فوائد حديث بعث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث فوائد :
أولا : مشروعية بعث الدعاة إلى الله عز وجل وهذا واجب، أن يبعث الإمام من يدعو الناس إلى الإسلام، لأن هذا فعل النبي صلّى الله عليه وسلم، ولقوله تعالى : (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ))، وكان بعث معاذ في ربيع الأول في السنة العاشرة من الهجرة. ومن فوائد هذا الحديث التدرج في الدعوة إلى الله، فيبدأ بالأهم فالأهم، ولهذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلم معاذا أن يدعوهم إلى الشهادتين، لأنهما مفتاح الإسلام، فيدعى الناس قبل كل شيء إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله، ثم بعد ذلك ننتقل إلى ما هو أهم بعد الشهادتين وهو الصلاة، قال : ( أعلمهم فإن أطاعوك لذلك ) أطاعوا بمعنى انقادوا لذلك، وهذا يسمى عند علماء النحو التضمين، بمعنى أن نضمن الفعل فعلا يتناسب مع المتعلق، فهنا لو قال قائل : فإن هم أطاعوك في ذلك، هذا التركيب ، نقول : لكن ضمن أطاعوا بمعنى انقادوا لذلك، ( فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ) فيعلم الداخل في الإسلام أن عليه خمس صلوات في كل يوم وليلة، وتبين الأوقات، ويبين ما يجب فيها، لكن إذا طمأنت نفوسهم إلى قبول هذا الفرض، أخبروا بالتفاصيل. وفي هذا الحديث دليل على أن الوتر ليس بواجب، لأن هذا في آخر حياة النبي صلّى الله عليه وسلم، ومع ذلك قال : ( خمس صلوات )، ولو كان الوتر واجبا لبينه النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن قال قائل : ماذا تقولون في صلاة وجبت لسبب؟ هل يمكن أم نقول : أنها تعارض هذا الحديث؟ فالجواب : لا، لأن ما وجب لسبب خارجا عن الذي يدور كل يوم وليلة، فصلاة الكسوف مثلا قال بعض أهل العلم أنها واجبة وجوب عين، وقال بعضهم : أنها واجبة وجوب كفاية، صلاة العيد قال بعض أهل العلم أنه واجبة وجوب عين، وقال بعض العلماء أنها واجبة وجوب كفاية، تحية المسجد الخلاف فيها معروف، فيقال إن هذه الصلوات التي لها أسباب لا تعارض حديث معاذ رضي الله عنه ، لأن الخمس صلوات هذه يومية تدور يوميا، والصلوات المشار إليها لها أسباب، كما أنه باتفاق العلماء أن الإنسان لو نذر أن يصلي ركعتين وجب عليه أن يصلي ركعتين وليست من الخمس، ثم قال : ( فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم ) يعني أطاعوا لذلك انقادوا له، ( فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة ) إلى آخره، فيه دليل على وجوب الزكاة، وهذا هو الشاهد من هذا الحديث لترجمة البخاري رحمه الله، وقوله : ( صدقة في أموالهم )، يدل على أن الصدقة ولو كانت فريضة تسمى صدقة، ويدل لهذا أيضا قول الله تعالى : (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) أي الزكوات، قوله : ( في أموالهم ) تدل على أن الزكاة تتعلق بالمال لا بعين الرجل، ولذلك تجب الزكاة في مال الصبي، ومال المجنون، مع أن الصلاة لا تجب عليهما، لأن الزكاة حق المال. وقوله : ( في أموالهم ) عام، لكنه عام أريد به الخاص، وهو الأموال التي فيها الزكاة، وهي الذهب والفضة وعروض التجارة وبهيمة الأنعام، والخارج من الأرض من الحبوب والثمار كم هذه؟ خمسة ، السادس سائمة بهيمة الأنعام، على تفصيل فيها معروف، ربما تأتينا إن شاء الله في هذا الكتاب.
ومن فوائد هذا الحديث : أن الزكاة إنما تجب على الغني، والغني هنا من يملك نصابا زكويا، وليس راجعا إلى العرف، بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة )، حتى لو فرض أن من يملك خمسة أوسق من التمر أو البر لا يسمى غنيا عرفا، فهو غني شرعا، فالغني هنا كل من يملك نصابا زكويا، ( وترد على فقرائهم ) الفقير الذي لا يجد كفايته وعائلته مدة سنة كاملة، وهل الإضافة هنا للتخصيص؟ بمعنى أنه لا يجوز إخراج الزكاة عن البلد الذي فيه فقراء؟ في هذا قولان لأهل العلم : منهم من قال : إن زكاة كل بلد في نفس البلد، فإذا كان الإنسان مثلا في المدينة فإنه لا يجوز إخراج زكاته إلى مكة، بل يجب أن يزكيها في المدينة، إلا إذا لم يجد أهلا للزكاة فلا بأس، ثم إذا لم يجد أهلا للزكاة، هل يفرقها في أقرب البلاد إليه؟ أو نقول : لما سقط الأصل فله أن يفرقها في أي مكان؟ الصحيح هو الثاني، أنه إذا سقط الأصل فرقها في أي مكان، على أن القول الراجح في هذه المسـألة أنه إذا كان من ليس في بلدك أشد حاجة، أو له صلة بك من قرابة أو نحوها فلا بأس أن تنقل الزكاة إليه، إلا أن يكون في البلد الذي أنت فيه مسبغة، وضرورة، فكشف الضرورة والمسبغة أوجب.
السائل : أحسن الله إليك في حديث معاذ لم يذكر الصيام والحج مع أنه في آخر حياته .
الشيخ : الجواب على هذا أن يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه في ربيع ربيع باقي على رمضان كم ؟ ربيع الثاني وجمادى وجمادى ورجب وشعبان خمسة فلم يباغتهم بكل الأركان حتى يطمئنوا والحج أبعد من رمضان .