قصة الإفك . حفظ
الشيخ : وهذا يدُل على حكمته صلوات الله وسلامه عليه، وعلى أنه قد يتنازل عن حقه خوفا من الشر والفتنة، كما فعل عليه الصلاة والسلام حين تنازل في قصة الإفك التي هي من أعظم ما رمي به حيث إن المناففين أرادوا أن يدنسوا فراشه صلوات الله وسلامه عليه وكانوا يتحيّنون الفرصة ليوقعوه، فوجدوا هذه الفرصة.
هذه الفرصة كانت عائشة رضي الله عنها خرجت تقضي حاجتها في غزوة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلّم وكانت في هودجها، فآذن النبي صلى الله عليه وسلّم بالرحيل، فجاء الناس وأخذوا هودجها وربطوه على البعير ولم يُحسّوا بفقدها لأنها في ذاك الوقت كانت صغيرة لم يأخذها اللحم، وظنوا أنها موجودة ولاسيما كما تعرفون حالة الناس عند الرحيل يكون معهم قوّة على التحميل وسرعة، ما يتأنّون ويكون الشيء عندهم خفيفا، لكنها رضي الله عنها ليست موجودة، قد ذهبت تقضي حاجتها، فلما جاءت وجدت القوم قد رحلوا، وانظر إلى ذكائها على صغرها، قالت: " إن ذهبت أطلبهم ضعت وضيّعوني، لكني أبقى في المكان حتى يرجعوا إلي " ، وهذا من ذكائها رضي الله عنها، فبقيت، وإذا صفوان بن معطل رضي الله عنه من قوم إذا ناموا لا يمكن أن يستيقظوا إلا إذا شبعوا من النوم، وكان في أخريات القوم، فلما استيقظ وأقبل، وإذا هذا السواد، فلما وصل إليه وإذا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ولكن تدرون ماذا فعل؟ أناخ البعير، ووطئ على ركبة البعير، ولم يكلّمها بكلمة قط، ما كلّمها احتراما لفراش رسول صلى الله عليه وسلّم، حتى ركبت، فجاء يقود بها ضحى، والمريب هل يمكن أن يعرض ريبته على الناس ضحى؟ أه؟ أبدا ما يمكن، ثم انتهت القضية.
اتخذ المنافقون من هذا سلاحا ليطعنوا لا في أم المؤمنين ولا في محمد بن عبد الله، ولكن في الرسالة التي جاء بها، لأنه إذا أصبح هذا الرجل قد دنس فراشه هذا الدنس ومن أصحابه أيضا ما بقي ثقة بالشريعة أبدا، وهم يريدون هذا، والعياذ بالله، فصاروا يفشون هذا الأمر بين الناس، حتى انزج من المسلمين ثلاثة، من المؤمنين حقا، وقالوا ما قالوا، ومنهم حسان بن ثابت رضي الله عنه، حصل منه هذا الشيء ثم شاع الخبر ولما وصلت المدينة مُرضت رضي الله عنها لحكمة أرادها الله، حكمة، مُرضت نحوا من شهرا، وكان الرسول صلى الله عليه وسلّم يأتي إليها ويعودها ولكنها لا تجد منه الرقة واللين الذي كانت تعهده، إنما يأتي ويقول: ( كيف تيكم؟ ) ثم ينصرف، واستغربت هذا الأمر، والنبي صلى الله عليه وسلّم في هذه المدّة كما يقول المتأخّرون قد عاش على أعصابه، يتكلم ويسأل ويُشاور، ولكنه صلى الله عليه وسلّم واثق بالله عز وجل، بأن الله تعالى لن يُهينه إلى هذا الحد، حتى يجعل فراشه دنسا بهذه التهمة الكاذبة.
فخرجت ذات يوم مع أم مسطح بن أثاثة رضي الله عنه إلى الخلاء لقضاء الحاجة فعثرت فقالت أم مسطح: تعس مسطح، قالت عائشة: كيف تقولين تعس مسطح؟ مسطح من المهاجرين الأولين، كيف تعس؟ قالت أما سمعت كذا وكذا؟ وذكرت ما قيل، قالت: لا، ما سمعت. ثم رجعت إلى بيتها وجعلت لا تنام أبدا، لا يقع لها دمع، ولا تهنأ بنوم، لأن المقام مقام عظيم، ما هو بتدنيس عائشة بنت أبي بكر، تدنيس الرسالة كلها، ولكن جاء الفرج من الله عز وجل وعرض عليها الرسول عليه الصلاة والسلام عرض عليها.