حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت ( كانت عندي امرأة من بني أسد فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذه قلت فلانة لا تنام بالليل فذكر من صلاتها فقال مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا ) حفظ
القارئ : قال وقال عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كانت عندي امرأة من بني أسد ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذه ؟ قلت : فلانة لا تنام الليل تذكر من صلاتها ، فقال : مه ، عليكم ما تطيقون من الأعمال ، فإن الله لا يمل حتى تملوا )
الشيخ : مه بمعنى اكفف ، ( عليكم ما تطيقون من الأعمال ) ، وهذا لا شك أنه هو الحكمة ، لأن الإنسان إذا ألزم نفسه بشيء يثقل عليها ملّت ، وتعبت ، وتركت ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل ) ، فكل إنسان يلزم نفسه بشيء أكثر من طاقتها ، فإنه لا بد أن يندم ، وانظروا إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، لما قال : إنه يصوم ولا يفطر ، ونازله النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى صيام داود يصوم يوماً ويفطر يوماً ، ماذا حصل له حين كبر ؟ تعب ، فصار يجمع خمسة عشر يوماً صياماً ، وخمسة عشر يوماً فطراً ، ويقول : لا أدع شيئاً فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فالإنسان ينبغي له أن يوازن بين الأمور ، وأن لا يتعب نفسه ، حتى يألف العبادة ويستمر عليها ، وإذا كان هذا في العبادة ، فهو أيضاً في طلب العلم ، وفي جميع الأعمال ، لا تقِس نفسك في المستقبل على حالها في ابتداء الأمر ، الإنسان قد يبتدئ الأمر بنشاط وهِمّة ، ثم يفتر ، وفي قوله : ( فإن الله لا يمل حتى تملوا ) ، يعني أن الله عز وجل مهما عملتم من الأعمال الكثيرة أو القليلة ، فإنه لا يمل من ثوابكم ، يعني حتى تملوا أنتم من الأعمال وتتركوا ، هذا هو معنى الحديث ، فأنتم إن أكثرتم أكثر الله لكم ، وإن أقللتم فلكم ما كسبتم ، حاول بعض الناس أن يسأل سؤالاً لا معنى له ، ولا وجه له ، فقال : هل يوصف الله بالملل ؟ فنقول : هذا سؤال غير وارد ، سؤال متعمق متنطع ، لأن المعنى واضح ، أما هل يوصف الله بالملل ، أو لا يوصف ؟ فهذا لو كان السؤال عنه خيراً لسبقنا إليه الصحابة رضي الله عنهم ، ما قالوا : يا رسول الله ، هل يمل ؟ هل الله يمل ؟ وهذا كالذي يقول : هل الله يشم ؟ ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ) ، فهل الله يشم ؟ هذا أيضاً من التعمق والتكلف ، ويا ليتنا نكون في اليقين مثل الصحابة رضي الله عنهم ، وفي تعظيم الله مثل الصحابة ، ومع ذلك ما سألوا الرسول عن هذا ، وهذه الطريق وهي الكف عما لم يسأل عنه الصحابة في هذه الأمور ، هذه هي الطريق السليمة التي توجب استسلام الإنسان لما جاءت به النصوص من صفات الله ، وتريحه أيضاً ، لأنه لو بقي يسأل عن مثل هذه الأمور لتعب تعباً عظيماً ، لذلك اكفف عنها ، إن كنت تريد السلامة وراحة القلب والطمأنينة فاكفف عن هذا ، وقل : معنى الحديث ظاهر ،أن الله تعالى سيعطيكم من الثواب بقدر ما تعملون ، ولن يمل من هذا الثواب ما دمتم لم تملوا من العمل ، واقتصر على هذا ، والصحابة فهموا ذلك بلا شك ، نعم