مسألة إثبات صفة الكلام لله عز وجل . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث الأول، حديث أتاهن الرسول، دليل على كلام الله عز وجل، وأن الله تعالى يتكلم بحرف وصوت مسموع، وهذا هو ما عليه السلف الصالح وأئمة الهدى من بعدهم. وأخطأ من قال : إن الله لا يتكلم، وأن كلامه هو المعنى القائم بالنفس، وأما الصوت الذي سمعه جبريل فإنه مخلوق، خلقه الله عز وجل ليعبر عما في نفسه، هذا قول الأشاعرة.
والمعتزلة قالوا : إن الله تعالى ليس له كلام هو المعنى في النفس، لكن كلامه مخلوق كسائر المخلوقات، وإضافته إليه من باب التشريف والتكريم.
ولهذا كانت الجهمية أقعد من الأشاعرة، لان إضافة الله بعض المخلوقات إليه أمر موجود، هؤلاء يقولون : الكلام هو المعنى القائم بالنفس ، وإذا قلنا أنه المعنى القائم بالنفس فإنه لا يعدو أن يكون هو العلم فقط ثم خلق أصواتا تعبر عما في نفسه، فالمسموع عندهم ليس كلام الله، لكنه عبارة كلام الله، ولهذا قال بعضهم- بعض الأشاعرة - : أنه ليس بيننا وبين المعتزلة والجهمية فرق في كلام الله، لأننا اتفقنا على أن ما في المصاحف والصدور مخلوق، كلهم يقولون : مخلوق، لكن المعتزلة يقولون : هو كلام الله، وهؤلاء يقولون : عبارة عن كلام الله، فصار المعتزلة أقرب منهم من حيث القواعد، وإن كان كلهم ضالين، وأن كلام الله هو الكلام المسموع المرتب بالحروف، فهو عز وجل قال : بسم الله الرحمن الرحيم، بحروف مرتبة.
السائل : بالنسبة لقوله صلى الله عليه وسلم ... ؟
الشيخ : إي نعم، يؤخذ منه لأن الاطلاع لا بد أن يكون مقابلة.
السائل : ... ؟
الشيخ : إي صحيح ، الحمد لله، هذا من تسورت المحراب.
القارئ : بسم الله الرّحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة من صحيحه :
باب : لا يجمع بين المتفرقين، ولا يفرق بين مجتمع، ويذكر عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم .
الشيخ : ما كملنا الأول، نكمل إن شاء الله تعالى .
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم : ( وأما خالد احتبس ) وفي نسخة : ( فقد احتبس أذراعه وأعتده في سبيل الله )، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث على الصدقة، فلما رجع العمال قالوا : يا رسول الله إن فلانا منع، وفلانا منع، وفلانا منع، عبد الله بن جميل منع، العباس بن عبد المطلب منع، خالد بن الوليد منع، فدافع النبي صلّى الله عليه وسلم عمن يستحق المدافعة، ولام من يستحق الملامة، وتحمل الثالثة .
فقال في عبد الله بن جميل : ( ما ينقم ابن جميل إلا أن يكون فقيرا فأغناه الله )، وهذا يقتضي ماذا ؟ يقتضي الذم، ويقتضي أنه لما أغناه الله أن يزكي، لكنه لم يزك، هذا واحد.
العباس قال : ( هي علي ومثلها ) عليه الصلاة والسلام، واختلف في قوله : ( هي علي ومثلها ) فقيل : أن النبي صلّى الله عليه وسلم تعجل منه الزكاة، زكاة السنة المقبلة، وزكاة السنة الحاضرة، فكانت زكاتين، يعني أنه قبض منه زكاة سنتين حاضرة ومستقبلة، وقيل المعنى أن النبي صلّى الله عليه وسلم تضمن الزكاة عن عمه، ولكنه ضاعفها، لاحتمال أن عمه إنما منعها لقربه من الرسول صلّى الله عليه وسلم، ومعلوم أن القرب من الولاة لا يقتضي أن ينابذ الأقارب ما يكون مطلوبا من الناس، ولهذا كان عمر رضي الله عنه إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله وقال لهم :( إني نهيت عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الضيف إلى اللحم، ينتهزون أدنى فرصة فيقعون في أعراضكم، وإني لا أوتى برجل فعل هذا إلا أضعفت عليه العقوبة )، رضي الله عنه، الله أكبر، إذا رأيت هذا ورأيت حال الناس اليوم، حال الناس اليوم إذا أتاهم أحد من أقاربهم إذا أخطأ، أضعفوا العقوبة عليه أو أسقطوا العقوبة عنه ؟ الثاني في غالب الحكام، ولهذا حذر النبي صلّى الله عليه وسلم من هذا وقال : ( إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه )، وهذا القول في معنى قوله صلّى الله عليه وسلم : ( هي علي ومثلها )، أصح من القول بأنه تعجل الزكاة، خالد رضي الله عنه دافع عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، دافع عنه.
قال : ( أما خالد فإنكم تظلمون خالدا )، وتأمل هذه العبارة ، لم يقل : فإنكم تظلمونه، بل أظهر اسمه في موقع الإضمار، تنويها بهذا الاسم، يعني خالد من هو حتى يمنع ؟ احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله، وظاهر صنيع البخاري رحمه الله أن هذه الأذرع والأعتاد من الزكاة، فكأنه رضي الله عنه اشترى بالزكاة أذراعا وأعتادا للحرب وجعلها في سبيل الله، ولكن للحديث معنى آخر : وهو أن خالدا رضي الله عنه احتبس أي وقف أدراعه وأعتاده في سبيل الله، والذي تبرع وتطوع بالمال لا يمكن أن يمنع الواجب، وهذا وجه قوي.
وما ذهب إليه البخاري رحمه الله محتمل، ثم استدل بدليل آخر : ( تصدقن ولو من حليكن )، قال : فلم يستثن صدقة الفرض، لأن الصدقة تطلق على الفريضة والنافلة، من إطلاقها على الفريضة قوله تعالى : (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم )) وهذه هي الزكاة، ولكن يقال : إن ظاهر الحال أنه أمرهن بالصدقة أي صدقة التطوع، لأنه قال : ( فإني رأيتكن أكثر أهل النار )، وعلل ذلك ليس بمنع الزكاة وإنما بأمر آخر، فظاهر الحديث، السياق والحال، أن المراد بالصدقة في هذا الحديث هي صدقة التطوع، قال : ولم يخص الذهب والفضة من العروض، يعني معناه أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يقل : لا تخرج الزكاة إلا من الخروص وشبهها دون غيرها من الطعام ونحوه، وسبق لنا أن القول الراجح : جواز إخراج القيمة في الزكاة بشرط أن يكون في ذلك مصلحة للفقير وتيسير على المالك.