باب : قصة فاطمة بنت قيس . وقول الله : (( واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)) (( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن - إلى قوله - بعد عسر يسرا )) . حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . قال البخاري رحمه الله تعالى :
باب : قصة فاطمة بنت قيس .
وقوله عز وجل : (( واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)) ، (( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن )) ، إلى قوله : (( بعد عسر يسرا )) .
الشيخ : هذه الآيات الكريمة يقول الله عز وجل : (( واتقوا الله ربكم )) وهي أحكام تتعلق بالزوجين ، ويدل على عناية الله بها أن الله صدرها بالخطاب لنبيه صلّى الله عليه وسلم : (( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء )) ولم يقل يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم النساء، مما يدل على كمال العناية بها والاهتمام بها ، (( فطلقوهن لعدتهم وأحصوا العدة )) لعدتهن : اللام هنا للتوقيت أي في الوقت الذي تستقبل به العدة ، أو تستقبل فيه العدة ، وهو أن تكون حاملا أو طاهرا من غير جماع ، هذا الوقت الذي تستقبل فيه العدة ، أن تكون حاملا إيش بعد ؟ أو طاهرا من غير جماع ، (( فطلقوهن لعدتهن )) ، لأنها إذا طلقت في هذه الحال شرعت فورا في العدة ، إذا طلقت وهي حامل شرعت فورا في العدة ، إذا طلقت وهي طاهر من غير جماع شرعت فورا في عدة معلومة وهي ثلاث حيض ، لكن إذا طلقت حائضا لم تشرع في العدة ، لأن الحيضة التي طلقت فيها لا تحتسب من العدة ، وكذلك إذا طلقت وهي طاهر من جماع ، فإنها لا تستقبل عدة متيقنة ، كيف ؟ إذا يحتمل أنه نشأ فيها حمل ، فتكون عدتها لوضع الحمل ، أو لم ينشأ فتكون عدتها في الحيض أو بالحيض ، فكانت العدة غير معلومة ، فلا بد أن تكون عدة متيقنة معلومة ، ولا يكون ذلك إلا في حال الحمل ، أو الطهر من غير جماع ، قال : (( واتقوا الله ربكم )) هذا أمر بالتقوى لأهمية الموضوع ، ثم قال : (( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن )) ، الخطاب هنا للزوج والزوجة ، أو للأزواج والزوجات ، لا تخرجوهن أنتم ، ولا يخرجن هن ، ولو أذنتم فيه ، في البقاء في البيوت لا يخرجن ، يعني ولو أردتم اخراجهن فلا يخرجن ، لا تخرجوهن إن أردن البقاء ، ولا يخرجن كذلك إن أردتم أنتم البقاء فلا يخرجن ، الإخراج إن أردتم الإخراج فلا يخرجن ، فالنهي إذن للأزواج والزوجات ، (( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )) ، والفاحشة المبينة مختلف فيها ، وقد قيل أنها بذاءة اللسان ، وأذية الجيران ، فإذا صارت بذيئة اللسان سليطة على أهل زوجها ولا سيما أنه طلقها ، فلا حرج أن يخرجها ، وكذلك إذا كان منها أذية للجيران فلا بأس أن يخرجها ، قال : (( وتلك حدود الله )) المشار إليه ما سبق ، وهي وجوب طلاق النساء للعدة، وجوب تقوى الله ، تحريم إخراجهن أو خروجهن .
السائل : ... إحصاء العدة ؟
الشيخ : نعم ، واحصاء العدة ، احصاء العدة يعني ضبطها ، يعني ضبطها بحيث لا يحصل فيها خلل ، وإن لزم ذلك إلى الكتابة وجبت الكتابة ، (( وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه )) لأن نفسك أمانة عندك ، فإذا أركبتها محارم الله فأنت ظالم لها خائن لأمانتها ، (( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )) ، لا تقول : أنا حر أرتكب المعاصي ، أرتكب الفسوق ، لأني أنا حر في نفسي ، نقول : لست حرا في نفسك ، إذا تعديت حدود الله فأنت ظالم نفسك ، (( ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا )) ، هذه الجملة كالتعليل لقوله : (( لا تخرجوهن )) ، (( ولا يخرجن )) ، يعني لا تدري إذا طلقت لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فترغب في الرجعة ، ترغب في الرجعة ، وإذا رغبت في الرجعة صار هذا الطلاق كأن لم يكن ، لأن الناس لم يعلموا به ، ثم أنها أيضا إذا بقيت في البيت صارت رجعتها أهون ، مما إذا ذهبت إلى أهلها ، لأنها إذا ذهبت إلى أهلها وظهر الفراق بينها وبين زوجها فإنه قد يكون في نفوس أهلها ما يحاولون به أن يمنعوا من رجوعها إلى زوجها ، ويقولون : هذا رجل ما بغانا ، نحن ما نبغيه ، لكن إذا بقيت في البيت صارت رجعتها أسهل ، ثم قال : (( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم )) ، (( أسكنوهن )) الضمير يعود على المطلقات ، (( من حيث سكنتم )) أي في المكان الذي سكنتم فيه ، (( من وجدكم )) يعني حسب غناكم ، فالغني يطالب بسكنى غني ، والفقير لا يكلف إلا ما اتاه الله ، (( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن )) ، ربما يضارها فيضيق عليها ، يضارها مثلا لا يأتي بالطعام والشراب في وقته فيجيعها ، لا يأتي بالطعام والشراب الملائم لها فيضيق عليها ، وحينئذ تضطر إلى إيش ؟ إلى الخروج ، ولهذا قال : (( لا تضاروهن لتضيقوا عليهن )) ، (( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن )) إن كن أي المطلقات (( أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن )) فخص الله ذوات الحمل بأن على المطلق النفقة إلى أن تضع الحمل، السكنى واجبة لكل مطلقة ، السكنة واجبة لكل مطلقة لما سبق ، الإنفاق واجب لمن ؟ للحامل فقط ، وظاهر الآية الكريمة أن الإنفاق لا يجب لغير الحامل ، لأن الله قال : (( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن ))، لكن أهل العلم خصَّوا ذلك أو خصُّوا ذلك بالبوائن ، (( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن ))، وقالوا : ان غير البوائن وهن الرجعيات يلزم الإنفاق عليهن مطلقا، أي سواء كن أولات حمل أم لم يكن ، ثم قال : وقوله : (( حتى يضعن حملهن )) يدل على أنه لا يد أن ينفق إلى أن تضع جميع الحمل ، لأن حمل مفرد مضاف فيعم جميع الحمل، فلو كان في بطنها حملان ووضعت الأول ولم تضع الثاني، فينفق حتى تضع الثاني، وتبقى في العدة أيضا حتى تضع الثاني ، ولو بقي الحمل في بطنها سنتين أو ثلاثا أو أربعا فلينفق ، لقوله : (( حتى يضعن )) ، حتى للغاية ، (( فإن أرضعن لكم )) أي المطلقات البوائن (( فآتوهن أجورهن )) ، لأنها ليست زوجة ، فيكون حكمها حكم المرأة الاجنبية إذا أرضعت ولدك فلا بد لها من أجره ، (( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ))، وقوله : (( إن أرضعن لكم )) ، يدل على ان نفقة الإرضاع واجبة على الزوج ، ولهذا لم يقل : فإن أرضعن أولادهن ، (( أرضعن لكم ))، لأن المسؤول هو الزوج الذي هو أبو الطفل ، وقوله : (( إن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن )) يدل على أنها لو اختارت أن ترضعه ووجد من يرضعه غيرها مجانا فيعطى الأم ، يعطى الأم ، لأنها أحق به ، ولأن لبنها أنفع ولأنها أشد شفقة وحنوا على الولد ، ولأن المرضعة قد يكون في أخلاقها ما فيها فتؤثر عليه ، ولهذا نهي أن يسترضع الإنسان لولده امرأة حمقاء ، لأنها قد تؤثر في طباع الولد . (( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف )) الله أكبر ، عناية الله عز وجل بهذه الأمور شيء عظيم ، يعني معناه لا بد من التشاور ، التشاور في الإرضاع ، في كيفيته ، في زمنه ، في عدده في اليوم والليلة ، في كل ما يتعلق بذلك ، لا بد من الائتمار ، ما يجعل الأمر إلى المرأة ، ولا إلى الأب ، لماذا ؟ لأن بعض النساء قد يكون عندها جبروت وغلظة ما تبالي أجاع الولد أم شبع ، وبعض الآباء كذلك يكون عنده جبروت ولا يهتم بابنه أجاع أم شبع ، فإذا حصل الائتمار والتشاور حصل الخير ، (( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى )) ، سبحان الله ، (( إن تعاسرتم فسترضع له أخرى )) ، لم يقل : فاسترضعوا له أخرى ، بل قال : (( سترضع )) وهذا وعد من الله ، يعني لا تظنوا أنكم إذا تعاسرتم في رضاع الولد فابتغى الوالد أن يكون ذو أجرة قليلة ، وابتغت الأم أن يكون بأجرة كثيرة ، لا تظنوا أن هذا الطفل سيضيع ، سييسر الله له من يرضعه ، (( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى )) ، ثم قال : (( لينفق ذو سعة من سعته )) هذا تفصيل لقوله : (( فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن )) ، كيف الإنفاق ؟ فصله ، قال : (( لينفق ذو سعة من سعته )) ، (( ذو )) بمعنى صاحب ، (( سعة )) يعني غنى ، (( من سعته )) أي من غناه بقدره ، (( ومن قدر عليه رزقه )) فضيق حتى صار بقدر قليل ، (( فلينفق مما آتاه الله )) مما أعطاه ، وإذا كان ما عنده قليلا فسيكون الانفاق قليلا ، ثم علل فقال : (( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )) الحمد لله ، (( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )) ، أي ما أعطاها ، سواء من التكليفات المالية ، فالمعدم لا زكاة عليه ، والمعدم لا حج عليه ، والمعدم لا إنفاق عليه ، لأن الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها ، سيقول : من أين آخذ ؟ أنحت من الجبل ؟ أنحت من الجدار ؟ لا ، (( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )) ، وهذا من تيسير الله عز وجل ، أن الله سبحانه وتعالى إذا ابتلاه قدرا خفف عنه شرعا ، أليس كذلك ؟ فإذا قلل ما عنده قدرا ، خفف عنه شرعا التكاليف الشرعية ، ثم هل هذا التضييق سيبقى؟ لأ ، (( سيجعل الله بعد عسر يسرا )) ، انتظر الفرج فقط ، انتظر الفرج واصدق مع الله ، فسيجعل الله بعد العسر يسرا ، ولن يغلب عسر يسرين ، (( إن مع العسر يسرا ، فإن مع العسر يسرا )) ، أو بالعكس : (( فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا )) ، ولن يغلب عسر يسرين ، (( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم )) ، زيادة أيضا ، فهذه الآية (( إن يعلم الله في قلوبكم خيرا )) تقيد عموم قوله : (( سيجعل الله بعد عسر يسرا )) ، وعموم قوله : (( فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا )) ، يعني هذا الوعد إنما يكون لمن انتظر الفرج من الله ، ووثق بوعد الله، أما رجل أعسر الله عليه فيئس من رحمة الله ، واستبعد الفرج والعياذ بالله ، فهذا لا ييسر له الأمر ، ولهذا قال : (( سيجعل الله بعد عسر يسرا )) ، هذا كلام موجز على هذه الآيات الكريمة ، وإلا ففيها من الفوائد شيء عظيم جدا .