فوائد حديث : ( ... قال ابن عمر : والله ما وضعت لبنةً على لبنة ولا غرست نخلةً منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال : سفيان فذكرته لبعض أهله قال : والله لقد بنى بيتا قال : سفيان قلت : فلعله قال : قبل أن يبني ) حفظ
الشيخ : طيب، أما الأثر الثاني قال : " والله ما وضعت لبنةً على لبنة ولا غرست نخلةً منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم " قال سفيان : " فذكرته لبعض أهله قال : والله لقد بنى بيتا ".
فابن عمر أقسم أنه ما وضع لبنة على لبنة، وبعض أهله قال: والله لقد بنى، وهذا تعارض، فبعض أهله حلف أنه بنى، وهو قال ما بنيت، فأيهما نصدق ؟ نقول كل منهما أقسم على نقيض ما قال الآخر، فلا بد من تأويل، فأولها سفيان، قال : " قلت : فلعله قال قبل أن يبني "، وهذا لا شك تأويل جيد وصحيح، يعني كان إقسام ابن عمر قبل أن يبني ما ذكره أهله، فيكون ابن عمر صادقا في يمينه، وبعض أهله صادق أيضا، لأنه قال : " والله ما بنيت ولا وضعت لبنة على لبنة " ولم يقل : ولن أبني، المستقبل له الله ما يدري عنه، لا يعلم عنه، فهذا جمع بلا شك هو المتعين لأن ابن عمر رضي الله عنه صادق، وبعض أهله أيضا صادق، كل منهم أقسم.
طيب فإن قال قائل : هل يدل على كراهة البناء أو لا ؟
فالجواب : نعم، يدل على أن البناء إذا استلزم أن يشغل الإنسان ويكون هو همه حتى لا يهتم إلا بدار الدنيا دون دار الآخرة فلا شك أنه يذم.
أما إذا كان الإنسان يريد أن يبني ما يساير به أمثاله فإن هذا لا بأس به بشرط أن لا يفضي إلى احتياج إلى الخلق، فإن أفضى إلى احتياج إلى الخلق صار خطأ وسفها، فإنه يوجد بعض الناس فقير ما عنده شيء، لكن جاره هدم بيته وبناه مسلحا، وهو بيته بيت طين، فقال بيتي الآن كأنه فقير بجنب غني ما يمكن، سوف أستقرض أو أتدين بعد وأقع في الربا أو في الحيلة على الربا من أجل أن أهدم بيتي هذا وأبني بيتا مسلحا كجاري، نقول هذا خطأ هذا ذم يذم عليه الإنسان، لأنه يشغل ذمته ويرهقه بالديون وهو في غنى عنه، وإذا كان الله تعالى قال : (( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله )) وحاجة الإنسان إلى النكاح قد تكون أعظم من حاجته إلى تشييد بنائه، فما بالك بمن يجدد بناءه ؟ بل أسفه من هذا من يذهب يستقرض أو يتدين بالربا أو بالحيلة عليه من أجل أن يفرش الدرج، يفرش عليه فراشا، لماذا يا أخي ؟ قال لأنها تصقع بالشتاء، أبخلي عليها فراش، يتدين ويرهق نفسه بالديون من أجل هذه المقاصد التي تعتبر بالنسبة له سفها.
فالبناء إذا شغل عما هو أهم، وصار هم الإنسان فلا شك أنه يذم، وإذا جارى الإنسان وقته بدون إسراف فهذا لا بأس به بشرط أن يكون قادرا غير محتاج لأحد.