإمام من أهل المصر، فإنه يصلي ركعتين. وحكاه عن عطاء.
وحكي - أيضا - عن أبي حنيفة والحسن وابن سيرين ومجاهد وعكرمة والنخعي، وهو قول مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد - في رواية، عنه.
ثم اختلفوا: هل يصلي ركعتين بتكبير كتكبير الإمام، أم يصلي بغير تكبير؟ فقالَ الحسن والنخعي ومالك والشافعي وأحمد -في رواية -: يصلي بتكبير، كما يصلي الإمام.
واستدلوا بالمروي عن أنس، وأنس لم يفته في المصر بل كان ساكناً خارجاً من المصر بعيداً منه، فهو في حكم أهل القرى.
وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد -في رواية عنه. والقول بأنه يصلي كما يصلي الإمام قول أبي حنيفة وأبي بكر بن أبي شيبة، حتى قالَ: لايكبر إلا كما يكبر الإمام، لا يزيد عليه ولا ينقص. وكذا قاله الإمام أحمد -في رواية أبي طالب.
وعن ابن سيرين، قال: كانوا يستحبون إذا فات الرجل العيدان أن يمضي إلى الجبان، فيصنع كما يصنع الإمام. وقال أحمد -في رواية الأثرم -: إذا صليت ذهب إلى الجبان فصلى، وإن شاء صلى مكانه.
وقال - في رواية إسماعيل بن سعيد -: إذا صلى وحده لم يجهر بالقراءة، وإن جهر جاز.
وهذا عنده حكم المصلي الصلاة الجهرية مفرداً، فلو صلاها في جماعة جهر بغير إشكال، كما فعله الليث بن سعد.
وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الإمام لا يجهر بالقراءة في صلاة العيدين إلا بمقدار ما يسمع من يليه، روي ذلك عن علي، وهو قول الحسن والنخعي والثوري.
وذكر الحسن، عن أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر كانوا يسمعون القراءة في العيدين والجمعة من يليهم. خرجه المروزي في كتاب العيدين، وهو قول الثوري في الجمعة والعيدين جميعاً.
وقال عطاء والأوزاعي وأحمد -في الرواية الأخرى -: يصلي من فاته العيد ركعتين بغير تكبير. وهذه الرواية، حكاها أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب الشافي .
وقال أحمد: إنما التكبير مع الجماعة. وجعله أبو بكر عبد العزيز كالتكبير خلف المكتوبة في أيام التشريق. وروى حنبل، عن أحمد، أنه مخير، إن شاء صلى بتكبير، وإن شاء صلى بغير تكبير "
.
الشيخ : ظاهر كلام البخاري هو هذا، ظاهر كلام البخاري أنه يصليها ركعتين كالعادة، لأنه قال إذا فاته العيد يصلي ركعتين، ولم يقل كصلاة الإمام، فظاهر ترجمته رحمه الله أنه يصليها ركعتين كالعادة، نعم.
القارئ : الجو مو بحار ؟
الشيخ : لا، زين.
القارئ : " وقالت طائفة: من فاتته صلاة العيد مع الإمام صلى أربع ركعات. روي ذلك عن ابن مسعود من غير وجه. وسوى ابن مسعود بين من فاتته الجمعة، ومن فاته العيد، فقال - في كل منهما -: يصلي أربعاً. واحتج به الإمام أحمد.
ولا عبرة بتضعيف ابن المنذر له، فإنه روي بأسانيد صحيحة.
وهذا قول الشعبي والثوري وأحمد -في رواية أخرى، عنه -، وهي اختيار أبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا، بناءً على اختيارهم اشتراط الجماعة للعيد والاستيطان، ويكون الأربع عيداً. نص عليه أحمد في رواية الميموني. وهذا يشبه قول ابن شاقلا: إن أدرك تشهد الجمعة يصلي أربعاً، وهي جمعة له، كما سبق ذلك. وعلى هذا، فيصلي وحده من غير جماعة، نص عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم، وكذا ذكره أبو بكر عبد العزيز.
وإنما يصلي في جماعة إذا قلنا: يصلي صلاة العيد على صفتها. وهل يصلي الأربع بسلام واحد، أو يخير بين ذلك وبين صلاتها بسلامين؟
فيهِ عن أحمد روايتان. واختار أبو بكر صلاتها بسلام واحد، تشبيهاً لصلاتها بصلاة من تفوته الجمعة. وعن أحمد: يخير بين أن يصلي ركعتين أو أربعاً. وهذا مذهب الثوري الذي حكاه أصحابه، عنه. واستدل أحمد، بأنه روي عن أنس، أنه صلى ركعتين، وعن ابن مسعود أنه صلى أربعاً. وكذلك روي عن علي، أنه أمر من يصلي بضعفة الناس في المسجد أربعاً، ولا يخطب بهم.
وروى أحمد بن القاسم، عن أحمد الجمع بين فعل أنس وقول ابن مسعود على وجه آخر، وهو: إن صلى من فاته العيد جماعة صلى كصلاة الإمام ركعتين، كما فعل أنس، وإن صلى وحده صلى أربعاً، كما قال ابن مسعود.
وقال إسحاق: إن صلاها في بيته صلاها أربعاً كالظهر، وإن صلاها في المصلى صلاها ركعتين بالتكبير، لأن علياً أمر الذي يصلي بضعفة الناس في المسجد أن يصلي أربعا، ركعتين مكان صلاة العيد، وركعتين مكان خروجهم إلى الجبان، كذا رواه حنش بن المعتمر عن علي.
واعلم، أن الاختلاف في هذه المسألة ينبني على أصل، وهو: أن صلاة العيد هل يشترط لها العدد والاستيطان وإذن الإمام؟ فيهِ قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد. وأكثر العلماء، على أنه لايشترط لها ذَلِكَ، وهو قول مالك والشافعي.
ومذهب أبي حنيفة وإسحاق: أنه يشترط لها ذلك.
فعلى قول الأولين: يصليها المنفرد لنفسه في السفر والحضر والمرأة والعبد ومن فاتته جماعة وفرادى، لكن لا يخطب لها خطبة الإمام، لأن فيهِ افتئاتاً عليهِ، وتفريقاً للكلمة.
وعلى قول الآخرين: لايصليها إلا الإمام أو من أذن لهُ، ولا تصلى كما تصلى الجمعة، ومن فاتته، فإنه لايقضيها على صفتها، كما لايقضي الجمعة على صفتها. ثم اختلفوا:
فقال أبو حنيفة وأصحابه: لاتقضى بالكلية، بل تسقط، ولا يصلي من فاتته مع الإمام عيدا أصلا، وإنما يصلي تطوعاً مطلقاً، إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى أربعاً.
وقال أحمد وإسحاق: بل تقضى كما قال ابن مسعود وغيره من الصحابة.
وليست العيد كالجمعة، ولهذا يصليها الإمام والناس معه إذا لم يعلموا بالعيد إلا من آخر النهار من غد يوم الفطر، والجمعة لا تقضى بعد خروج وقتها، ولأن الخطبة ليست شرطاً لها، فهي كسائر الصلوات، بخلاف الجمعة.
والذين قالوا: تقضى إذا فاتت مع الإمام، لم يختلفوا أنها تقضى ما دام وقتها باقياً 0 فإن خرج وقتها، فهل تقضى؟
قالَ مالك: لا تقضى. وعن الشافعي قولان.
والمشهور عندنا: أنها تقضى. وخرجوا فيها رواية أخرى: أنها لا تقضى. وأصل ذلك: أن السنن الرواتب: هل تقضى في غير وقتها، أم لا؟
وفيه قولان، وروايتان عن أحمد، فإن فرض العيد يسقط بفعل الإمام، فيصير في حق من فاتته سنة. ولو أدرك الإمام وقد صلى وهو يخطب للعيد ففيه أقوال، أحدها: أنه يجلس فيسمع الخطبة، ثم إذا فرغ الإمام صلى قضاءً، وهو قول الأوزاعي والشافعي وأبي ثور، ونص عليه أحمد -أيضا. والثاني: أنه يصلي والإمام يخطب، كما يصلي الداخل في خطبة الجمعة والإمام يخطب، وهو قول الليث، لكن الليث صلى العيد بأصحابه والإمام يخطب.
وقال الشافعية: إن كانَ الإمام يخطب في المصلى، جلس واستمع، لأنه ما لم يفرغ من الخطبة فهو في شعار إقامة العيد، فيتابع فيما بقي منه، ولا يشغل عنه بالصلاة، وإن كان يخطب في المسجد، فإنه يصلي قبل أن يجلس. ثم لهم وجهان:
أحدهما: يصلي تحية المسجد، كالداخل يوم الجمعة، وهو قول بعض أصحابنا -أيضا.
والثاني: يصلي العيد، لأنها آكد، وتدخل التحية ضمنا وتبعاً، كمن دخل المسجد يوم الجمعة وعليه صلاة الفجر، فإنه يقضيها وتدخل التحية تبعاً. ووجه قول الأوزاعي وأحمد: أن استماع الخطبة من كمال متابعة الإمام في هذا اليوم، فإذا فاتت الصَّلاة معه لم يفوت استماع الخطبة، وليس كذلك الداخل في خطبة الجمعة، لأن المقصود الأعظم الصلاة، وهي لا تفوت بالتحية .
ثم قال : المسألة الثانية: صلاة النساء في بيوتهن في المصر، وكذلك المريض ونحوه. المسألة الثالثة أهل القرى هل يصلون العيد في قراهم كما يصلي الإمام في المصر "
. ذكر كلاما كثيرا.
الشيخ : على كل حال القول الراجح في هذه المسألة أنها لا تقضى، أنها إذا فاتت صلاة العيد فإنه لا يقضيها وأنه إذا دخل والإمام يخطب فإنه يصلي ركعتين تحية المسجد، لا أنها صلاة العيد، لأن صلاة العيد شرعت على هذا الوجه المعين فمن صلاها على هذا الوجه فقد صلاها كما وردت، ومن لم فلا، وكما سمعتم اختلاف العلماء رحمهم الله ليس هناك دليل واضح من السنة على أنها تقضى، وإنما هي أقوال متقابله ليس بعضها أحق بالقبول من البعض، وحينئذ نبقى على الأصل، وهو أن مشروعية صلاة العيد إنما هي على هيئة معينة، متى أدركها الإنسان أدركها وإذا لم يدركها فقد فاتته، وليس الوقت وقت الصلاة المفروضة حتى نقول لا بد أن تأتي ببدلها، بل نقول هذا الوقت ليس وقت صلاة المفروضة، وإن دخلت والإمام يخطب فصل ركعتين تحية المسجد لا على أنهما صلاة العيد، وإن دخلت بعد أن فرغ الإمام من الخطبة فإن شئت ارجع وانصرف مع الناس، وإن شئت أن تبقى وتصلي ركعتين فلا حرج، لكن الأفضل أن تنصرف مع الناس، لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يصلون قبل العيد ولا بعده يعني صلاة الراتبة، وإذا جلس الإنسان في مصلى العيد وصار يصلي ربما يظن الظان أنه يشرع لصلاة العيد راتبة تكون بعدها في مصلاها، نعم.