فوائد حديث عبد الله بن بحينة . حفظ
الشيخ : وفي هذا الحديث فوائد ، منها جواز السهو على الرسول صلى الله عليه وسلم ، بمقتضى إيش ؟ بمقتضى الطبيعة البشرية ، لأنه صلى الله عليه وسلم قال : ( أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ) ، وأما من قال : إنه ينسى ليسن ، فقوله في غاية الضعف ، لأنه صلى الله عليه وسلم يمكنه أن يسن للأمة بالقول ، بدون أن يضيع شيئاً من واجبات الصلاة وأركانها ، ولا حاجة أنْ يُنسَّى ليسن ، لكن هذا من المبالغة والغلو في أحوال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم البشرية ، يقولون : إنه لا ينسى ، كيف ينسى الرسول وهو في عبادة من أجل العبادات ؟ فيقال : الحمد لله ، إذا كان هذا مقتضى الطبيعة البشرية فإنه ليس فيه قدح ، وليس فيه لوم ، وإلا لقل : كيف يجوع وهو رسول الله ؟
كيف يعطش وهو رسول الله ؟ كيف يمرض وهو رسول الله ؟ ومن فوائد هذا الحديث قوة استسلام الصحابة رضي الله عنهم في متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأنهم قاموا معه
، ومن فوائده أيضاً أن الإنسان إذا قام فإنه لا يجلس لا يعود ، ولكن لو فُرض أنه ذكر قبل أن يستتم قائماً ، فماذا يصنع ؟ نقول يرجع ، ثم إن لزم من هذا القيام زيادة سجد للسهو ، وإن لم يلزم فلا سجود ، ومتى يلزم ؟ يلزم إذا فارق الجلوس ، وكان بين القيام والقعود ، فإنه قد زاد صفة فوق الجلوس فيسجد لها ، أما إذا كان هَمَّ أن ينهض ، ولكن لم يخرج عن حد الجلوس ، فإنه لا شيء عليه ، طيب وإذا قرأ ، قام حتى شرع في القراءة ، ثم ذَكر أو ذُكر ، أيرجع ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا يرجع ، بل نقول : لا يرجع من حين أن يستتم قائماً ، وأما تفريق الفقهاء رحمهم الله حيث قالوا : " إن استتم قائماً ولم يقرأ كُره الرجوع ، وإن قرأ حرم الرجوع " ، فقول لا دليل عليه ، والصواب : أنه متى استتم قائماً فإنه لا يرجع ، لأنه فارق محل الواجب الذي ترك ، ومن فوائد هذا الحديث مشروعية سجود السهو لترك التشهد الأول ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد ، وهل مثله كل واجب ؟ الجواب : نعم ، جميع الواجبات التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله ، إذا تُركت سهواً فإنه إيش ؟ يسجد للسهو ، وعلى هذا لو ترك إحدى التكبيرات غير تكبيرة الإحرام سهواً فإنه يجب عليه سجود السهو ، طيب لو نسي أن يكبر للسجود ، ولم يذكر إلا حين سجد ، أيكبر أو لا ؟
الطالب : فيه خلاف .
الشيخ : لا يكبر ، لأن السجود ليس محلاً للتكبير ، فهو واجب فات موضعه ، كما لو قام عن التشهد الأول ، وعلى هذا يجب عليه إيش ؟ سجود السهو ، يجب عليه سجود السهو ، لأنه ترك واجباً ، وهكذا يقال فيما لو ترك سبحان ربي الأعلى أو سبحان ربي العظيم ، ومن فوائد هذا الحديث أن السجود لترك التشهد يكون قبل السلام ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سجد قبل السلام ، والحكمة من هذا ظاهرة ، لأن الخلل في الصلاة هنا نقص ، فكان من الحكمة أن يكون الجابر قبل السلام حتى لا يخرج من الصلاة إلا وقد أكمل الخلل ، وعلى هذا فنقول : كلما كان سجود السهو عن نقص واجب فإن محله متى ؟
الطلاب : قبل السلام .
الشيخ : قبل السلام ، كلما كان سجود السهو عن نقص واجب فمحله قبل السلام ، ودليله هذا الحديث ، وحكمته أن النقص في الصلاة ينبغي أن يُجبر قبل الانتهاء منها ، ومن فوائد هذا الحديث أن التسليمتين ليستا من الصلاة ، لقوله فلما قضى صلاته ، وهذه المسألة فيها خلاف : فمن العلماء من قال : إن التسليمتين ركن ، كلتاهما ، ومنهم من قال : إن الركن هي الأولى ، والثانية سنة ، ومنهم من قال : إنهما واجبتان ، وليستا بركن ، ومنهم من قال : إنهما ليسا واجبتين ، وكل ذلك لقوله : فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه ، ولكن يقال : كل ما ذُكر فيه احتمال : فلما قضى صلاته يعني : أن التسليمتين ليستا من الصلاة ، ويحتمل قضى صلاته : أي أشرف على قضائها ، ويحتمل أن المعنى قضى صلاته دون التسليم ، كل هذه احتمالات ، ولدينا قاعدة أيها الطلبة وهي :
أنه إذا كان النص له احتمالات ، ولدينا نص لا احتمال فيه ، صار الأول متشابهاً ، والثاني محكماً ، ويجب أن يُحمل المتشابه على المحكم ، فإذا كان لدينا نصوص تدل على أن التسليم إما واجب وإما ركن ، فإن هذه الاحتمالات يتعين منها الاحتمال الموافق لهذا المحكم ، والراجح عندي أن التسليمتين كلتاهما ركن ، لا في الفريضة ولا في النافلة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليهما ، حضراً وسفراً ، فرضاً ونفلاً ، وما رُوي عنه أنه اقتصر على تسليمة ، فهذا فيه احتمال أنه كان ناسياً للتسليمة الثانية ، أو أن الراوي لم يسمعها ، أو ما أشبه ذلك من الاحتمالات الكثيرة ، وعليه فالصواب : أن التسليمتين كلتاهما ركن ، لا تصح الصلاة إلا بهما ، لا في الفريضة ولا في النافلة ، ومن فوائد هذا الحديث : وجوب التكبير لسجود السهو ، لقوله : كبر قبل التسليم ، وهو كذلك ، فسجدتا السهو واجبتان في محل وجوبهما ، والتكبير فيهما واجب عند السجود ، وعند الرفع من السجود ، وفيه فائدة لغوية وهي : أنّ نظر تأتي بمعنى انتظر ، لقوله : نظرنا تسليمه ، يعني انتظرناه ، ومنه قول الله تبارك وتعالى : (( انظرونا نقتبس من نوركم )) ، يعني انتظرونا ، ومنه قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا )) ، يعني انتظرنا ، نعم