فوائد حديث : ( ... عن عبد الله قال : قسم النبي صلى الله عليه وسلم يومًا قسمةً فقال : رجل من الأنصار إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله قلت : أما والله لآتين النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو في ملإ فساررته فغضب حتى احمر وجهه ثم قال : رحمة الله على موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر ) حفظ
الشيخ : الله أكبر.
الشاهد قوله : ( فأتيته وهو في ملئ فساررته ) ولم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم لماذا ؟ لأنه في ملأ.
وفي هذا دليل على أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فهذا رجل من الأنصار قال هذه الكلمة العظيمة، " إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله "، فالشيطان قد يحمل الإنسان على قول الفرية العظيمة.
إذا كان الرسول قسم قسمة ما يريد بها وجه الله، فمن الذي يريد بها وجه الله بعد ذلك ؟ لا أحد.
وهذا نظير قول الأنصاري حين حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام في مسألة الشراج شراج الحرة، وهو أنه كان الزبير له حائط، ولجاره الأنصاري حائط، ويمر السيل بحائط الزبير قبل أن يمر بحائط الأنصاري، والأحق منهما الأعلى الزبير، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك )، ( أسق ) مطلق، تصدق على ما يحصل به السقي ولو كان قليلا، فغضب الأنصاري، وقال : ( أن كان ابن عمتك يا رسول الله ؟ ) لأن الزبير بن العوام أمه صفية بنت عبد المطلب، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام وقال : ( أسق يا زبير حتى يصل الجدر ثم أرسله إلى جاره )، فاحتفظ النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بحقه. الجدر هو الحدود الفاصلة بين أحواض الماء في المزرعة، قال : ( إلى أن يصل ) وهذا سقي ري، ثم ( أرسله إلى جارك ).
فكان النبي صلى الله عليه وسلم في الأول أعطى الزبير بن العوام بعض حقه من أجل أنه تحصل به الكفاية ويحصل بالباقي نفع جاره، فيكون في ذلك مصلحتان : مصلحة الزبير بالسقي ولو قليلا، ومصلحة الجار حيث لا يحرم من السقي.
فلما تكلم بهذه الكلمة العظيمة احتفظ النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بحقه كاملا، وأمره بأن يسقي إلى الجدر، ثم يرسله إلى جاره.
فهنا غضب النبي عليه الصلاة والسلام وقال : ( رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر )، ولهذا قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا )) يعني لا تؤذوا محمدا كما أذي موسى.
موسى أوذي عليه الصلاة والسلام حسا ومعنى، أوذي في دينه، وفي خلقته، حتى قالوا إنه آدر، آدر يعني كبير الخصية، وهو عيب، فبرأه الله عز وجل مما قالوا حيث اغتسل ذات يوم فوضع ثوبه على الحجر، ففر الحجر بثوبه حتى وصل بني إسرائيل، ولما وصل بني إسرائيل وقف الحجر، وكان موسى لحقه يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر، لحقه عريانا حتى وصل إلى الملأ من نني إسرائيل وشاهدوا موسى ليس به عيب، فبرأه الله مما قالوا.