باب : قول الله تعالى (( وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله )) ويذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج وقال الحسن إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطي في المجاهدين والذي لم يحج ثم تلا : (( إنما الصدقات للفقراء ... )) الآية في أيها أعطيت أجزأت وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن خالدا احتبس أدراعه في سبيل الله ) ويذكر عن أبي لاس ( حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل الصدقة للحج ) حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرّحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين، قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة من صحيحه :
باب : قوله الله تعالى : (( وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله ))، ويذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج )، وقال الحسن : " إن اشترى أباه من الزكاة جاز، ويعطي في المجاهدين والذي لم يحج، ثم تلا : (( إنما الصدقات للفقراء ))، الآية، في أيها أعطيت أجزأْت "، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم .
الشيخ : عندي أجزأَت.
القارئ : في أيها أعطيت أجزأَت، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم : ( إن خالدا احتبس أدراعه في سبيل الله )، ويذكر عن أبي لاس : ( حملنا النبي صلّى الله عليه وسلم على إبل الصدقة للحج ).
الشيخ : هذه مسائل، باب : قول الله تعالى : (( وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله ))، هذه من أهل الزكاة، الرقاب ذكر العلماء أن لها ثلاثة أصناف : أن يشتري عبدا فيعتقه، والثاني : أن يكاتب عبده، والثالثة : أن يفدي أسيرا مسلما من الكفار، كل هذا في الرقاب، وكذلك لو كان عنده عبد فقدر قيمته وأعتقه، فإنه يجزئه، وقوله : (( والغارمين )) يعني الذي عليهم ديون، لا يستطيعون وفاءها، فإنه يوفى عنهم من الزكاة، ولكن إن كان هذا الغارم أمينا حريصا على وفاء دينه، فإنه يعطى بيده ويوفي، لأن ذلك أبعد عن الرياء وأولى بهذا المعطى، حتى لا يظهر لأحد منة، أما إذا كان الغريم الذي عليه الدين لا يوثق به، ويخشى إن أعطيناه لقضاء الدين أن يصرفه في غيره، فهذا لا نعطيه بنفسه، وإنما نذهب إلى غريمه الذي يطلبه، ونسدد عنه، أما قوله : (( في سبيل الله ))، فلا شك أن الجهاد في سبيل الله داخل فيه، ولكن كيف يصرف ؟ قيل أنه يعطى المجاهدين، ينفق على المجاهدين، ولا يصح أن يشترى به السلاح، وقيل : بل يصح أن يعطى المجاهدين وأن يشترى به سلاح، لأن المجاهد لا يجاهد إلا بالسلاح، وهذا القول هو الراجح، ويأتي له شاهد إن شاء الله تعالى، هل الحج داخل في قوله : (( في سبيل الله )) ؟ في هذا خلاف بين أهل العلم، بعضهم يقول : إنه داخل في قوله (( في سبيل الله )) ، لأن الحج نوع من الجهاد، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم لعائشة : ( عليهن جهاد لا قتال فيه )، لأن الله تعالى قال في القرآن الكريم : (( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ، وأتموا الحج والعمرة لله )) فذكر إتمام الحج بعد الأمر بالإنفاق في سبيل الله، ولكن هل يعطى في حج التطوع والحج الواجب كما هو في الجهاد ويعطى في الغزو التطوع والواجب أو يختص بالواجب ؟ ننظر إلى كلام السلف، قال : يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج )، وظاهر كلامه في قوله : يعطي في الحج، الإطلاق، كما كان ذلك في الجهاد، وقال الحسن : " إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطى في المجاهدين والذي لم يحج "، وكلام الحسن أصح، أنه إذا قيل بجواز دفعها في الحج فإنه يعطى من لم يحج، لأن من لم يحج كالفقير يحتاج إلى الحج، بخلاف الذي أدى الفريضة، وقول الحسن : إن اشترى أباه من الزكاة جاز ، يشير إلى أن من كان من أهل الزكاة فلا فرق بين أن يكون من الأصول أو الفروع، ويشير أيضا إلى أنه يجزئ صرف الزكاة بالإعتاق، سواء عتق قهرا أم اختيارا، وذلك لأن الإنسان إذا اشترى أباه، أباه رقيق وهو حر، فاشترى أباه، فإنه أباه يعتق بمجرد الشراء، إذن كان الحسن رحمه الله أشار إلى شيئين مهمين، الأول : جواز صرف الزكاة فيمن يستحقها من الأصول أو الفروع، والثاني : أنه لا فرق في صرف الزكاة في الرقاب، بين من يعتق جبرا أو اختيارا، وقال : ويعطى في المجاهدين واضح، والذي لم يحج كذلك واضح، ثم تلا مستدلا بما قال : (( إنما الصدقات للفقراء )) الآية، الآيةَ أم الآيةُ أم الآيةِ ؟ الآيةَ بالنصب على أنها مفعول لفعل محذوف، التقدير اقرأ الآية، أو أكمل الآية. في أيها أعطيت أجزأت، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم : ( إن خالدا احتبس أدراعه في سبيل الله ) ، خالد بن الوليد، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة، يأخذها من الناس، فرجع فقيل : منع ثلاثة، منعوا من إعطاء الزكاة، أولهم : ابن جميل واسمه عبد الله، والثاني : خالد بن الوليد، والثالث : العباس بن عبد المطلب، ثلاثة لما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلم أعطى كل ذي حق حقه، قال : ( ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله ) وهذا قدح أو مدح ؟ نعم، قدح، قدح عظيم، يعني ما عذره ؟ عذره أن الله أغناه ويمنع الزكاة ؟ وقد قيل : إنه من المنافقين، ولكن هذا يحتاج إلى ثبوت، إلى دليل، ولا شك إن منعوا الزكاة غلط، وأما خالد، اسمع، ( وأما خالد، فإنكم تظلمون خالدا، فقد احتبس أعتاده وأدراعه في سبيل الله )، هذه مدح أو قدح ؟ مدح، ولهذا قال : تظلمون خالدا، ولم يقل : تظلمونه، فأظهر اسمه العلم رفعة له، وإظهارا لشرفه، يعني كأنه قال : خالد، من هو خالد هذا الذي تظلمونه ؟ إنكم تظلمون خالدا، ثم ذكر أنه احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، هل هذا يعني أن رجلا تطوع وحبس أدراعه يعني وقفها في سبيل الله، لا يمكن أن يمنع الزكاة ؟ أو أن المعنى أنه وضع زكاته في آلات الحرب ؟ إي نعم، فيه احتمال هذا وهذا، فإن كان على الأول، فالمعنى أن من تبرع بما ليس بواجب، فأولى أن يبذل ما كان واجبا، وأما على الثاني فهو دليل على أنه يجوز لصاحب الزكاة أن يشتري أسلحة وأعتادا يصرفها في الجهاد في سبيل الله، وأيا كان فإن النبي صلّى الله عليه وسلم دافع عنه أشد المدافعة، أما العباس، العباس عمه، قال : ( فهي علي ومثلها )، هي علي ومثلها، اللهم صلّ وسلم عليه، هذا من صلة الرحم، لكن لم قال : ( علي ومثلها )، في بعض السنن أن النبي صلّى الله عليه وسلم تعجل من الزكاة، من زكاة العباس سنتين، تعجل سنتين، ولكن هذا التأويل بعيد، لأنه لو كان الأمر كذلك لقال : وأما العباس فقد أداها، وتعجل، لكنه قال : ( هي علي ومثلها )، وسبب ذلك والله أعلم، أن العباس منع محتجا بقرابته من النبي صلّى الله عليه وسلم، فكأنه ممن توسل بجاهه إلى منع الزكاة، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلم أن يبطل هذا التوسل بجاهه وقربه من الرسول صلّى الله عليه وسلم ، لأن الناس في أحكام الله سواء، فيكون هذا نوعا من التعزير، وهذا هو الأقرب، لكنه صلّى الله عليه وسلم لصلته لرحمه جعل هذا على نفسه، سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثل هذا تماما، كان إذا نهى الناس عن شيء جمع حاشيته وأهله وقال لهم : ( إني نهيت الناس عن كذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، يترقبون الفرصة، فلا يبلغني عن أحد منكم أنه فعل هذا إلا ضاعفت عليه الغرم )، سبحان الله، يعني معناه يشدد عليه تعزيرا، لأن القريبين من الخليفة إنما يسطون بسيف الخليفة وقربهم منه، فأراد عمر أن يردعهم، وقال : ليش أنكم تتوسلون إلى ... يعني لما أنهاكم عنه لقربكم مني، الشاهد من هذا الحديث قوله : أنه احتبس أدراعه في سبيل الله، ويذكر عن ابن لاس قال : ( حمل النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم على إبل الصدقة للحج )، لكن هذا الأثر كما رأيتم ضعيف عند البخاري، لماذا؟ لأنه قال بصيغة يذكر، الدالة على التمريض.