فوائد حديث : ( هلا انتفعتم بجلدها ) . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث دليل على أن قوله تعالى :(( حرمت عليكم الميتة )) ليس عاما في جميع وجوه الانتفاع ، إنما محرم أكلها، وبناء على ذلك لو أننا انتفعنا بشحمها ولحمها في غير الأكل ، جاز ذلك، لأن كلمة انما حرم أكلها حصل طريقه إنما ، وعليه فيجوز أن تطلى بشحومها السفن ، وتدهن بها الجلود ، ولا حرج في ذلك.
ولما حرّم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيع الميتة ، قالوا : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن ،وتدهن بها الجلود ،ويستصبح بها الناس، قال : لا ، هو حرام .
لما قال هذا ، اختلف العلماء، هل قوله : هو حرام ، يعود على ما ذكر من الانتفاع ، أو يعود على ما السياق فيه وهو البيع ، وهذا الحديث يؤيد ماذا ؟
أنه يعود على البيع . في لفظ آخر ، قال : يطهرها الماء والقرظ ، يطهرها الماء والقرظ ، يعني الدبغ .
فيدل هذا على أن جلد الميتة يسلخ منها ، من الميتة ويدبغ ، ويطهر بالدبغ ، وإذا طهر بالدبغ جاز استعماله ، جاز استعماله في اليابسات وغير اليابسات ، بل جاز لباسه على الانسان ، يجوز أن يلبسه فروة له، لأنه لما دبغ صار طاهرا .
واختلف العلماء رحمهم الله ، هل هذا يعم كل جلد دبغ ، حتى جلود السباع والحيات وما أشبهها ؟ أو خاص بجلود ما تحله الذكاة ؟
فمن العلماء من قال : إنه عام في كل جلد ،كل جلد دبغ فهو طاهر ،واستدلوا بعموم الحديث : ( أيّما اهاب دبغ فقد طهر )، هذا القول هو الذي ينطبق على فعل الناس اليوم ،كثير من الخفاف الآن مأخوذ من جلود ما لا يحل أكله ، لكنه مدبوغ ، فعلى هذا القول يكون استعمال هذه الكنادر والخف يكون جائز ، وكذلك الفراء التي فيها وبر ناعم نظيف ، لكنه من جلود ما لا يحل أكله ، إذا دبغ فهو طاهر .
والقول الراجح : أنه لا يطهر بالدبغ إلا جلود الميتة التي تحل بالذكاة ، ودليل ذلك أنه في بعض ألفاظ الحديث : ( دباغها ذكاتها )، يعني أنه في منزلة الذكاة لها ، فكما أن الذكاة تطهر هذا الحيوان ، فالدبغ يطهر جلده ، وهذا أحوط ،أعني أن القول : بأنه لا يطهر من الجلود إلا ما كان أصله حلالا طاهرا ، فإذا مات تنجس بالنجاسة ، طهر بالدبغ ، ويدل عليه بالقياس أن جلد الميتة نجاسته ماذا ؟ طارئة أم عينية ؟ طارئة ، فهي كالثوب الذي أصابته النجاسة.
بخلاف جلود السباع المحرمة فهي نجسة من أصلها .
وفي هذا الحديث دليل على مراعاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحماية الاقتصاد وضبط الأموال ، لأنه لم يرد أن يذهب هذا الجلد هباء،
الجلد إذا سلخ ، فإن السالخ يباشره .