فوائد حديث : ( ... سمعت أنس بن مالك قال : أسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم سرًا فما أخبرت به أحدًا بعده ولقد سألتني أم سليم فما أخبرتها به ) حفظ
الشيخ : إذن معناه نحن بعد، أمه أم سليم أبى أن يخبرها رضي الله عنه حفظا للسر.
وحفظ السر واجب كما قلنا فيما سبق، يعني يجب على الإنسان إذا سر إليه حديث أن يحفظه وأن لا يفشيه.
وسبق أنه إذا مات المسر فلا بأس بإفشائه بشرط أن تكون العلة التي اقتضت سره في الأول قد زالت، وإلا يجب حفظ السر.
لكن بعض الناس نسأل الله لنا ولكم الهداية يفخر إذا أسر إليه بعض الكبراء شيئا، ويبدأ يحدث الناس قال لي فلان وقال لي فلان، يعني يظهر أنه مرجع للناس الكبراء، أو إذا أراد أن يظهر أنه صديق لشخص ما قال قال لي فلان مع أنه سر، وهذا حرام.
وأنا أقول لكم أخف نفسك تبن للناس، إذا أردت أن تبين فأخف نفسك.
الإنسان تظهره أفعاله وأقواله، ما هو الذي يظهر نفسه ويقول فعلت وقلت وجئت ورحت، لا، فكلما كان الإنسان مخفيا لأمره يكون أشد ظهورا للناس، لأنه مهما يكتم الإنسان فالله يعلمه، وإذا علم الله شيئا من شخص وأنه أخفاه لله، فإن الله تعالى يظهره ويبينه، وإن كان الشاعر يقول :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها على الناس تعلم.
فالمهم أن بعض الناس الله يهدينا وإياهم إذا أسر إليهم حديث صاروا يتحدثون به ليظهروا للناس أنهم مرجع ومحل شورى، وما أشبه ذلك، وهذا خطأ، إلا إذا أذن لهم الذي أسر، فلا بأس، لأنه أحيانا قد يأذن لذلك لدفع مذمة عنه أو جلب مصلحة، لكن لا يحب أن تكون منه مباشرة.
يعني بعض الناس مثلا يكون متهما بشيء فيسر إليك به، ويقول لا حرج عليك أن تبين ما سمعت مني، لأنه لا يريد أن يدفع المذمة عن نفسه بنفسه ولكن بواسطة، فيأتي شخص يثق به ويبيّن له ويقول إذا شئت انشر عني هذا، أو جلب مصلحة.
أما إذا لم يأذن لنا صاحب السر فإنه لا يجوز.
وفي هذا دليل على أنه يجب على الإنسان أن يقوم بالواجب حتى في أقرب الناس إليه وأحقهم ببره وهي الأم.
نعم، خلنا نكمل الباب هذا لأن له صلة بالذي قبل.