الرد على شبهة المجوزين للبدع وتقسيمهم البدعة إلى حسنة وسيئة؟ (وبيان ضعف حديث: ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن) حفظ
الشيخ : فهنا شبهتان تُذكران بهذه المناسبة الأولى ذكرتها مع الأخرى " ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن " فما يكاد العالم البصير في دينه ينكر أمرا يعلم أن هذا الأمر ليس من الإسلام في شيء إلا جوبه بقوله يا أخي المسلمون هنا هكذا يفعلون وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن )، وقد يحتج بعضهم بحديث آخر والحديث الأول لا يصح حتى لا يفوتني ولي عودة إليه أما الحديث الآخر فهو صحيح ولكن لا يصح الاستدلال به على معارضة قوله عليه السلام في الأحاديث السابقة ( كل بدعة ضلالة ) ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وحديث العرباض بن سارية وغير ذلك ، هذا الحديث الثاني هو قوله عليه السلام ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) هذا حديث صحيح أما الحديث الأول فهو غير صحيح ومع ذلك فلكل من الحديثين معنى غير المعنى الذي يركن إليه الذين يضربون بهذا المعنى ، القاعدة الجوهرية التي كان الرسول عليه السلام يذكر بها أصحابه بين يدي كل خطبة أما الحديث الأول ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ) نبحث الآن في الحديث من الناحية الحديثية ثم نثني عليه للكلام في الناحية الفقهية منه، أما الناحية الحديثية فالحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده من طريق أبي داوود الطيالسي وهذا أيضا في مسنده كلاهما بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال هو ولم يقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي سمعتم مصدره من مسندي أبي داود الطيالسي وأحمد بن حنبل الشيباني: " إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا رسولا وجعل له وزراء وأنصارا فما رآه المسلمون حسنا فهو عن الله حسن " أظن من كان منكم يعلم شيئاً من اللغة العربية وآدابها سيفهم ما أقوله بسرعة واضحة ال فما رآه المسلمون ال هنا في اصطلاح العلماء إما أن يكون هذا الحرف للاستغراق والشمول فيشمل كل المسلمين في كل العصور وفي كل الدهور وإما أن يكون هذا الحرف هنا ال للتعريف ما يسمى عندهم بأل العهد وهذا يفيد التخصيص ولا يفيد العموم والشمول وهذا المعنى الثاني هو المقصود في هذا الحديث الموقوف على ابن مسعود لماذا؟ لأن السباق الذي بعده جاء هذا السياق هو يتحدث عن أصحاب الرسول عليه السلام لأنه بعد أن ذكر أن الله عز وجل بعث محمداً رسولاً قال : "جعل له وزراءا وأنصارا " إذاً هؤلاء الوزراء والأنصار هم المقصودون في قوله فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وبخاصة أنه ذكر هذا الحديث الموقوف عليه بمناسبة اختيار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر الصديق خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن " أي ما دام أن المسلمين اختاروا أبا بكر خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورؤوا أمراً حسناً بل واجباً فهو عند الله حسن وحينئذ يكون الحديث هذا الموقوف ليس له علاقة مطلقاً بموضوع ما رآه جماعة من المسلمين في عصر من العصور حسنا كلا ثم كلا ليس لهذا الحديث على أنه موقوف أكرر على مسامعكم أن هذا الحديث لا يجوز للمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رآه المسلمون إلخ، وإنما يقول قال صحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود: "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن " ويفسره على هذا النحو الذي ذكرت لكم هذا النحو الذي دلت عليه المناسبة التي فيها ذكر هذا الحديث الموقوف أولا ثم المسلمون ال للعهد أي الذين ذكروا قبل قوله : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن حينئذ يكون هذا الحديث يلتقي تماما مع آية في القرآن الكريم ألا وهي قول رب العالمين : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) أي ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن أي هؤلاء المسلمون الذين ذكروا في هذه الآية أن أحدا إذا خالف سبيل المسلمين كما لو خالف سيد المرسلين وأظن أيضا تعرضت لهذه الآية في الجلسة السابقة : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين )) أي يخالف السبيل التي كان عليها السلف الأول السلف الصالح فهل كان السلف الصالح يرون أن في الإسلام عبادة لم يشرعها الرسول عليه الصلاة والسلام ولا فعلها الصحابة الكرام ومع ذلك يجوز للمسلم أن يتقرب بها إلى الله تبارك و تعالى؟ الجواب لا وبخاصة وقد ذكرنا لكم قول ابن عمر في توضيح قوله عليه الصلاة والسلام : ( كل بدعة ضلالة ) قال ابن عمر : " وإن رآها الناس حسنة " أما الأقوال الأخرى التي أثرت ورويت عن أصحاب النبي الله صلى الله عليه وسلم تأكيدا منهم بأقوالهم وبأفعالهم في هذه القاعدة العامة كل بدعة ضلالة فهي أشياء كثيرة وكثيرة جدا لا يمكن إحصاؤها في هذه الجلسة ولكن لا بأس بالتذكير ببعضها ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي هو من كبار علماء الصحابة وقرائهم بخاصة حيث صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ) هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه هذا الصحابي الجليل الذي من فضله أن فقه الإمام أبي حنيفة أول الأئمة الأربعة رحمهم الله تبارك وتعالى فقه هذا الإمام أكثره قائم على أحاديث وفتاوى ابن مسعود ماذا قال هذا الصحابي الجليل قال : " اتبعوا اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق " هذه الحقيقة نصيحة عالم ما أحوجنا نحن أن ننصح أنفسنا بها اتبعوا أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنهم هم الذين يمثلون سبيل المؤمنين أول من يمثل هذه السبيل هم أصحاب الرسول عليه السلام وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن مسعود اتبعوا ولا تبتدعوا لماذا ؟ فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق قد كفيتم يشير بهذا إلى نصوص في الكتاب والسنة منها الآية المشهوة ألا وهي قوله تبارك وتعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) اليوم أكملت لكم دينكم إذا فقد كفيتم لقد جاء الله عزّ وجل بهذا القرآن وببيان الرسول عليه الصلاة والسلام بكل ما يحتاجه المسلمون من العبادات ولذلك لا قياس في العبادة القياس هو الأصل الرابع من الأصول الأربعة عند جماهير العلماء الكتاب والسنة والإجماع الصحيح والقياس لكن هذا الأصل الرابع وهو القياس لا يجوز أن يصار إليه في العبادات ذلك لأن العبادات محصورة بخلاف الحوادث التي تقع للناس فهي لا يمكن أن تنتهي فلذلك كان الرأي الراجح عند العلماء أن القياس مصدر بل هو المصدر الرابع من مصادر الشريعة لكن هذا القياس لا يعمل عمله في توسيع دائرة العبادة لأن الله عز وجل قد أكمل تشريع العبادات بتمامها ولذلك قال عليه الصلاة والسلام حديثين اثنين الحديث الأول في صحيح مسلم : ( ما بعث الله نبيا إلا وكان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ) ما بعث الله نبيا إلا كان حقا أي واجبا لازما عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ترى هل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الواجب؟ لاشك أنه قام به خير قيام وقد قال ربنا عز وجل له في القرآن : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) الحديث الثاني وهو أمس بموضوعنا من الحديث الأول ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به وما تركت شيئا يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) رواه الإمام الشافعي في مسنده أو في سننه إذن صدق الله حينما قال : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) الدين هو ما يتدين به الإنسان ويتقرب به إلى رب الأنام إذا قد صدق ابن مسعود حينما قال في الأثر السابق : " فقد كفيتم " أي لماذا تتعبون أنفسكم بابتداعكم العبادات في الدين وقد كفاكم رب العالمين بأن أرسل إليكم رسول مبينا موضحا كل ما أنتم بحاجة إليه من عبادات تفصيليا لا حاجة للقياس فيها إطلاقا وبخاصة إذا ما كان هذا القياس مخالفا للنصوص الصريحة المتقدمة آنفا والآثار الثابتة عن السلف الصالح ثانيا ومنها قول ابن مسعود رضي الله عنه : " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم فعليكم بالأمر العتيق " هذا قوله .