فوائد حديث : ( ... أن ابن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في نفر من قريش وكانوا تجارًا بالشام فأتوه فذكر الحديث قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد ) حفظ
الشيخ : إذن إذا أردنا أن نكتب الكتاب إلى أهل الكتاب نصنع كما صنع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمثلا إذا أراد أن يكتب السلطان يقول : من فلان إلى فلان ويصفه بما يوصف به هناك، يعني ما يحط من قدره بل يصفه بما يوصف به هناك.
( من محمد عبد الله ورسوله ) صلوات الله وسلامه عليه، ( إلى هرقل عظيم الروم ) ولم يقل العظيم، لأنه عظيم على قومه فقط، وليس له العظمة المطلقة.
وفيه أيضا ( السلام على من اتبع الهدى ) ولم يقل: السلام عليك، لأن اليهود والنصارى لا يبدؤون بالسلام.
وفي قوله : ( السلام على من اتبع الهدى ) ما يسمى في البلاغة براعة الاستهلال، يعني أن يأتوا بمستهل الكلام بما يناسب المقام، كأنه يقول : اتبع الهدى ليكون السلام عليك، فقال : ( السلام على من اتبع الهدى ) ثم إنه قد يكون عليه الصلاة والسلام لاحظ أمر الله عز وجل في قوله : (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ))، وقد قال موسى لفرعون : (( قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى ))، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم ممتثلا بهذه العبارة أمر الله في قوله : (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )).
وفيه أيضا دليل على أنه ينبغي أن يبدأ بالبسملة حتى في الكتاب إلى أهل الكتاب، بسم الله الرحمن الرحيم، لأن البسملة بركة وخير.
والعجيب أن البسملة تقلب الخبيث طيبا والطيب خبيثا، إذا ذبحت الذبيحة فإن سميت صارت طيبة حلالا، وإن لم تسم صار خبيثة حراما.
الطعام إن سميت حرم منه الشيطان، وإن لم تسم شاركك الشيطان فانتفع وضيق عليك، ولهذا جاء في الحديث : ( كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر ) ناقص البركة.
وفيه أيضا أنه يقدم اسم الكاتب على المكتوب إليه، لأن هذا هو الترتيب الطبيعي، أنا كاتب، من للابتداء، وأنت مكتوب إليك، إلى للانتهاء، فكان تقديم الكاتب هو المناسب للترتيب الطبيعي، فتقول من فلان إلى فلان، هذا هو الأفضل.
لكن تغيرت الأحوال الآن وصار يكتبون : جناب، حضرة، سعادة، يذكرون من هذه الألقاب، وفي النهاية يكتب الاسم، وهذا خلاف المشروع، المشروع أن تبدأ بالاسم كما أنه موافق للطبيعة.
لكن رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب : إلى فلان بن فلان من فلان، فيقدم المكتوب إليه، وكأنه رحمه الله ورضي عنه يريد بذلك التأليف، لأن بعض الناس في عهده وفي غير عهده عقولهم في أيديهم كما يقولون فإذا رأوا الشخص يقول : من فلان إلى فلان، قال هذا يعد نفسه أعظم مني وأعلى مني، اتركوه وكتابه. لكن إذا رآه يقول : إلى فلان بن فلان من فلان، ربما يلين ويقبل.
فإذا ترك الإنسان هذه السنة لما يرجو أنه أنفع فهذا لا بأس به، وإلا فالأفضل أن يبدأ باسمه هو أولا.
طيب، ما تقولون لو قال شخص : من فلان بن فلان إلى السيد فلان من الكفرة ؟ ما يجوز هذا.
أولا : لأنك أعطيته السيادة المطلقة، إلى السيد فلان.
طيب، فإذا قال : أنا أردت الخصوص، واستعمال العام مرادا به الخاص جائز في اللغة العربية (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم )) والقائل واحد، والجامع واحد، وش نقول ؟
يا سبحان الله، نحن نقول الظاهر خلاف ذلك، ثم المقام ذاك ما هو فاهم أنك أردت الخصوص وش فاهم ؟ المكتوب إليه أنك أردت العموم وتعظيمه على وجه الإطلاق.
طيب، هل الرسول صلى الله عليه وسلم يعني ذكرنا أن قوله : ( السلام على من اتبع الهدى ) له قدوة فيه، هل يمكن أن نقول : ( إلى عظيم الروم ) له قدوة فيه ؟
نعم، قال إبراهيم : (( بل فعله كبيرهم هذا )) ولم يقل : الكبير، بل فعله الكبير ما قالها، قال : (( كبيرهم هذا )) والصنم الكبير كبير لمن ؟ كبير للأصنام، ما هو لكل أحد، فلهذا احترز عليه الصلاة والسلام عن أن يصفه بالكبر المطلق، بل قال : (( كبيرهم هذا ))، مفهوم يا هداية ؟ طيب.