فائدة : الفرق بين ذنوب الناس وذنوب الأنبياء . حفظ
الشيخ : فالحاصل إن الرسول صلى الله عليه وسلّم وغيره من إخوانه الكرام الرسل ليسوا ممنوعين من الذنب، قد يُذنبون لكن يتوبون إلى الله، لا يُقرّون عليه، يقرون على الذنب. هذا هو الفرق بينه وبين سائر الناس أن سائر الناس ربما يستمر في ذنبه ولا يعود لكن الرسل لا، معصومون من الإقرار على الذنوب.
ثانيا: يظهر لي والله أعلم أن هناك فرقا ءاخر، أن معصية الأنبياء ليست عن تشهي وهوى بخلاف معصية غيرهم فيه عن تشَهٍّ وهوى، أما معصية الأنبياء فهي قد تكون عن اجتهاد أخطأوا فيه لكن حصل منهم بعض الشيء الذي يجعل هذا الاجتهاد نوعا من الذنب مثل قوله تعالى: (( عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذينَ صَدَقوا وَتَعلَمَ الكاذِبينَ )) وتأمّل هذا العتاب اللطيف قدّم الله العفو على التأنيب، (( عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُم )) خطاب لطيف يعني ما أنبه الله ووبّخه بل عفا عنه قبل أن يبدي ما وبخه به، فهنا الرسول صلى الله عليه وسلّم أذن لهم لا شك أنه يظن أن المصلحة في ذلك.
كذلك قال الله له: (( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبتَغي مَرضاتَ أَزواجِكَ وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ )) إذن هو حرّم ما أحل الله له من أجل مرضاة الزوجات والإصلاح والتأليف وعدم التشويش فهو مجتهد لكن أنّبه الله على ذلك.
(( عَبَسَ وَتَوَلّى * أَن جاءَهُ الأَعمى )) ولم يقل: عبست وتوليت، فيه نوع لطافة في الكلام، في الخطاب.
على كل حال أقول الفرق الثاني: أن الظاهر من حال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أنهم لم يصدر منهم الذنب على سبيل الهوى والشهوة، ولكن على سبيل الاجتهاد وفيه نوع من القصور أدى إلى أن يكون ذلك الشيء ذنبا.
ثالثا: الأنبياء عليهم الصلوات والسلام معصومون من كل ذنب يُخِلّ بالأخلاق، مثل الزنا واللواط وما أشبه ذلك، هذا الشيء ممنوع منه الأنبياء لأن ذلك هدم لأصل الرسالة، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( إنما بعثت ) إيش؟ ( لأتمّم مكارم الأخلاق ) صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن يأتي بما يُناقض لذلك، فهو معصوم من هذا.
رابعا: معصومون أيضا من الكذب والخيانة، الكذب لا يمكن أن يكذب النبي، ولا يمكن أن يخون لأن هذا طعن في الرسالة، إذا كان يكذب ما يؤمن أن يكذب بالوحي، إذا كان يخون ما يؤتمن على الوحي أبدا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين ) ، فكيف عاد بخائنة اللسان، فهم معصومون من هذا لأنه يخل بأصل الرسالة. كم قلنا؟
السائل : ... .
الشيخ : خامسا: معصومون من الشرك، لا يمكن أن يشركوا لأن الشرك يناقض ما جاؤوا به، هم جاؤوا بماذا؟ بالتوحيد، فالشرك يناقض حتى وإن كان أصغر، ما يمكن أن يقع منهم الشرك وإن كان أصغر، ولهذا نرى أن الرواية التي رويت عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة ءادم وحواء وتسميتهما ابنهما عبد الحارث أن هذه موضوعة، ليست صحيحة، والقصة معروفة: جاءهما الشيطان وقال: سميا ولدكما عبد الحارث، فإن لم تسمياه عبد الحارث فأنا أجعل له قرني أيل فيشق بطنك فيخرج منه، يقوله الشيطان، وقد قال لهما لما جاء قال: أنا صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنّة لتجعلن له قرني أيل إلى ءاخره.
هذا مما يدل على أن القصة موضوعة، إذا كان يريد أن يطيعاه فيما أمر هل يتوسّل إليهما بكونه أخرجهما من الجنّة؟ أه؟
السائل : ... .
الشيخ : لا، ممتنع هذا، لو كان هو الذي أمرهما لتوسّل إليهما بشيء ينسيهما أنه أخرجهما من الجنّة.
على كل حال لا يمكن لأحد من الأنبياء أو الرسل عليهم الصلاة والسلام أن يشرك، فهم معصومون من الشرك خفيّه وجليّه، صغيره وكبيره.