شرح الشيخ لمعنى الترجمة : ( باب : قول الله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ... ) حفظ
الشيخ : المؤلف رحمه الله ترجم بآيات، باب قول الله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا )) يعني حتى تزول عنكم الوحشة بالأنس، وذلك بالاستئذان لأنه إذا استأذن الإنسان وأذن له بالدخول زالت الوحشة التي تكون عند دخول بيت ليس له.
ولكن القراءة التي ساقها المؤلف أعم من القراءة التي فيها : حتى تستأذنوا، وذلك لأن الاستئناس قد يكون بالإذن وقد يكون بغير الإذن، قد يكون الاستئناس بخبر مسبَّق بين الداخل وصاحب البيت، مثل أن يقول له ائتني بالسّاعة الفلانية تجد الباب مفتوحا، فهنا إذا أتاه يدخل أو يستأذن ؟ يدخل وإن لم يستأذن، لأنه مستأنس، فالتلاوة : (( حتى تستأنسوا )) أعم.
وقوله : (( وتسلموا على أهلها )) يعني قبل الدخول، لأنه قال : لا تدخلوا حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها، فتقول مثلا تقرع الباب وتقول السلام عليكم، ويمكن أن نقول لا بأس أن تدخل وتسلم قبل أن تصل إلى المجلس مجلس المقر.
وقوله : (( ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون )) ذلكم أي عدم الدخول إلا باستئناس وتسليم خير لنا، من أي ناحية ؟ مطلق، ما قال في الدين ولا في الدنيا فيكون عاما، فهو خير في الدين لئلا تطّلع على عورات الناس، وخير في الدنيا لئلا تتهم فيما لو دخلت بدون استئذان، تتهم في عرضك، وتتهم في أمانتك، ربما تتهم في عرضك ويقال هذا دخل يا مهند هذا دخل بغير استئذان يريد غرة أهل البيت حتى يفجر بهم، أو يريد غرتهم حتى يسرق مالهم، فهو خير لنا في الدين وفي الدنيا.
وقوله : (( لعلكم تذكرون )) هذا تعليل للأمر ... باب قول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون )) انتهينا إلى هنا.
قال : (( فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم )) إن لم تجدوا في البيوت أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، من الذي يأذن لهم إذا لم يكن فيها أحد ؟ يعني يؤذن لكم من قبل بحيث يقول لك فلان اذهب إلى بيتي وائتني بكذا، فهنا قد أذن له.
(( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا )) يعني لو استأذنت على شخص في وقت غير مناسب فقال لك ارجع فارجع، لكن ما أكبر هذه الكلمة عند بعض الناس، أن تقول له ارجع، يظن أن في ذلك إهانة له وغضاضة عليه، ولكن استمع : (( هو أزكى لكم )) الله أكبر، شف جبر هذا، لما كان الإنسان قد يتوهم النقص على نفسه في قول صاحب البيت ارجع جبر الله هذا الوهم فقال : (( هو أزكى لكم ))، نعم (( فارجعوا هو أزكى لكم ))، هل أحد من الناس لا يريد الأزكى ؟ (( قد أفلح من زكاها )) كل واحد من الناس يحب أن يكون زكيا، فإذا قال لك صاحب البيت ارجع والله أنا مشغول، طبعا نفسك تنكسر وتظن أن الرجل أهانك، فإذا تذكرت الآية، (( هو أزكى لكم )) برد عليك ما احتمى في نفسك، وقلت الحمد لله ما دام هذا أزكى لي فأنا لا أريد إلا الزكاة.
(( هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم )) كل ما نعمل من أعمال القلوب وأعمال اللسان وأعمال الجوارح الظاهرة والخفية، من أين أخذنا هذه العمومات الخمسة ؟ من " ما " الاسم الموصول فإن ما الاسم الموصول يفيد العموم، كل ما نعمل بقلوبنا أو ألستنا أو جوارحنا ظاهرا للناس أو خفيا عنه فالله عليم به.
وهنا إشكال في الآية وهو : أنه من المقرر أن تقديم المعمول يفيد الحصر، والمعمول هنا مقدم، أين هنا ؟ بما تعملون، والعامل مؤخر وهو عليم، لأن الأصل : والله عليم بما تعملون، وإذا كان يفيد الحصر فإنه مشكل، يعني انحصر علم الله بما نعمل فقط.
ولكن مر علينا الجواب على هذا بأن المقصود بهذا الحصر التهديد، تهديد مَنْ ؟ تهديد المخاطب، يعني لو خفيَ على الله وحاشاه أن يخفى عليه شيء من الأشياء لكان علمه بعملك فالحصر هنا فائدته التهديد لا الاقتصار أو القصر، التهديد لا القصر، لأن الإنسان إذا علم هذا الشيء لا شك أنه يخشى الله عزّ وجل.
ثم قال : (( ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم )) لأن هذا الدخول ليش ؟ لحاجة، بيوت غير مسكونة فيها متاع، كالمخازن والمستودعات وما أشبهها، فليس علينا جناح أن ندخل بدون استئذان ولا سلام، لأنها ليست مسكونة ولنا فيها مصلحة، أما إن كانت غير مسكونة وليس لنا فيها مصلحة فلا ندخل حتى يؤذن لنا.
وفي الآية من حماية الأموال ما هو ظاهر معلوم، ألا يتجرأ الإنسان على شيء لغيره حتى البيوت التي ما فيها أحد لا تدخلها حتى يؤذن لك.
قال : ((والله يعلم ما تبدون وما تكتمون )) كل ما نبدي وما نكتم فالله عالم به، وختم هذه الآيات بهذا العلم المحيط فيه الإشارة البالغة إلى أنه يجب على الإنسان أن يخشى الله، وأن لا يقول والله ما حولي أحد أبي أدخل البيت، ما حولي أحد، نقول إذا لم يكن حولك أحد ففوقك الواحد الأحد عزّ وجل، يعلم كل شيء فاحذر.
وأما أثر سعيد بن أبي الحسن في نساء العجم ففيه دليل على أن الإنسان إذا رأى المنكر في أمر لا بد له منه، فإن عليه أن يصلح نفسه، يصرف بصره.
وهذا الأثر ينطبق على حالتنا اليوم، في بعض البلاد تدخل السوق تجد ما تكره.
من نساء العجم، والمراد بالعجم ما سوى العرب، يدخل به مثلا الأمريكان والإنجليز والفرنسيين وغيرهم، في بلاد المسلمين الآن من هؤلاء النساء ما يظهر المنكر العظيم الذي لا يقرّه الإسلام بل ولا العقل، فماذا تصنع ؟ هل تقول أترك حاجتي في السوق، أترك دكاني، أترك شراء متاعي، أترك العبور إلى المساجد لأنّ في الأسواق هذه المناكر؟
الجواب : لا، أنا إذا رأيت هذا الشيء الذي لا أطيقه لا أطيق تغييره عليّ بخاصة نفسي أن أصرف بصري، لا أنظر.
طيب، إذا قال قائل : صرفت بصري عن الذي أمامي لكن الذي عن يميني ؟ نقول اصرف لليسار، قال : اليسار فيه أحد ؟ انظر إلى الأرض، هذا من صرف البصر، ولك الأولى وليست لك الثانية، يعني لو بغتك أحد من النساء في هذه الحال ليس عليك إثم لكن لا تعد النظر.
كذلك أيضا قال الله : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )) قرن حفظ الفرج بغض البصر حكمته واضحة، لأن إطلاق البصر سبب لهتك الفرج، وعدم حفظه، فإن بريد الزنا النظر، بريد موصل إلى الزنا والعياذ بالله.
وسواء كان النظر إلى المرأة مباشرة أو إلى امرأة مصورة، لأن تصوير النساء أيضا فتنة عظيمة، ربما يتأمل الإنسان في هذه المرأة المصورة ويطلب الوصول إليها بأي وسيلة.
وبهذا نعرف خطأ ما يسلكه بعض الناس الذي يخطب امرأة يقول لأهلها أروني الصورة، هذا حرام ما يجوز، لماذا ؟ لأن الصورة تبقى مع الرجل ... ثم إن الصورة لا تعطي الحقيقة، أليس كذلك ؟ كم إنسان نرى صورته نقول ما شاء الله ما أجمله، وإذا قابلته وإذا هو أشوه ممن هو دونه، وكم من إنسان بالعكس تعرف الرجل وتظهر صورته تقول سبحان الله ما هو هذا الرجل، تجدها متشوهة، يمكن المرأة المخطوبة هذه التي تعطى الرجل صورتها تذهب تتمكيج وتكتحل وتتورس وتنفخ أشداقها ثم تصور نفسها، وبعدين يأخذها الرجل يغتر بها.
فالمهم أن النظر للصورة لا يفيد وهو خطر جدا أن تبقى نساء المؤمنين كالسلع كل واحد يعرضها، إي نعم ... يقول : قال قتادة : " عما لا يحل لهم "، يغضوا من أبصارهم عما لا يحل لهم، وأما ما يحل لهم فلا يلزمهم أن يغضوا البصر عنه، كنظر الرجل إلى مخطوبته، ونظر الطبيب إلى المرأة عند الحاجة، وغير ذلك مما ذكره أهل العلم.
كذلك أيضا (( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن )) نقول فيها ما قلنا في الرجال، و " مِن " في الموضعين، من أبصارهم ومن أبصارهن لأيش ؟ للتبعيض، لأنه ليس كل بصر يجب أن يغض ولكن غض الرجل عن المرأة أشد يعني أضيق، يجب أن يغض البصر عن النساء، أما النساء فلا يجب عليهن أن يغضضن أبصارهن عن الرجال، إذا لم يكن ذلك عن تمتع أو تلذذ، فالمرأة لها أن تنظر إلى الرجل بشرط أن لا يكون ذلك لتمتع أو تلذذ، والفرق بين التمتع والتلذذ أن التمتع أن الإنسان يستأنس بما يرى يستأنس كما لو تمتع بالنظر إلى الأشجار وإلى الأنهار وإلى الجبال وما أشبه ذلك.
وأما التلذذ فهو تلذذ الشهوة الذي تتحرك به شهوتها، فلا يجوز للمرأة أن تنظر للرجل لا نظر تمتع ولا نظر تلذذ.
أما فيما عدا ذلك فيجوز، والدليل على هذا أن الله قال : (( من أبصارهن )) ومِن للتبعيض، والبعض مبهم أو مبيّن ؟ كل بعض فهو مبهم، لو قلت : وهبتك بعض هذا البيت، كم ؟ مبهم، ما ندري نصفه، ثلثه، ربعه، عشره.
فمِن أبصارهن مبهم ما ندري ما الذي يجب غضه، ولكن السّنة إيش ؟ السنة بيّنت ذلك.
ولهذا يحتج علينا بعض الناس ويقول : إذا منعتم من رؤية الرجل وجه المرأة، فامنعوا المرأة من رؤية وجه الرجل، لأن صيغة الأمر في الآية واحدة ؟
والحقيقة أن هذا لا شك أنه حجة، يعني له أن يقول هذا، أما أن نفرق بين الصيغتين بلا دليل فهذا تحكم، لكن نقول لدينا أدلة تدل على وجوب ستر وجه المرأة منفصلة عن الآية مبينة للتبعيض المبهم في الآية.
أما الآية الثانية في النساء فلدينا أيضا أدلة تبين المبهم، ففي حديث فاطمة بنت قيس الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ) ومعلوم أنها لا يريد أن تضع ثيابها كلها حتى تبقى عريانة لكن تضعين الثياب التي يجب أن تلبسيها عند الرجال، ولهذا كانت في الأول تريد أن تعتد في بيت أم هانئ فقال : ( تلك امرأة يخشاها أصحابي ) يعني يدخلون عليها كثيرا، ( اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ).
وكان عليه الصلاة والسلام يستر عائشة وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، وهو رجال أو غير رجال ؟ رجال، ولو كان نظر المرأة إلى الرجل محرما ما أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي أعف نساء العالمين أن تنظر إلى هؤلاء.
قال أهل العلم أيضا : ولو كان يحرم عليها النظر إلى الرجل لوجب على الرجل أن يحتجب عنها كما يجب عليها أن تحتجب عن الرجل، فكل واحد منا يخرج إلى السّوق لا بد أن يغطي وجهه بغترة، لأنه يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل، ولا وسيلة لمنع نظرها إلى الرجل إلا بهذا.
على كل حال القول الراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من أن المرأة يجوز لها أن تنظر إلى الرجل لكن بالشرط الذي ذكرت، وهو ألا يكون ذلك مقرونا بتمتع أو تلذذ، فإن كان مقرونا بتمتع أو تلذذ صار حراما.
ولعلكم تذكرون القاعدة التي سبقت لنا، وهي أن كل مباح يمكن أن تجري فيها الأحكام الخمسة، أي أنه يمكن أن يكون واجبا أو حراما أو مسنونا أو مكروها أو الأصل، يمكن أن يكون واجبا أو حراما أو مكروها أو مندوبا، أما هو أصلا مباح، وذلك بحسب بما يكون وسيلة إليه، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
طيب، قال المؤلف رحمه الله : خائنة الأعين النظر إلى ما نهي عنه، فكأنه قال إن خائنة الأعين صفة مضافة إلى الموصوف يعني الأعين الخائنة، والأعين الخائنة هي الناظرة إلى ما يحرم عليها النظر إليه.
وقال بعض أهل العلم : إن معنى خائنة الأعين مسارقة النظر، وهذا أصح، لأن مسارقة النظر هي التي تخفى على الناس، كيف ذلك ؟ لنفرض أن رجلا والعياذ بالله مبتلى ينظر إلى المحرم ولكن الناس ما يدرون يستغفل الناس فإذا غفل نظر، مثلا امرأة بعيدة شوي إلى جانبه وهو يخاطب جلساءه فإذا رأى منهم غفلة التفت بسرعة، هذه خيانة أعين.
أو أحيانا الآن يوجه الأنسان وجهه لشخص وهو ينظر إلى شخص آخر، هذا كثيرا ما يقع، هذا من خيانة الأعين، هذا المعنى أصح أن الله سبحانه وتعالى هددنا بأن لا نخون ولا بالنظر والبصر، لأن الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وإن خفيت على الجلساء والحاضرين فإن الله يعلمها، نسأل الله أن يحمينا وإياكم.