تتمة شرح الآية : (( يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم )) إلى قوله : (( إن ذلكم كان عند الله عظيمًا )) . حفظ
الشيخ : هذا الحديث مرّ علينا من قبل لكن نتكلم يسيرا على الآيات.
يقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم )) إلى قوله : (( إن ذلكم كان عند الله عظيما )).
هنا أضاف البيوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتأتي أحيانا البيوت مضافة إلى عائشة، إلى حفصة، إلى أم سلمة، إلى زينب، إلى آخره، إلى النساء.
والجمع بين الإضافتين ظاهر، فإضافة البيوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إضافة ملك، وإضافة البيوت إلى النساء إضافة اختصاص، وليس إضافة ملك، فالملك للرسول صلى الله عليه وسلم، والاختصاص كل واحدة لها بيت يخصها.
وقوله : (( إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه )) يعني إلا إذا أذن لكم إلى طعام، وهذا بيان للواقع، وإلا فلو أذن لهم إلى غير طعام فلا حرج أن يأذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخلوا بيوته كما شاء (( ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا )) فعندنا أمر وعندنا نهي، (( لا تدخلوا بيوت النبي))، ثم قال : (( ولكن إذا دعيتم فادخلوا )) فكأنه أكد هذا النهي بقوله : (( إذا دعيتم فادخلوا )) وقبل (( لا تدخلوا )).
وهذا الأمر في قوله : (( فادخلوا )) هل هو للإباحة، أو للطلب ؟
يحتمل أن يكون للإباحة، لأنه ورد بعد النهي في قوله : (( لا تدخلوا بيوت النبي )) فهو كقوله تعالى : (( وإذا حللتم فاصطادوا )).
(( فإذا طعمتم فانتشروا )) هذا أمر طلب أن الإنسان إذا طعم فقد انتهت الدعوة فلينتشر وليذهب وليتفرق.
(( ولا مستأنسين لحديث )) يعني ولا تقعدوا مستأنسين لحديث، لأن الإنسان إذا قعد مستأنسا للحديث فسوف يطيل الجلوس.
ثم علل ذلك بقوله : (( إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم )) عليه الصلاة والسلام، ما يقول قوموا لكن يتأذى بهذا.
(( والله لا يستحيي من الحق )) وانتشاركم بعد الطعام حق، ولهذا أمرنا الله به.
وفي قوله : (( والله لا يستحيي من الحق )) دليل على وصف الله تعالى بالحياء، وهو على قاعدة السلف حياء يليق بجلال الله عز وجل، ليس فيه انكسار كحياء الآدمي لكنه حياء لائق بجلال الله وعظمته.
(( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب )) (( إذا سألتموهن )) الضمير يعود على من ؟ هل تقدم ذكر للنساء حتى نقول إنه عائد إليهن ؟ نقول : لا، لكن علم ذلك من أين ؟ من السّياق.
(( ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن )) يعني سؤالكم إيّاهن من وراء الحجاب دون المواجهة أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وأطهر هنا اسم تفضيل.
وإذا كان هذا الخطاب للصحابة مع زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أن سؤالهن من وراء حجاب أطهر للقلوب، فما بالك بقلوب ذئاب اليوم ؟ ألا يكون وجوب الحجاب في عصرنا هذا أمرا واضحا ؟ الجواب بلى، وجوب الحجاب في هذا العصر أمر ظاهر، حتى لو فرض أن الشريعة الإسلامية أباحته فإنه في هذا العصر يجب أن يمنع النساء منه أي من الكشف، يعني لو أباحت الشريعة الكشف فإنه يجب أن يكون في هذا العصر ممنوعا منع الذرائع، فكيف والشريعة قد جاءت بوجوبه بوجوب الحجاب والتحذير من الكشف.
ومن المعلوم أن الوسائل والذرائع لها أحكام الغايات، وقد ذكر الشوكاني رحمه الله أظنه عن ابن علّان أنه قال إنه أي الحجاب واجب باتفاق المسلمين في هذه العصور، وذلك لفساد الناس من الذكور ومن الإناث.
ثم قال عز وجل : (( ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن )) وفي هذه الآية دليل على أن العمدة على طهارة القلب، وأن الميل إلى الفاحشة من أرجاس القلوب ونجاساتها وأقذارها لأن الطهر إنما يكون عن شيء مضاد.
ثم قال : (( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا )) الله أكبر حماية عظيمة، ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله، في أي شيء ؟ أولا في المسألة التي في نفس الآية، وهي الجلوس مستأنسين لحديث بعد الطعام، وكذلك أن تسألوا زوجاته مقابلة بدون حجاب لأنه يتأذى بذلك.
(( ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا )) يعني وما كان لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا احتراما له عليه الصلاة والسلام، ولهذا كان بعض الناس في العهد السابق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان الإنسان المعروف بالغيرة لا يتزوج الناس مطلقاته وهو حي احتراما له، فكان من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن لا يتزوجوا أزواجه من بعده أبدا، وهذا تحريم مؤبد، سببه الزوجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهن حرام غير محارم، ولهذا قال : ((وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب )) ولو كن محارم لم يجب الحجاب، لكنهن حرام، وكن رضي الله عنهن من شدة الإعلان على عدم الرغبة بالزواج كن يقصصن رؤوسهن، يقصصن الرؤوس حتى تكون كالوفرة يعني إلى حد المنكبين أو أنزل قليلا من أجل أن يظهر الناس أنهن أبعد النساء عن طلب إيش ؟ عن طلب الزواج، لأنه من المعروف أن المرأة تتجمل برأسها، وأن رأسها نصف جمالها، فلذلك كن رضي الله عنهن يقصصن رؤوسهن.
وانظر إلى حكمة الله لما كان رأس المرأة من جمالها لم يوجب عليها في الحج إلا قدر أنملة، يعني فصة إصبع من أجل أن تبقى زينتها غير متغيرة، ولكن لما استعمرنا الكفار ديارا وأفكارا صار النساء الآن يرغبن قص الرؤوس وصارت المرأة تأتي جبعة رأسها يصل إلى الرقبة فقط، يعني تكاد أن تغلط في رأسها ورأس الرجل، ومعلوم أنها إذا وصلت إلى هذا الحد حرم عليها من أجل التشبه بالرجال، وكل هذا في الحقيقة في غفلة من الرجال، والنساء لا شك أنهن قاصرات في العقول وضعيفات الدين، إذا ترك لهن الحبل على الغارب فعلن أشياء لا تحمد عقابها، فلو أن الرجال انتبهوا لهذه الأمور وأن انسياب النساء في تلقي كل ما يرد علينا من الخارج له خطره العظيم، لو أن الرجال فهموا ذلك لوضعوا كوابح أو على الأصح مكابح لانطلاق النساء وانزلاقهن في هذه الأمور.
ثم قال الله عزّ وجل : (( إن ذلكم كان عند الله عظيما )) المشار إليه ما سبق من إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم، أو نكاح زوجاته من بعده.