قراءة من شرح صحيح البخاري لابن حجر . حفظ
القارئ : " قوله : باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا، ومن لم يرد سلامه حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصي.
أما الحكم الأول فأشار إلى الخلاف فيه، وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يسلم على الفاسق ولا المبتدع.
قال النووي : فإن اضطر إلى السلام بأن خاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلّم، وكذا قال بن العربي وزاد : وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فكأنه قال الله رقيب عليكم "
.
الشيخ : هذا ليس بشرط، بل نقول السلام عليكم وتنوي أن الله يسلمهم من الذنوب التي هم عليها.
القارئ : " وقال المهلب : ترك السلام على أهل المعاصي سنة ماضية، وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع، وخالف في ذلك جماعة كما تقدم في الباب قبله.
وقال ابن وهب : يجوز ابتداء السلام على كل أحد ولو كان كافرا، واحتج بقوله تعالى : (( وقولوا للناس حسنا ))، وتعقب بأن الدليل أعم من الدعوى "
.
الشيخ : قوله : " بأن الدليل أعم من الدعوى " هذا ليس برد، إلا حيث وجد تخصيص لأن الممنوع هو أن يكون الدليل أخص من الدعوى، أما إذا كان أعم فللمدعي أن يقول اللفظ عام يشمل هذه الصورة الخاصة، عرفتم ؟ فهذا الكلام من الرادّ ليس بوجيه، لأنا نقول الدليل إذا كان أعم من الدعوى فهو صحيح لكن إذا وجد تخصيص لهذا العموم بطل، وهذا التخصيص يخصصه قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ).
القارئ : " وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى خوارم المروءة ككثرة المزاح واللهو وفحش القول والجلوس في الأسواق لرؤية من يمر من النساء ونحو ذلك ".
الشيخ : هذا معصية، ما هو بترك مروءة، كثرة المزاح صحيح، ربما نقول ليس بمعصية لكنه مخالف للمروءة، لكن يجلس في الأسواق يتتبع النساء ؟! سبحان الله الله أكبر نعم.
القارئ : " وحكى ابن رشد قال : قال مالك لا يسلم على أهل الأهواء، قال ابن دقيق العيد : ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم والتبري منهم.
وأما الحكم الثاني فاختلف فيه أيضا "
.
الشيخ : ما هو الحكم الثاني ؟ يحتمل أن الثاني قوله : " ولم يرد سلامه "، شف كلامه.
القارئ : " وأما الحكم الثاني فاختلف فيه أيضا، فقيل يستبرأ حاله سنة، وقيل ستة أشهر، وقيل خمسين يوما كما في قصة كعب، وقيل ليس لذلك حد محدود بل المدار على وجود القرائن الدالة على صدق مدعاه في توبته ".
الشيخ : إذن الحكم الثاني : " وإلى متى تتبين "، لكن حقيقة الحكم الأول يتضمن حكمين، وهما : ابتداء السلام والرد، ولا شك عدم الرد أخطر من ابتداء السلام، يعني لو قيل إننا لا نبتدئ العاصي من اقترف ذنبا بالسلام فلا نقول وكذلك لا نرد عليه، لأنه هو الذي ابتدأ وهو الذي تلطف إلينا، لكن كما قلت لكم إذا كان في ذلك مصلحة فإننا لا نبدأ ولا نرد.
القارئ : " وقيل ليس لذلك حد محدود بل المدار على وجود القرائن الدالة على صدق ما ادّعاه في توبته، ولكن لا يكفي ذلك في ساعة ولا يوم، ويختلف ذلك باختلاف الجناية والجاني.
وقد اعترض الداودي على من حده بخمسين ليلة أخذا من قصة كعب، فقال : لم يحدّه النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين، وإنما أخر كلامهم إلى أن أذن الله فيه يعني فتكون واقعة حال لا عموم فيها.
وقال النووي : وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه فلا يسلم عليهم، ولا يرد عليهم السلام، كما قال جماعة من أهل العلم، واحتج البخاري لذلك بقصة كعب بن مالك انتهى.
والتقييد بمن لم يتب جيد لكن في الاستدلال لذلك بقصة كعب نظر، فإنه ندم على ما صدر منه وتاب، ولكن أخرّ الكلام معه حتى قبل الله توبته، وقضيته أن لا يكلم حتى تقبل توبته.
ويمكن الجواب بأن الاطلاع على القبول في قصة كعب كان ممكنا، وأما بعده فيكفي ظهور علامة الندم والإقلاع وأمارة صدق ذلك.
قوله : "
اقترف " أي اكتسب وهو تفسير الأكثر، وقال أبو عبيدة : الاقتراف التهمة.
قوله : وقال عبد الله بن عمر : "
ولا تسلموا على شربة الخمر " بفتح الشين المعجمة والراء بعدها موحدة جمع شارب، قال ابن التين لم يجمعه اللّغويون كذلك، وإنما قالوا شارب وشرب مثل صاحب وصحب انتهى.
وقد قالوا فسقة وكذبة في جمع فاسق وكاذب.
وهذا الأثر وصله البخاري في الأدب المفرد من طريق حيان بن أبي جبلة بفتح الجيم والموحدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ : لا تسلموا على شراب الخمر، وبه إليه قال : لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا.
وأخرج الطبري عن عليّ موقوفا نحوه.
وفي بعض النسخ من الصحيح : وقال عبد الله بن عمر بضم العين، وكذا ذكره الإسماعيلي.
وأخرج سعيد بن منصور بسند ضعيف عن ابن عمر : لا تسلموا على من شرب الخمر، ولا تعودوهم إذا مرضوا، ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا.
وأخرجه ابن عدي بسند أضعف منه عن ابن عمر مرفوعا "
.