قراءة من الشرح . حفظ
القارئ : " قوله : ( وكانت أسرعنا ) كذا وقع في الصحيح بغير تعيين ".
الشيخ : أعد، أعد، أينا أسرع ؟ من أول أينا أسرع ؟
القارئ : من أول الباب ؟
الشيخ : أينا أسرع ؟
القارئ : " قوله : أسرع بك لحوقا ، مضروب على التمييز، وكذا قوله يدا، وأطولكن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، قوله : فأخذو قصبة يذرعونها ، أي يقدرونها بذراع كل واحدة منهن، وإنما ذكر بلفظ جمع المذكر بالنظر إلى لفظ الجمع لا بلفظ جمع النساء ، وقد قيل في قول الشاعر :
وإن شئت حرمت النساء سواكم *** أنه ذكره بلفظ جمع المذكر تعظيما.
وقوله : ( أطولكن )، يناسب ذلك، وإلا لقال : طولاكن، قوله : فكانت سودة، زاد ابن سعد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد : بنت زمعة بن قيس، قوله : ( أطولهن يدا ) : في رواية عفان : ( ذراعا )، وهي تعين أنهن فهمن من لفظ اليد الجارحة، قوله : فعلمنا بعد، أي لما ماتت أول نسائه به لحوقا، قوله : أنما، بالفتح، والصدقة بالرفع، وطول يدها بالنصب، لأنه الخبر، وقوله : ( وكانت أسرعنا )، كذا وقع في الصحيح بغير تعيين، ووقع في التاريخ الصغير للمصنف عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد، فكانت سودة أسرعنا إلى آخره، وكذا أخرجه البيهقي في الدلائل، وابن حبان في صحيحه، من طريق العباس الدوري عن موسى، وكذا في راوية عفان عن أحمد وابن سعد عنه، قال ابن سعد : قال لنا محمّد بن عمر، يعني الواقدي، هذا الحديث، وهل في سودة " .
الشيخ : وهِلَ يعني وهِلْ، وَهِلْ، عندكم باللام ؟
القارئ : نعم.
الشيخ : وَهِلَ ما هي ب وَهَل، وهِل بمعنى وهم .
القارئ : " وهِل في سودة، وإنما هو في زينب بنت حجش، فهي أول نسائه به لحوقا، وتوفيت في خلافة عمر ، وبقيت سودة إلى أن توفيت في خلافة معاوية في شوال سنة أربع وخمسين، قال ابن بطال : هذا الحديث سقط فيه ذكر زينب لاتفاق أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم، يعني أن الصواب : وكانت زينب أسرعنا إلى آخره، ولكن يعكر على هذا التأويل تلك الروايات المتقدمة المصرح فيها بأن الضمير لسودة، وقرأت بخط الحافظ أبي علي الصدفي : ظاهر هذا اللفظ أن سودة كانت أسرع، وهو خلاف المعروف عند أهل العلم، أن زينب أول من ماتت من الأزواج، ثم نقله عن مالك من روايته عن الواقدي، قال : ويقويه رواية عائشة بن طلحة، وقال ابن الجوزي : هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا أصحاب التعاليق ولا علم بفساد ذلك الخطابي، فإنه فسره وقال : لحوق سودة بن من أعلام النبوة، وكل ذلك وهم ، وإنما هي زينب ، فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء كما رواه مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ : ( فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل وتتصدق )، انتهى. وتلقى مغلطاي كلام ابن الجوزي فجزم به، ولم ينسبه له، وقد جمع بعضهم بين الروايتين، فقال الطيبي : يمكن أن يقال فيما رواه البخاري : المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب، وكانت سودة أولهم موتا، قلت : وقد وقع نحوه في كلام مغلطاي، ولكن يعكر على هذا أن في رواية يحيى بن حماد عند ابن حبان ( أن نساء النبي صلّى الله عليه وسلم اجتمعن عنده لم تغادر منهن واحدة )، ثم هو مع ذلك إنما يتأتى على أحد القولين في وفاة سودة، فقد روى البخاري في تاريخه باسناد صحيح إلى سعيد بن هلال أنه قال : * ماتت سودة في خلافة عمر *، وجزم الذهبي في التاريخ الكبير بأنها ماتت في آخر خلافة عمر، وقال ابن سيد الناس : إنه المشهور، وهذا يخالف ما أطلقه الشيخ محيي الدين حيث قال : * أجمع أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواجه *، وسبقه إلى نقل الاتفاق ابن بطال كما تقدم، ويمكن الجواب بأن النقل مقيد بأهل السير، فلا يرد نقل قول من خالفهم من أهل النقل ممن لا يدخل في زمرة أهل السير، وأما على قول الواقدي الذي تقدم فلا يصح، وقد تقدم عن ابن بطال أن الضمير في قوله : فكانت لزينب، وذكرت ما يعكر عليه، لكن يمكن أن يكون تفسيره بسودة من بعض الرواة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر، فلم يطلع على قصة زينب وكونها أول الأزواج لحوقا به جعل الضمائر كلها لسودة، وهذا عندي من أبي عوانة، وقد خالفه في ذلك ابن عيينة عن فراس كما قرأت بخط ابن رشيد أنه قرأه بخط أبي القاسم بن الورد، ولم أقف إلى الآن على رواية ابن عيينة هذه، لكن روى يونس بن بكير في زيادات المغازي والبيهقي في الدلائل بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك لزينب، لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقا ولا عائشة، ولفظه : ( قلن النسوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم : أينا أسرع بك لحوقا ؟ قال : أطولكن يدا )، فأخذن يتذرعن أيتهن أطول يدا، فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة، ويؤيده أيضا ما روى الحاكم في المناقب من مستدركه من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأزواجه : ( أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا )، قالت عائشة : ( فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي صلّى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة باليد، وكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله )، قال الحاكم على شرط مسلم ، انتهى.
وهي رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب.
قال ابن رشيد : والدليل على أن عائشة لا تعني سودة قولها : فعلمنا بعد، إذ قد أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي، ولم تذكر سبب الرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت، فإذا طلب السامع سبب العدول لم يجد إلا الإضمار مع أنه يصلح أن يكون المعنى : فعلمنا بعد أن المخبر عنها إنما هي الموصوفة بالصدقة لموتها قبل الباقيات، فينظر السامع ويبحث فلا يجد إلا زينب، فيتعين الحمل عليه، وهو من باب اضمار ما لا يصلح غيره، كقوله تعالى : (( حتى توارت بالحجاب ))، قال الزين بن المنير : وجه الجمع أن قولها : فعلمنا بعد، يشعر إشعارا قويا أنهن حملن طول اليد على ظاهره، ثم علمن بعد ذلك خلافه، وأنه كناية عن كثرة الصدقة، والذي علمنه آخرا خلاف ما اعتقدنه أولا، وقد انحصر الثاني في زينب، للاتفاق على أنها أولهن موتا، فتعين أن تكون هي المرادة وكذلك بقية الضمائر بعد قوله : فكانت، واستغني عن تسميتها لشهرتها بذلك، انتهى. وقال الكرماني : يحتمل أن يقال أن في الحديث اختصارا أو اكتفاء بشهرة القصة لزينب، ويؤول الكلام بأن الضمير رجع إلى المرأة التي علم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنها أول من يلحق به وكانت كثيرة الصدقة، قلت : الأول هو المعتمد وكأن هذا هو السر في كون البخاري حذف لفظ سودة من سياق الحديث لما أخرجه في الصحيح، لعلمه بالوهم فيه، وإنه لما ساقه في التاريخ بإثبات ذكرها ذكر ما يرد عليه من طريق الشعبي أيضا، عن عبد الرحمن بن أبزى قال : ( صليت مع عمر على أم المؤمنين زينب بنت جحش، وكانت أول نساء النبي صلّى الله عليه وسلم لحوقا به )، وقد تقدم الكلام على تاريخ وفاتها في كتاب الجنائز، وأنه سنة عشرين، وروى ابن سعد من طريق برزة بنت رافع قالت : ( لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فتعجبت وسترته بثوب وأمرت بتفرقته، إلى أن كشف الثوب فوجدت تحته خمسة وثمانين درهما، ثم قالت : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا، فماتت فكانت أول أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم لحوقا به )، وروى ابن ابي خيثمة من طريق القاسم من معن قال : ( كانت زينب أول نساء النبي صلّى الله عليه وسلم لحوقا به )، فهذه روايات يعضد بعضها بعضا، ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانه وهنا، وقد ساقه يحيى بن حماد عنه مختصرا ولفظه : ( فأخذن قصبة يتذارعنها، فماتت سودة بنت زمعة وكانت كثيرة الصدقة فعلمنا أنه قال أطولكن يدا بالصدقة )، هذا لفظه عند ابن حبان من طريق الحسن بن مدرك عنه، ولفظه عند النسائي عن أبي داود وهو الحراني عنه : ( فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها فكانت سودة أسرعهن به لحوقا وكانت أطولهن يدا، وكأن ذلك من كثرة صدقتها )، وهذا السياق لا يحتمل التأويل إلا أنه محمول على ما تقدم ذكره من دخول الوهم على الراوي في التسمية خاصة والله أعلم ".
الشيخ : هذا هو المعتمد أنه وهم من الراوي حيث سماها سودة وهي زينب، واللفظ الذي معنا : فعلمنا بعد، يدل بظاهره على ذلك أنهم علموا أن المراد كثرة الصدقة، لأن زينب ماتت فهي الأولى.
الشيخ : أعد، أعد، أينا أسرع ؟ من أول أينا أسرع ؟
القارئ : من أول الباب ؟
الشيخ : أينا أسرع ؟
القارئ : " قوله : أسرع بك لحوقا ، مضروب على التمييز، وكذا قوله يدا، وأطولكن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، قوله : فأخذو قصبة يذرعونها ، أي يقدرونها بذراع كل واحدة منهن، وإنما ذكر بلفظ جمع المذكر بالنظر إلى لفظ الجمع لا بلفظ جمع النساء ، وقد قيل في قول الشاعر :
وإن شئت حرمت النساء سواكم *** أنه ذكره بلفظ جمع المذكر تعظيما.
وقوله : ( أطولكن )، يناسب ذلك، وإلا لقال : طولاكن، قوله : فكانت سودة، زاد ابن سعد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد : بنت زمعة بن قيس، قوله : ( أطولهن يدا ) : في رواية عفان : ( ذراعا )، وهي تعين أنهن فهمن من لفظ اليد الجارحة، قوله : فعلمنا بعد، أي لما ماتت أول نسائه به لحوقا، قوله : أنما، بالفتح، والصدقة بالرفع، وطول يدها بالنصب، لأنه الخبر، وقوله : ( وكانت أسرعنا )، كذا وقع في الصحيح بغير تعيين، ووقع في التاريخ الصغير للمصنف عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد، فكانت سودة أسرعنا إلى آخره، وكذا أخرجه البيهقي في الدلائل، وابن حبان في صحيحه، من طريق العباس الدوري عن موسى، وكذا في راوية عفان عن أحمد وابن سعد عنه، قال ابن سعد : قال لنا محمّد بن عمر، يعني الواقدي، هذا الحديث، وهل في سودة " .
الشيخ : وهِلَ يعني وهِلْ، وَهِلْ، عندكم باللام ؟
القارئ : نعم.
الشيخ : وَهِلَ ما هي ب وَهَل، وهِل بمعنى وهم .
القارئ : " وهِل في سودة، وإنما هو في زينب بنت حجش، فهي أول نسائه به لحوقا، وتوفيت في خلافة عمر ، وبقيت سودة إلى أن توفيت في خلافة معاوية في شوال سنة أربع وخمسين، قال ابن بطال : هذا الحديث سقط فيه ذكر زينب لاتفاق أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم، يعني أن الصواب : وكانت زينب أسرعنا إلى آخره، ولكن يعكر على هذا التأويل تلك الروايات المتقدمة المصرح فيها بأن الضمير لسودة، وقرأت بخط الحافظ أبي علي الصدفي : ظاهر هذا اللفظ أن سودة كانت أسرع، وهو خلاف المعروف عند أهل العلم، أن زينب أول من ماتت من الأزواج، ثم نقله عن مالك من روايته عن الواقدي، قال : ويقويه رواية عائشة بن طلحة، وقال ابن الجوزي : هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا أصحاب التعاليق ولا علم بفساد ذلك الخطابي، فإنه فسره وقال : لحوق سودة بن من أعلام النبوة، وكل ذلك وهم ، وإنما هي زينب ، فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء كما رواه مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ : ( فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل وتتصدق )، انتهى. وتلقى مغلطاي كلام ابن الجوزي فجزم به، ولم ينسبه له، وقد جمع بعضهم بين الروايتين، فقال الطيبي : يمكن أن يقال فيما رواه البخاري : المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب، وكانت سودة أولهم موتا، قلت : وقد وقع نحوه في كلام مغلطاي، ولكن يعكر على هذا أن في رواية يحيى بن حماد عند ابن حبان ( أن نساء النبي صلّى الله عليه وسلم اجتمعن عنده لم تغادر منهن واحدة )، ثم هو مع ذلك إنما يتأتى على أحد القولين في وفاة سودة، فقد روى البخاري في تاريخه باسناد صحيح إلى سعيد بن هلال أنه قال : * ماتت سودة في خلافة عمر *، وجزم الذهبي في التاريخ الكبير بأنها ماتت في آخر خلافة عمر، وقال ابن سيد الناس : إنه المشهور، وهذا يخالف ما أطلقه الشيخ محيي الدين حيث قال : * أجمع أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواجه *، وسبقه إلى نقل الاتفاق ابن بطال كما تقدم، ويمكن الجواب بأن النقل مقيد بأهل السير، فلا يرد نقل قول من خالفهم من أهل النقل ممن لا يدخل في زمرة أهل السير، وأما على قول الواقدي الذي تقدم فلا يصح، وقد تقدم عن ابن بطال أن الضمير في قوله : فكانت لزينب، وذكرت ما يعكر عليه، لكن يمكن أن يكون تفسيره بسودة من بعض الرواة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر، فلم يطلع على قصة زينب وكونها أول الأزواج لحوقا به جعل الضمائر كلها لسودة، وهذا عندي من أبي عوانة، وقد خالفه في ذلك ابن عيينة عن فراس كما قرأت بخط ابن رشيد أنه قرأه بخط أبي القاسم بن الورد، ولم أقف إلى الآن على رواية ابن عيينة هذه، لكن روى يونس بن بكير في زيادات المغازي والبيهقي في الدلائل بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك لزينب، لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقا ولا عائشة، ولفظه : ( قلن النسوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم : أينا أسرع بك لحوقا ؟ قال : أطولكن يدا )، فأخذن يتذرعن أيتهن أطول يدا، فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة، ويؤيده أيضا ما روى الحاكم في المناقب من مستدركه من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأزواجه : ( أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا )، قالت عائشة : ( فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي صلّى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة باليد، وكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله )، قال الحاكم على شرط مسلم ، انتهى.
وهي رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب.
قال ابن رشيد : والدليل على أن عائشة لا تعني سودة قولها : فعلمنا بعد، إذ قد أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي، ولم تذكر سبب الرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت، فإذا طلب السامع سبب العدول لم يجد إلا الإضمار مع أنه يصلح أن يكون المعنى : فعلمنا بعد أن المخبر عنها إنما هي الموصوفة بالصدقة لموتها قبل الباقيات، فينظر السامع ويبحث فلا يجد إلا زينب، فيتعين الحمل عليه، وهو من باب اضمار ما لا يصلح غيره، كقوله تعالى : (( حتى توارت بالحجاب ))، قال الزين بن المنير : وجه الجمع أن قولها : فعلمنا بعد، يشعر إشعارا قويا أنهن حملن طول اليد على ظاهره، ثم علمن بعد ذلك خلافه، وأنه كناية عن كثرة الصدقة، والذي علمنه آخرا خلاف ما اعتقدنه أولا، وقد انحصر الثاني في زينب، للاتفاق على أنها أولهن موتا، فتعين أن تكون هي المرادة وكذلك بقية الضمائر بعد قوله : فكانت، واستغني عن تسميتها لشهرتها بذلك، انتهى. وقال الكرماني : يحتمل أن يقال أن في الحديث اختصارا أو اكتفاء بشهرة القصة لزينب، ويؤول الكلام بأن الضمير رجع إلى المرأة التي علم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنها أول من يلحق به وكانت كثيرة الصدقة، قلت : الأول هو المعتمد وكأن هذا هو السر في كون البخاري حذف لفظ سودة من سياق الحديث لما أخرجه في الصحيح، لعلمه بالوهم فيه، وإنه لما ساقه في التاريخ بإثبات ذكرها ذكر ما يرد عليه من طريق الشعبي أيضا، عن عبد الرحمن بن أبزى قال : ( صليت مع عمر على أم المؤمنين زينب بنت جحش، وكانت أول نساء النبي صلّى الله عليه وسلم لحوقا به )، وقد تقدم الكلام على تاريخ وفاتها في كتاب الجنائز، وأنه سنة عشرين، وروى ابن سعد من طريق برزة بنت رافع قالت : ( لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فتعجبت وسترته بثوب وأمرت بتفرقته، إلى أن كشف الثوب فوجدت تحته خمسة وثمانين درهما، ثم قالت : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا، فماتت فكانت أول أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم لحوقا به )، وروى ابن ابي خيثمة من طريق القاسم من معن قال : ( كانت زينب أول نساء النبي صلّى الله عليه وسلم لحوقا به )، فهذه روايات يعضد بعضها بعضا، ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانه وهنا، وقد ساقه يحيى بن حماد عنه مختصرا ولفظه : ( فأخذن قصبة يتذارعنها، فماتت سودة بنت زمعة وكانت كثيرة الصدقة فعلمنا أنه قال أطولكن يدا بالصدقة )، هذا لفظه عند ابن حبان من طريق الحسن بن مدرك عنه، ولفظه عند النسائي عن أبي داود وهو الحراني عنه : ( فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها فكانت سودة أسرعهن به لحوقا وكانت أطولهن يدا، وكأن ذلك من كثرة صدقتها )، وهذا السياق لا يحتمل التأويل إلا أنه محمول على ما تقدم ذكره من دخول الوهم على الراوي في التسمية خاصة والله أعلم ".
الشيخ : هذا هو المعتمد أنه وهم من الراوي حيث سماها سودة وهي زينب، واللفظ الذي معنا : فعلمنا بعد، يدل بظاهره على ذلك أنهم علموا أن المراد كثرة الصدقة، لأن زينب ماتت فهي الأولى.