قال حميد فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرةً فترمي ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره سئل مالك ما تفتض به قال تمسح به جلدها حفظ
القارئ : قال حميد : ( فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول ؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيباً حتى تمر بها سنة ، ثم تؤتى بدابة حمار ، أو شاة ، أو طائر ، فتفتض به ، فقلما تفتض بشيء إلا مات ، ثم تخرج فتعطى بعرةً ، فترمي ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره ).
سئل مالك رحمه الله : ما تفتض به ؟
قال : تمسح به جلدها .
الشيخ : هذا فيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تحد ثلاثة أيام إذا مات لها قريب ، أب أو أخ ، أو ما أشبه ذلك ، ولكن الحديث يقول : ( تؤمن بالله واليوم الآخر ) فهل هذا يدل على أن الكافرة يحل لها أن تحد أكثر ؟ الجواب : لا ، لأن هذا الوصف إنما ذكر للإغراء والحث ، ( تؤمن بالله واليوم الآخر ) ، يعني إن كانت تؤمن حقيقة فلا تفعل هذا ، وهو يدل على تحريم الإحداد فوق ثلاثة ، بل على انه من كبائر الذنوب ، لأنه نفي الإيمان عمن فعل، وهل مثلها الرجل يحد على ميت دون ثلاث ؟
قال العلماء : نعم ، للإنسان أن يحد ثلاثا فأقل على الميت ، لأنه إذا رخص للمرأة رخص للرجل ، وهذا من حكمة الشرع أن يعطي النفس بعض الحظ في الأمر الذي لا يؤثر عليها ، لأن الإنسان مع الحزن يلحقه الغم والهم ، وربما ما يحب أن يجلس إلى الناس ، ولا يحب أن يترفه بما كان يترفه به في الدنيا ، من الدنيا، فرخص له الشارع أن يبقى ثلاثة أيام فأقل ، لكن ما زاد على ذلك فهو حرام ، ومن ذلك أيضا ما يفعله بعض السفهاء كلما دار الحول أقاموا مأتما ، أي مأتما ، لذكر الحزن ، أو بعد أربعين يوم ، أو ما أشبه ذلك، فكل هذا من السفاهة في العقل ، ومن الضلال في الدين ، لأن هذا لا ينفع الميت ، ولا ينفع الحي ، إنما إن كان صادقا في حزنه عليه ، فإذا هذا يجدد إيش ؟ يجدد الأحزان ، ولهذا يأتي الشيطان أحيانا ، إذا مات الميت للإنسان وهو يحبه ، يأتيه دائما في المنام ، يأتيه دائما في المنام بصورة الميت ، من أجل أن يجدد أحزانه ، ويربك فكره ، حتى أنه أحيانا يسأل يقول : أنا شوفت أبوي شوفت عمي ، شوفت أخوي ، عدة مرات في الشهر ، في الأسبوع ، ويش أسوي ؟ أتصدق له ، أصلي له ، ويش أعمل ؟ نقول : لا تعمل شيء ، هذا إما ان يكون لكثرة هواجيسك به ، وإما أنه من الشيطان ليجدد أحزانك ، طيب في الحديث هذا بيان فضل الإسلام ، ولله الحمد ، على الجاهلية .
الإسلام تعتد المرأة أربعة أشهر وعشرا ، ولا تمنع من الطيب ومن الاغتسال ومن مجالسة الناس ، تجالس الناس ، وتتطيب بقسط أو أظفار إذا طهرت من الحيض ، من أجل إزالة الرائحة الكريهة التي تعقب الحيض ، وتلبس ما شاءت من الثياب غير أنها لا تتجمل بزينة ، هذا لا شك انه فرق بين الإسلام والجاهلية ، في الجاهلية إذا مات الميت ، الزوج يعني ، دخلت في حفش ، خباء صغير أظلم كريه ، ثم تبقى هناك لا تمس الماء ولا تجلس إلى أحد وعلى عفنها ونتنها وحيضها وبلائها ، تبقى لمدة سنة كاملة ، ما تلمس الماء ، وإذا انتهت السنة جيء إليها بالحمار أو دابة أو طائر ، يقول : تمسحي به ، يقول : قلما ... بشيء إلا مات ، من أين ؟ من الرائحة الكريهة ، والحمار إذا مات فهذا معناه أنها امرأة جيدة ، معناها صارت رائحتها أعظم وأكره ، وصبرت على هذه الرائحة الكريهة ، التي مات من أجلها الحمار ، ثم إذا خرجت أخذت بعرة ورمت بها ، بعرة بعير ورمت بها ، لماذا ؟ يعني أن كل هذه المدة التي مضت عنها ، عليها ، ما تساوي عندها الرمي بهذه البعرة ، انظر الجاهلية ! جهل وسفه عظيم ، وهذا يدل ولله الحمد على كمال الإسلام ، جاء الإسلام بهذه التربية العظيمة ، تبقى أربعة أشهر وعشرة أيام حفاظا على حق زوجها ، ولماذا خصت بأربعة أشهر وعشرا ؟ قال بعض العلماء : احتياطا للحمل ، لأن الحمل قد لا يبين إلا إذا مضى عليه أربعة أشهر وعشرا ، ونفخت فيه الروح ، وهذا فيه نظر ، لأنه يرد عليها غير المدخول بها ، ويرد عليها الكبيرة التي أيست ، ويرد عليه من حاضت قبل موت زوجها بأيام ، ثم مات قبل أن يمسها ، وما أشبه ذلك ، لكن عندي ، والله أعلم ، أن هذا من باب اعتبار الثلث ، الثلث ، لأن أربعة أشهر ثلث الحول ، وعشرة أيام ثلت الشهر ، فأخذ من الحول ثلثه ومن الشهر ثلثه ، وصارت أربعة أشهر وعشرة أيام ، ولهذا لا نعتبر هذه الأشهر بالحيض ولا غيره ، ربما يمضي عليها أربعة أشهر ما حاضت إلا مرة ، وبما تحيض في الأربعة أشهر وعشرة أيام أربع مرات أو خمس مرات ، الخلاصة الآن : لا شيء أعم من عدة المتوفى عنها زوجها ، تعتد للوفاة، سواء كانت صغيرة أم كبيرة ، دخل بها أم لم يدخل ، ويجب عليها الاحداد مدة العدة ، ولكنها إن كانت حاملا فإلى وضع الحمل ، وإن كانت حائلا فأربعة أشهر وعشرة أيام ، طيب لو لم تحيض إلا مرة في الأربعة أشهر وعشرة أيام ؟ لا شيء عليها ، تنتهي العدة، لو لم تحيض أبدا ، مثل أن تكون ترضع ، إيش ؟ تنتهي العدة ، أي نعم ، لا علاقة للحيض في عدة المتوفى عنها زوجها .
السائل : الحادة ثلاثة أيام إذا دعاها زوجها يجوز أن تمتنع ؟
الشيخ : لا ، ما تسقط حقا لغيرها ، لكن زوجها ينبغي له أن يراعي شعورها .