تتمة شرح قول الله تعالى : (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها - إلى قوله - فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا )) . حفظ
الشيخ : (( إلا اللائي ولدنهم )) ، (( يظاهرون من نسائهم )) أي يقولون لنسائهم : أنت علي كظهر أمي ، هذا من الظهار ، طيب ، ظهر الأم حرام على ابنها ولآ لأ ؟ حرام ، أشد ما يكون من الحرام ، وقوله : (( ثم يعودون لنسائهم )) ، (( ما هن أمهاتهم )) ، نفي لما ادعوه ، إن قال : أنت علي كظهر أمي ، قال الله : (( ما هن أمهاتهم )) ، ثم وبخهم توبيخا من وجه خفي قال : (( إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم )) ، لا يقول قائل : إن هذا تحصيل حاصل ، لأن المعروف أن أمك هي التي ولدتك ، بل نقول : هذا فائدته التوبيخ من طرف خفي لهؤلاء ، كأنه يقول : أيها البلداء أيها العاكسون للحقيقة ليست زوجاتكم أمهاتكم ، ولكن أمهاتكم اللائي ولدنكم ، ثم قال : (( وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا )) وصف الله قولهم بوصفين : منكر، لأنه محرم شرعا ، وكل محرم شرعا فهو منكر ، وزورا ، لأنه كذب ، فكيف يدعي أن أحل امرأة له كأشد امرأة له حرمة ؟ كذا يا جمال ؟ كيف كان منكرا ؟
الطالب : لأنه يدعي ؟
الشيخ : كيف كان منكرا ؟ طيب ، (( وإن الله لعفو غفور )) ، ثم يبين الله تعالى كفارة ذلك ، فقال : (( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا )) ، قوله : (( ثم يعودون لما قالوا )) أي يعودون لنسائهم ، وذلك بأن يعزم على جماعها ، فالعود بمعنى العول ، فيعودون لما قالوا ليس المعنى يعيدون كلمة الظهار ، كما قاله بعضهم ، بل قال : يعودون لما قالوا أي لنسائهم اللاتي قالوا فيهن ما قالوا ، يعودون لهن ، وذلك بالعزم على الوطء ، (( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا )) .
لو قال قائل : العود لما قالوا هو حقيقته الجماع ، قلنا : نعم ، لكن لما قال : (( من قبل أن يتماسا )) ، علم أن المراد به إيش ؟ علم أن المراد به بقوله : (( ثم يعودون لما قالوا )) ؟
الطالب : ... يعودن قبل .... زوجاتهم .... يجامعها ؟
الشيخ : يعني علم أن المراد به العزم على الجماع ، لأنه لما قال (( من قبل أن يتماسا )) ، لا يمكن أن يكون المراد به الجماع وهو يقول : (( من قبل أن يتماسا )) ، (( ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير، فمن لم يجد )) ، يعني لم يجد رقبة أو لم يجد ثمنها ، ولهذا حذف المفعول به ، لم يقل : يجد رقبة ، قال : (( لم يجد )) ، ليشمل فقدان الرقبة أو فقدان ثمنها أو فقدانهما جميعا ، طيب (( فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا )) ، شهرين متتابعين يعني لا يفطر بينهما يوما واحدا ، إلا إذا كان لعذر على القول الراجح ، فإن العذر لا يقطع التتابع كالمرض والسفر ، ولكن لو سافر لأجل أن يفطر لم يحل له الفطر ، فإن أفطر لزمه الإعادة من جديد ، لزمه الإعادة من جديد ، (( فمن لم يستطع )) أي لم يستطع الصوم لمرض أو ضعف أو غير ذلك من موانع القدرة ، (( فإطعام ستين مسكينا )) ، يعني فعليه إطعام ستين مسكينا ، إن شاء صنع لهم غداء أو عشاء فأطعمهم ، وإن شاء أعطاهم طعاما يطبخونه هم ، وهنا لم يقل : من قبل أن يتماسا في الإطعام ، فاختلف العلماء في هذه المسألة ، هل يلزمه أن يطعم قبل أن يجامع أو يجوز أن يجامع قبل أن يطعم ؟ منهم من قال بالجواز ، يعني يجوز أن يجامع قبل أن يطعم ، ومنهم من قال بالمنع ، الذين قالوا بالجواز أخذوا إيش ؟ بظاهر الآية ، لأن الله لم يقيد ، والذين أخذوا بالمنع قاسوه على الأول ، قالوا : إن تحصيل الرقبة أشق وأكثر وقتا من إطعام ستين مسكينا ، وصيام شهرين متتابعين كذلك أشد وأشق من إطعام ستين مسكينا ، فإذا منعه الشرع في المسألتين الأوليين ، فمنعه في الثالثة من باب أولى ، وهذا القياس لا شك أنه قياس جيد ، لكن يشكل عليه أن الله تعالى قيد في المسألتين الأوليين قيد (( من قبل أن يتماسا )) ، لو قيد في الأول وجعل المرتبة الثانية والثالثة بالقياس ما صار إشكال ، لكن كونه قيد في الأولى وفي الثانية ، وسكت عن الثالثة ، يدل على أنه لا يشترط أن يكفر قبل الجماع ، لكن ندفع هذا الإيراد فنقول : إنما قيد الله تعالى في الثانية ، صيام شهرين متتابعين ، لئلا يتوهم واهم أنه لطول المدة يجوز أن يجامع قبل التكليف ، لأنه لو قيد في الأولى فقد وقلنا في الثانية والثالثة بالقياس لأشكل علينا حيث يمكن أن نمنع القياس لا سيما في المرتبة الثانية ، كيف نمنعه ؟ نقول : طول المدة ، فهب أن الله تعالى اشترط للعتق أن يكون قبل التماس ، فإنه لا يلحق به الصيام لأن الصيام يطول ، فلما كان القياس في المرتبة الثانية لا يتأتى على المرتبة الأولى قيده الله بقوله : (( من قبل أن يتماسا )) ، لئلا يتوهم واهم أن هذا الشرط ليس مقصودا في الصيام ، وأما في الإطعام فلم يذكره الله عز وجل ، لأن كل عاقل يعرف أنه إذا اشترط إخراج الكفار قبل الجماع في المرتبتين الأوليين فاشتراطه في المرتبة الثالثة من باب أولى ، إذا المراتب كم؟ ثلاثة ، مرتبتان قيد فيهما الحكم بكونه قبل أن يتماسا ، والثالثة سكت عنه ، فكان في هذا خلاف بين العلماء منهم من قال يجوز التماس في المرتبة الثالثة ، وهي الإطعام ، قبل الكفارة ، ومنهم من يقول إيش؟ لا يجوز ، الذين قالوا بالجواز .
السائل : ... دريع الذين قالوا بالجواز ... ؟
الشيخ : طيب قلنا هذا القياس جيد ، لكن يورد عليه ، شو يورد يا بندر ؟
السائل : ... ؟
الشيخ : في المرتبتين الأوليين العتق والصيام .
السائل : ... فيقاس عليه الكفارة ؟
الشيخ : لا ، نحن نبغي نمنع القياس . نعم خليل أي .
خليل : أوردوا عليه أن الله سبحانه وتعالى قيد في الأول وقيد في الثانية ، ثم أتى بالثالثة ولم يقيد ، فدل على أنه يعني ، كأنه القصد بأنه لو كان بقصد القياس ، لقيد في الأولى ، وقسنا على الثانية ثم الثالثة ؟
الشيخ : أي طيب ، وإذا قال أنهم قاسوا في الأولى والثانية ؟ قيد في الأولى والثانية ؟
السائل : ... ؟
الشيخ : إذا قالوا أنه قيد في الأولى والثانية وسكت عن الثالثة ؟
السائل : أي ، دل على أنه ما هو شرط عدم ...
الشيخ : يعني معناه يجوز أن يجامع قبل أن يكفر .
السائل : أي ، لأنه ما شترط ؟
الشيخ : طيب ، صحيح ، لأنه لم يشترط ، لكن نحن أجبنا عن هذا أيضا .
السائل : أجبنا أنه ربما لأن الله سبحانه قيد في الأولى والثانية لاحتمال يعني يدفع توهم من يتوهم أن بطول المدة ربما يجوز التماس قبل أداء الكفارة .
الشيخ : أحسنت ، تمام ، نقول : قيد في الثانية ليس لإخراج الثالثة ، لكن لدفع إيش؟ توهم ، أن يتوهم واهم بأنه لما طالت مدة الكفارة بالصيام يجوز الجماع قبل الكفارة .
السائل : ... الراجح ؟
الشيخ : الذي يظهر لي أن الاحتياط أولى ، أن الاحتياط أولى ، أن لا يكفر حتى يطعم ، طيب ، (( إطعام ستين مسكينا )) لابد من هذا العدد ؟ نعم ، لا بد من هذا العدد ، فلو أطعم طعام ستين مسكينا لمسكين واحد ، بأن صار يكرره عليه ستين يوما ، على مسكين واحد ، فإن ذلك لا يجزئ ، لأن الله تعالى قال : (( فإطعام )) وإطعام مصدر أطعم يطعم ، وهنا أضاف إلى الستين ، فدل على أنه لا بد أن يطعم هؤلاء فعلا .