شرح حديث : ( لن يدخل أحداً عمله الجنة ) حفظ
الشيخ : وأما الحديث الثالث ، الحديث الثالث فما أخطره وما أعظمه ، وهو : أنه لا يدخل الجنة أحد بعمله حتى النبي عليه الصلاة والسلام لا يدخل الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله بفضل منه ورحمة ، نسأل الله أن يتغمدنا جميعا بفضله ورحمته ، يعني عملك لن تبلغ به الجنة إلا أن يتغمدك الله بالرحمة والفضل .
وهذا لا يعارض قوله تعالى أو مثل قوله تعالى : (( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) لأن الباء في الآية للسببية ، لأن عملنا هو السبب الذي جعله الله تعالى لنا ، الله عز وجل شرع لنا شرائع وقال هذه الطريق توصلكم إلى الجنة ، إذا أذا أخذنا بها فقد أخذنا بالسبب .
أما أن يكون العمل مقابل لهذا الثواب فلا ، لا يمكن هذا ، لأن الله لو أراد أن يناقشك الحساب هلكت ، لو أراد أن يناقشك الحساب هلكت ، كيف ؟ .
نعمة واحدة من نعم الله تحيط بكل عملك ، بل إن عملك الصالح نعمة يحتاج إلى شكر ، كما قيل :
" إذا كان شكري نعمة الله نعمة *** علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله *** وإن طالت الأيام واتصل العمر "
.
ثم نقول : كيف يكون معاوضة هذا العمل الذي يبلغ إذا بلغ أكثر ما يبلغ من هذه الأمة مثلا قل في المتوسط ما بين الستين إلى السبعين سنة ، والثواب كم مدته ؟ .
أبد الآبدين ، كيف يكون هذا العمل القليل الذي ليس بشيء بالنسبة للجنة يكون هذا الثواب مقابل هذا العمل ، هذا لا يمكن ، لأن العادة أن الأجر بمقدار العمل لو كان من باب التعاوض ، وليس هذا من باب التعاوض بل من باب السبب الموصل إلى المسبب .
ولهذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في المسند عن المستورد بن شداد قال : ( لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ) موضع السوط يا جماعة كم يبلغ من متر ؟ .
متر خير من الدنيا وما فيها ، ماهي الدنيا ؟.
دارك ، بلدك ، حكومتك ، مملكتك يعني ، كل الدنيا ، طيب دنياك التي في عصرك ؟ .
لا ، الدنيا من آدم إلى قيام الساعة موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، إذا كيف يكون الثواب عوضا عن العمل ، لا ، إلا أن يتغمد الله الإنسان بالفضل والرحمة ، ولكن العمل سبب ، والسبب قد يكون بالنسبة للمسبب ضئيلا جدا ليس بشيء .
وقوله عليه الصلاة والسلام لما قالوا : ولا أنت ؟ . قال : ( ولا أنا ) في هذا دليل على أن ما أصابه الأنبياء من الفضل فهو من الله عز وجل .
ثم قال : ( فسددوا وقاربوا ) اللهم صل وسلم على رسول الله ، يعني لا تكلفوا أنفسكم في العمل أنتم لم تحصلوا الجنة بالعمل ، سددوا والتسديد معناه الأخذ بالسداد ، السداد الموافق الذي ليس فيه تجاوز للحد والغلو .
( وقاربوا ) يعني إن لم تسددوا فقاربوا السداد ، إن لم تسددوا فقاربوا السداد ، وأما أن تشددوا على أنفسكم فلا .
ولهذا لو قال قائل : أنا والله بالليل إذا أردت أن أقوم الليل وقمت ما شاء الله جاني النوم وأني بدأت أحط حبل ، إذا قمت تمسكت به حتى لا أسقط إذا نعست وأنا واقف ، ويش نقول لهذا ؟ .
نقول أخطأت هذا تشدد لا تفعل هذا ، إذا أتاك النوم فنام كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
كذلك ما مر علينا من قبل ، رجل عنده ماء ساخن دافئ ورجل آخر عنده ماء بارد ، وقال أيهما اشق ؟ الأشق أن أتوضأ بالماء البارد ، إذا توضأ بالماء البارد علشان تنال الأجر ، أكثر أجر ، هذا خطأ مو صحيح وليس هذا مراد الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله : ( إسباغ الوضوء على المكاره ) .
إنسان آخر عنده ماء ساخن ملائم للطبيعة وعنده ماء حار من يوم يلمسه يؤخر يده ، قال أصبر على هذا الحار علشان أوجر صح ولا ؟ .
خطأ ، طيب إنسان ثالث عنده طريق نظيف ما فيه حصى ولا أحجار ولا شوك ، وطريق آخر فيه حصى وفيه زجاج قطع زجاج وفيه شوك ، قال أمشي مع الطريق الثاني اللي فيه الشوك حافيا لأنه : ( لا يصيب الإنسان من أذى ولا هم ولا غم ولا نصب حتى الشوكة إلا أثيب عليها ) أمشي مع الطريق هذا عشان أبطن الشوك وتقطع رجلي الزجاجات ، والحصى يكسر رؤوس أصابعي ، أوجر لي ؟.
نقول هذا غلط يا أخي لا تشد على نفسك ، اسلك الطريق السهل ، وكلمة في الحقيقة خليها هي الأصل عندك (( يريد الله بكم اليسر )) ما دام أعرف أن هذا مراد الله بي أسلكه ، كل شيء ييسر علي العبادة فهو أحسن .
إنسان صائم وأصابه التعب والعطس والهزال ، قال والله يا أخي لو أروح أسبح بالماء البارد أنشط ، قال الثاني لا يا أخي اصبر احتسب الأجر ، أيهما أصوب ؟ .
الأول أصوب خفف على نفسك ، أيهما أيسر لك التخفيف ، نعم لو فرضنا إني لم أجد ماء فحينئذ أوجر على هذا وأصبر وأحتسب .
المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا أن نسدد ونقارب .
ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( ولا يتمنين أحدكم الموت ) وبين السبب ، تمني الموت سفه ، واستعجال الموت أسفه ، والقضاء على النفس بالموت أشد نعم ، فيه ناس الآن إذا جاءتهم الضيقة على الأصح قتلوا أنفسهم ، وهؤلاء كالمستجير من الرمضاء بالنار ، هل إذا قتل نفسه يستريح ؟ . أبدا ، يعذب أشد من العذاب الذي تخلى منه ، لأن أي إنسان يقتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في جهنم ، إن كان سما فهو يتحساه في النار ، إن كان حديدة طعن بها نفسه فهو يجأ نفسه بها في النار ، إن كان ترديا من جبل أو سقوطا من حائط كذلك يمثل له في النار جبل يتردى به أو حائط يسقط منه ، يعذب بما قتل به نفسه ، هل انتفع بهذا ؟ . أبدا ما انتفع بهذا ، إذا لا تتمن الموت ولا تستعجله ولا تقض على نفسك به .
اصبر إن كنت محسنا فربما يقول : ( فلعله أن يزداد خيرا ) ولم يجزم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ، قال : لعله ، لأنه قد لا يزداد ، قد يتدهور والعياذ بالله .
( وإن كان مسيئا فلعله أن يستعتب ) يعني يتوب إلى الله عز وجل ، وهذا هو الواقع ، وكم من إنسان استعتب بعد أن ظن الناس أنه هلك .
الأصيرم من بني عبد الأشهل من الأنصار كان معروفا بمعاداة الدعوة الإسلامية ، ولما سمع الهيعة في غزوة بدر خرج ، أسلم ألقى الله في قلبه الإسلام وخرج ، قتل فوجده أصحابه لما صار الناس يتفقدون قتلاهم في أحد ، وجده قومه قالوا : ما الذي جاء بك أيها الأصيرم ؟. نحن نعرفك أنك ضد هذه الدعوة ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأبلغوا مني السلام على رسول الله ، وأظن أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه من أهل الجنة ، وهو ما سجد لله سجدة ، شوف الآن صار بقاءه خيرا استعتب .
وهذا أيضا عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعتبة بن أبي جهل وغيرهم ممن نابذ الدعوة وبقوا استعتبوا ، فأنت لا تتمن الموت ، إن كنت محسنا فعلك أن تزداد خيرا ، وإن كنت مسيئا فلعلك أن تستعب ، وخير الناس من طال عمره وحسن عمله ، جعلنا الله وإياكم منهم.