فوائد حديث : ( ... أن عبد الله بن عباس أخبره أن عليًا يعني ابن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم ح و حدثنا أحمد بن صالحقال : حدثنا عنبسة قال : حدثنا يونس عن ابن شهاب قال : أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس : يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أصبح بحمد الله بارئًا فأخذ بيده العباس فقال : ألا تراه أنت والله بعد ثلاث عبد العصا والله إني لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفى في وجعه وإني لأعرف في وجوه بني عبد المطلب الموت فاذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسأله فيمن يكون الأمر فإن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا أمرناه فأوصى بنا قال علي : والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمنعنا لا يعطيناها الناس أبدًا وإني لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا ) حفظ
الشيخ : هذا الحديث استدل به المؤلف على قول الإنسان : كيف أصبحت ؟ والواقع أنه لا يطابق الترجمة، لأن الناس لم يسألوا علي بن أبي طالب كيف أصبح النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التحية، والناس يقول بعضهم لبعض كيف أصبحت على سبيل التحية، وإنما سألوا عليا للاستخبار عن حال الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف أصبح ؟ هل هو طيب، أو اشتد به المرض، وما أشبه ذلك.
فالاستدلال بهذا ا لحديث على الترجمة فيه شيء من المرض، لأن هناك فرق بين أن أقول : كيف أصبحت لإنسان مريض، وبين قول كيف أصحبت لإنسان لاقاني، الأولى إيش ؟ استخبار، ما هي تحية، والثانية تحية، ولكن على كل حال لا بأس أن تقول كيف أصبحت، لأن الأصل في المخاطبات بين الناس - حطوا بالكم لهذا الشيء - الأصل في المخاطبات بين الناس الحل، إلا ما قصد به التعبد فيحتاج إلى دليل، أما ما لم يقصد به التعبد فالأصل الحل، هذا هو الذي عليه القاعدة المعروفة عند أهل العلم.
والأصل في الأشياء حل وامنع *** عبادة إلا بإذن الشارع
فلا حاجة إلى أن نقول ما الدليل على أن هذا جائز ؟ نقول لمن منع ما الدليل على أن هذا ممنوع ؟ أنا لا أقصد بذلك التعبد إلى الله، لكن جرت العادة أن الناس يقولون هذا الكلام فأقوله، إذا قال مرحبا، أهلا، حياك الله وبياك، وأوسع منازلك، وما أشبه ذلك، نقول هذا حرام ؟ أو جب دليل على أن الصحابة يفعلونه أو يقولونه ؟ ما نقول هكذا، الأصل الحل، ولاحظوا يا جماعة أن الاتباع أن تسير على سننهم، وهم رضي الله عنهم كما تعرفون يوجد عندهم من التوسع ما ليس يوجد عند كثير من الناس الآن الذين يدّعون الآن أنهم سلفيون، فتجدهم كل شيء يضيق، كل شيء مضيق، هات دليل على هذه المسألة المعينة، نعم.
قال بعض الناس السنة أن تدلع وتفك أزاريرك أزرارك، طيب ليش أحط أزرار أصلا ؟! إذا صار السنة أني أدلعه ليش أحط أزرار ؟ قال لأن معاوية بن حيدة رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فكّ أزراره، هذه قضية عين، يمكن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت محتر، يمكن في صدره حرارة فتحه لذلك، يمكن لأسباب أخرى، أما أن أقول في أمر محتمل أن هذا عبادة ومشروع، كل إنسان يورد عليك بكل سهولة، لماذا تجعل الأزرة ؟ لأجل يُزَر، هذا هو، فإذا كان كذلك، فمعنى ذلك نحمل فتح الرسول صلى الله عليه وسلم في ملاقاة معاوية له لسبب، ما هذا السبب ؟ الله أعلم، ونحن نقول إذا كان عندك سبب، وكان عندك فيك غم فيك شيء في جسمك هذا افتح، ما فيه مانع، هذا من باب الراحة.
فأنا أقول أنه لطالب العلم أن يتبصر في الأمور، يتبصر تبصرا كاملا لأجل أن يعطي الشريعة حقها.
إذن نقول كيف أصبحت سواء قلنا إن قول الناس لعلي بن أبي طالب كيف أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الباب، أم لم نقل، فما الأصل ؟ الأصل الحل، وأن هذا لا بأس به، حتى يقوم دليل على المنع.
وفي هذا الحديث من الفوائد أنه قد يوجد ما يسمى بالوراثة حتى في الأحوال العارضة من مرض أو غيره، ولهذا قال العباس رضي الله عنه : ( إني لأعرف في وجوه بني عبد المطلب الموت ) كان هذا شيء خاص بهم يعرفون بقرب آجالهم إذا بلغوا إلى حد معين، فيكون هذه وراثة، وهذا قد يكون، قد يكون وراثة في الإنسان أنه عند مرضه يحصل له حالة معينة تميزه عن الناس.
فإذا قال قائل : في هذا الحديث إشكال، وهو حرص العباس على الولاية أو على الخلافة ؟
فالجواب عن ذلك أن نقول : إذا دار الأمر بين سوء الظن وحسن الظن في صحابي من الصحابة فما الواجب ؟ الواجب حسن الظن حتى بغير الصحابة، ولهذا قال العلماء يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة، يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة، فالذي ظاهره ما يجوز للمسلم أن يظنن به، فكيف بالصحابة ؟
حرص العباس على هذا والله العلم عند الله من أجل أن لا يتنازع الناس، لأن بني هاشم معروفون في العرب أنهم هم أشرف العرب، فيخشى إذا خرج من عند أيديهم أن يكون هناك اختلاف واضطراب وتمزق كلمة، فرأى أن تكون الخلافة في بني العباس أو في بني هاشم حتى لا يحصل بذلك تمزق الأمة.
هذا هو الذي يحمل عليه كلامه.
وفي هذا الحديث أيضا دليل على بعد نظر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكائه، ولهذا يضرب به المثل في الذكاء والفقه، حتى إن النحويين قالوا في لا النافية للجنس : قضية ولا أبا حسن لها، قضية يعني هذه قضية داهية عظيمة ، ولا أبا حسن لها، من أبو حسن ؟ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يعني أنه معروف بالذكاء، فالنحويون يقولون : قضية ولا أبا حسن لها، والفرضيون يقولون بعد مسألة ثانية : دخل رجل فسأل علي بن أبي طالب وهو يخطب، قال : ما تقول في بنتين وأبوين وزوجة ؟ فقال الحمد لله الذي يقضي في الحق قطعا، ويجزي كل نفس بما تسعى، صار ثمن المرأة تسعا، نعم، شف كيف ؟ مصنوعة هذه ما فيها شك، مصنوعة لا شك في هذا.
صار ثمن المرأة تسعا لأن المسألة عالت من أربع وعشرين إلى سبع وعشرين، فصار الثمن الذي هو ثلاثة من أربع وعشرين صار ثلاثة من سبع وعشرين أي تسعا.
طيب، على كل حال هو رضي الله عنه هذا الحديث وغيره يدل على أن الرجل ذكي وعاقل.
قال : ( لو أن الرسول منعنا إياها )، وفي احتمال أن يمنعها أو ما فيه ؟ في احتمال قوي، لأن عليّ بن أبي طالب يعرف أن الرسول خلف أبا بكر في الناس في الحج، وخلّفه في الصلاة، وقال : ( لو اتخذت من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر )، وقال : ( لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر )، كل هذا يدل على أن الرسول يخلف أبا بكر رضي الله عنه، وقال للمرأة : (إن لم تجديني فائتي أبا بكر )، وقال : ( يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر )، وأشياء كثيرة تدل على أنه هو الخليفة.
فخاف رضي الله عنه أنه إذا ذهب يطلب الخلافة منعه الرسول، يقول : فإذا منعنا فالناس من بعد سوف يتخذون هذا المنع عاما شاملا، ثم لا ترجع إلينا، ولهذا قال : ( والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها أو فيمنعنا لا يعطيناها الناس أبدا، وإني لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا ).
وفي هذا إشارة إلى أن الولاية تكون باتفاق أهل الحل والعقد، لأن قوله : ( لا يعطيناها الناس أبدا ) يدل على أنها أي الخلافة تثبت بإجماع أهل الحل والعقد، وهو كذلك، والخلافة تثبت بأمور متعددة، منها النص، ومنها الإجماع، ومنها الغلبة.
فإذا نص الخليفة السابق على أن الخليفة من بعده فلان تعيّن، وحرم الخروج عليه ، ووجب على الناس اتخاذه خليفة.
وإذا أجمع أهل الحل والعقد عليه كذلك، يجب أن يكون هو الخليفة، ولا معارض له.
الثالث : بالغلبة والقهر، مثل ما حصل في صدر هذه الأمة حينما قتل عبد الله بن الزبير واستولى عبد الملك على الحجاز وغيره ودان الناس له، فهنا يجب السّمع والطاعة لهذا الخليفة الذي غلب.