شرح : مايحرم من قليل الرضاع وكثيره . حفظ
الشيخ : والمسألة الثانية التي ترجم بها المؤلف قال : وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره وهذا أيضاً مسألة فيها خلاف بين العلماء فمنهم من يقول إن الرضاع محرم قليله وكثيره وهذا مذهب كثير من أهل العلم كأبي حنيفة وأصحابه ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله على الرضاع يحرم القليل منه والكثير واستدلوا بالإطلاق في قوله : (( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم )) وبقوله عليه الصلاة والسلام : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) فإذا ارتضع الطفل من المرأة ولو مرة واحدة ولو مصة واحدة كانت أماً له من الرضاع وثبتت أحكام الرضاع وهذا هو ظاهر اختيار البخاري رحمه الله لأنه قال : " وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره ".
القول الثاني : أن الرضاع المحرم ثلاث رضعات فأكثر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان والمصة والمصتان ) فمفهوم الإملاجة والاملاجتان والمصة والمصتان أن ما زاد عليهما محرم ، فيكون الثلاثة فأكثر محرمة وما دونها غير محرمة .
القول الثالث : أن الرضاع المحرم لا بد أن يكون خمس رضعات هناك أقوال أخرى سبع وعشرة ولكن لا معول عليها لأنه ليس فيها دليل ولكن هذه هي الأقوال التي لها أدلة واضحة أن الرضاع المحرم خمس رضعات فأكثر وما دونها فإنه لا يحرم ودليل هذا حديث عائشة الذي رواه مسلم قالت : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن " وهذا نص صريح في أن المحرم خمس رضعات ولا يعارض هذا ما استدل به القائلون بأن الرضاع محرم قليله وكثيره ولا بأن الرضاع المحرم ثلاث رضعات كيف ذلك ؟ أما الذين قالوا إن الرضاع محرم قليله وكثيره فالذي استدلوا به دليل مطلق والمطلق إذا ورد ما يقيده تقيد به ، وأما الذين قالوا بالثلاث فنقول إن حديثكم يقول : ( لا تحرم المصة ولا المصتان والإملاجة والإملاجتان ) ونحن نقول كذلك لأن الحديث الذي معنا يقول خمس رضعات إذا الثنتان لا يحرمان ولا لا ؟ فما دلّ عليه الحديث ( لا تحرم الإملاجتان أو المصتان ) مطابق تماماً للحديث الذي خصه بخمس ، ومع الخمس زيادة علم فيكون أولى ثم نقول : دلالة حديث لا تحرم المصة والمصتان بالمفهوم ، لأن مفهومه أن الثلاث أكثر محرم ، وأما دلالة أن المحرم خمس رضعات فهو بالمنطوق والمنطوق مقدم على المفهوم ، المنطوق مقدم على المفهوم لأنه لا يعارضه في الواقع فالمنطوق الذي معنا خمس لا يعارض أن الإملاجتين أو المصتين لا تحرمان بل يوافقه لكن بزيادة ولهذا نقول : إن القول بأنها خمس رضعات هو القول الراجح فإن قلت لماذا لا تحتاط فتأخذ بالقول الذي يثبت أثر الرضاع القليل والكثير ؟ نقول هذه المسألة الاحتياط فيها متجاذب لأنك إن احتطت وحرمتها على هذا الرجل فإنك لم تحتط في حل الخلوة بها وجواز النظر وجواز السفر أو لا ؟ طيب هذه طفلة رضعت من امرأة رضعة واحدة ، وللمرأة التي رضعت منها أولاد ذكور إذا قلنا أن الرضعة الواحدة محرمة صارت هذه الطفلة حراماً على أولاد المرأة ، وكون أولادها لا يتزوجون بها أي بهذه الطفلة أحوط من كونهم يتزوجون لأنهم إذا تركوا الزواج لم يقولوا إنكم أثمتم ، وإن تزوجوا بها قال بعض العلماء إنكم أثمتم إذن فالاحتياط أن لا يتزوجوا بها لكن نقول إن هذا الاحتياط يعارض احتياطاً آخر وهي أنه إذا قلنا بثبوت حكم الرضاع أبحنا لأولاد هذه المرأة المرضعة أن يختلوا بهذه الطفلة إذا كبرت وأبحنا إلى أن ينظروا إلى وجهها وإلى أن يسافروا بها ، فحينئذٍ وقعنا في خلاف الاحتياط لأن الاحتياط أن نتجنب هذا الشيء فإذا قلت : لماذا لا تعمل بالاحتياطين وتقول : يحرم نكاحها ويحرم النظر إليها والخلوة بها والسفر بها ؟ قلنا هذا تعارض في الأحكام لا يمكن أن يثبت للسبب الواحد حكم ونقيضه أبداً لأن السبب الواحد إن كان فاعلاً مؤثراً ثبت أثره وانتفى خلافه وإن لم يكن مؤثراً لم يكن سبباً فلا يمكن أن نقول : أثبت الاحتياطين نعم فإن قلت : جاءت السنة بإثبات الاحتياطين وذلك في قصة عبد بن زمعة فإنه تخاصم فيه سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة تخاصما في غلام فقال سعد بن أبي وقاص : يا رسول الله إن هذا الغلام من أخي عتبة عهد به إلي وقال عبد بن زمعة يا رسول الله هذا الغلام ولد على فراش أبي من وليدته ، لأن عتبة ابن أبي وقاص في الجاهلية كان قد انتهك حرمة هذه المرأة فأتت بهذا الولد فتنازع فيه الآن عبد بن زمعة حجته إيش ؟ أنه ولد على فراش أبيه من وليدة أبيه أي من جاريته وسعد بن أبي وقاص احتج بأن أخاه عتبة عهد به إليه وقال : يا رسول الله أنظر شبه الولد فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فإذا فيه شبه بيّن بعتبة واضح ، ولكنه قال : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة ) نعم فهنا أثبت حكم الفراش من جهة ونفى حكمه من جهة ، قضى به لعبد بن زمعة لأنه ولد على فراش أبيه وأمر سودة أن تحتجب منه لأن فيه سبب بين بعتبة ، فهذا تعارض أثبتنا الحكم ونقيضه ، فما الجواب عما قلنا قبل قليل إنه لا يمكن إثبات الحكم ونقيضه ؟ الجواب أن السببين هنا مختلفان سبب أمره لسودة أن تحتجب هو الشبه البين بعتبة وسبب إلحاقه بزمعة الفراش ، فالسببان مختلفان أما ما قلنا بالأول فإن السبب واحد وهو الرضاع فلا يمكن لسبب واحد أن يثبت به حكمان مختلفان أبداً ، طيب الآن تبين لنا أن الراجح أن المحرم خمس رضعات معلومات ، وجاء في الحديث معلومات لأجل أنه إذا شك في عدد الرضعات فالأصل عدمها إذا شككنا هل رضع خمساً أم أربعاً فهي أربع حتى نعلم أنها خمس طيب إن علمنا أنها ست ؟ من باب أولى .
القول الثاني : أن الرضاع المحرم ثلاث رضعات فأكثر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان والمصة والمصتان ) فمفهوم الإملاجة والاملاجتان والمصة والمصتان أن ما زاد عليهما محرم ، فيكون الثلاثة فأكثر محرمة وما دونها غير محرمة .
القول الثالث : أن الرضاع المحرم لا بد أن يكون خمس رضعات هناك أقوال أخرى سبع وعشرة ولكن لا معول عليها لأنه ليس فيها دليل ولكن هذه هي الأقوال التي لها أدلة واضحة أن الرضاع المحرم خمس رضعات فأكثر وما دونها فإنه لا يحرم ودليل هذا حديث عائشة الذي رواه مسلم قالت : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن " وهذا نص صريح في أن المحرم خمس رضعات ولا يعارض هذا ما استدل به القائلون بأن الرضاع محرم قليله وكثيره ولا بأن الرضاع المحرم ثلاث رضعات كيف ذلك ؟ أما الذين قالوا إن الرضاع محرم قليله وكثيره فالذي استدلوا به دليل مطلق والمطلق إذا ورد ما يقيده تقيد به ، وأما الذين قالوا بالثلاث فنقول إن حديثكم يقول : ( لا تحرم المصة ولا المصتان والإملاجة والإملاجتان ) ونحن نقول كذلك لأن الحديث الذي معنا يقول خمس رضعات إذا الثنتان لا يحرمان ولا لا ؟ فما دلّ عليه الحديث ( لا تحرم الإملاجتان أو المصتان ) مطابق تماماً للحديث الذي خصه بخمس ، ومع الخمس زيادة علم فيكون أولى ثم نقول : دلالة حديث لا تحرم المصة والمصتان بالمفهوم ، لأن مفهومه أن الثلاث أكثر محرم ، وأما دلالة أن المحرم خمس رضعات فهو بالمنطوق والمنطوق مقدم على المفهوم ، المنطوق مقدم على المفهوم لأنه لا يعارضه في الواقع فالمنطوق الذي معنا خمس لا يعارض أن الإملاجتين أو المصتين لا تحرمان بل يوافقه لكن بزيادة ولهذا نقول : إن القول بأنها خمس رضعات هو القول الراجح فإن قلت لماذا لا تحتاط فتأخذ بالقول الذي يثبت أثر الرضاع القليل والكثير ؟ نقول هذه المسألة الاحتياط فيها متجاذب لأنك إن احتطت وحرمتها على هذا الرجل فإنك لم تحتط في حل الخلوة بها وجواز النظر وجواز السفر أو لا ؟ طيب هذه طفلة رضعت من امرأة رضعة واحدة ، وللمرأة التي رضعت منها أولاد ذكور إذا قلنا أن الرضعة الواحدة محرمة صارت هذه الطفلة حراماً على أولاد المرأة ، وكون أولادها لا يتزوجون بها أي بهذه الطفلة أحوط من كونهم يتزوجون لأنهم إذا تركوا الزواج لم يقولوا إنكم أثمتم ، وإن تزوجوا بها قال بعض العلماء إنكم أثمتم إذن فالاحتياط أن لا يتزوجوا بها لكن نقول إن هذا الاحتياط يعارض احتياطاً آخر وهي أنه إذا قلنا بثبوت حكم الرضاع أبحنا لأولاد هذه المرأة المرضعة أن يختلوا بهذه الطفلة إذا كبرت وأبحنا إلى أن ينظروا إلى وجهها وإلى أن يسافروا بها ، فحينئذٍ وقعنا في خلاف الاحتياط لأن الاحتياط أن نتجنب هذا الشيء فإذا قلت : لماذا لا تعمل بالاحتياطين وتقول : يحرم نكاحها ويحرم النظر إليها والخلوة بها والسفر بها ؟ قلنا هذا تعارض في الأحكام لا يمكن أن يثبت للسبب الواحد حكم ونقيضه أبداً لأن السبب الواحد إن كان فاعلاً مؤثراً ثبت أثره وانتفى خلافه وإن لم يكن مؤثراً لم يكن سبباً فلا يمكن أن نقول : أثبت الاحتياطين نعم فإن قلت : جاءت السنة بإثبات الاحتياطين وذلك في قصة عبد بن زمعة فإنه تخاصم فيه سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة تخاصما في غلام فقال سعد بن أبي وقاص : يا رسول الله إن هذا الغلام من أخي عتبة عهد به إلي وقال عبد بن زمعة يا رسول الله هذا الغلام ولد على فراش أبي من وليدته ، لأن عتبة ابن أبي وقاص في الجاهلية كان قد انتهك حرمة هذه المرأة فأتت بهذا الولد فتنازع فيه الآن عبد بن زمعة حجته إيش ؟ أنه ولد على فراش أبيه من وليدة أبيه أي من جاريته وسعد بن أبي وقاص احتج بأن أخاه عتبة عهد به إليه وقال : يا رسول الله أنظر شبه الولد فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فإذا فيه شبه بيّن بعتبة واضح ، ولكنه قال : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة ) نعم فهنا أثبت حكم الفراش من جهة ونفى حكمه من جهة ، قضى به لعبد بن زمعة لأنه ولد على فراش أبيه وأمر سودة أن تحتجب منه لأن فيه سبب بين بعتبة ، فهذا تعارض أثبتنا الحكم ونقيضه ، فما الجواب عما قلنا قبل قليل إنه لا يمكن إثبات الحكم ونقيضه ؟ الجواب أن السببين هنا مختلفان سبب أمره لسودة أن تحتجب هو الشبه البين بعتبة وسبب إلحاقه بزمعة الفراش ، فالسببان مختلفان أما ما قلنا بالأول فإن السبب واحد وهو الرضاع فلا يمكن لسبب واحد أن يثبت به حكمان مختلفان أبداً ، طيب الآن تبين لنا أن الراجح أن المحرم خمس رضعات معلومات ، وجاء في الحديث معلومات لأجل أنه إذا شك في عدد الرضعات فالأصل عدمها إذا شككنا هل رضع خمساً أم أربعاً فهي أربع حتى نعلم أنها خمس طيب إن علمنا أنها ست ؟ من باب أولى .