تتمة شرح باب : الغنى غنى النفس. وقال الله تعالى : (( أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين )) إلى قوله تعالى (( هم لها عاملون )) . قال ابن عيينة : لم يعملوها، لا بد من أن يعملوها . حفظ
الشيخ : ثم قال تعالى: (( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون )) هم مشفقون ، مبتدأ وخبر ، أي من شدة خوفهم لله ، الخوف المبني على العلم ، مشفقون من عذاب الله ، خائفون منه وذلك لإيمانهم ، الإيمان التام بأنه ، بأن ما وعد الله به ، أو أوعد به سيكون ، فهم مشفقون من خشية الله ومن هنا للتعليل ، أي من أجل الخشية ، خائفون من عذاب الله ، والخشية هي الخوف مع العلم ، الخوف مع العلم ، والخوف بلا علم خوف مجرد فهذا فرق بين الخوف والخشية فرق آخر : أن الخشية تكون من عظم المخشي ، وإن كان الخاشي عظيماً أيضاً ، والخوف يكون من ضعف الخائف ، وإن كان المخووف ضعيفاً قال (( والذين هم بآيات ربهم يؤمنون )) هم يؤمنون ، وأتى بيؤمنون ، لأن هذه الآيات تتجدد ، فالذين في وقت نزول القرآن تتنزل عليهم الآيات يوماً فيوماً ، كلما نزلت آية إزدادوا إيماناً (( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمان وهم يستبشرون )) وكذلك الآيات الكونية تتجدد فكلما جاءت آية مطابقة لما أخبر الله به ورسوله ، زادت المؤمن إيماناً ، ولهذا قال : (( والذين هم بآيات ربهم يؤمنون )) ولم يقل مؤمنون كما قال مشفقون ، لأن الإيمان يتكرر ، كلما أتتهم آية ، زادتهم إيماناً ، (( والذين هم بربهم لا يشركون )) هم لا يشركون ، أتى بالجملة الفعلية ، ولم يقل غير مشركين وذلك لأنهم لا يشركون في أي فعل يفعلونه لله ، فلا رياء عندهم ولا سمعة ولا يريدون الدنيا بعملهم ، إنما يريدون الله سبحانه وتعالى (( والذين يؤتون ما آتوا )) أي يعطون ما أعطوا ويبذلون ما بذلوا من الأعمال البدنية والأموال ، ((وقلوبهم وجلة )) أي خائفة ، خائفة من أي شيء ؟ خائفة من أن لا يقبل منهم ، من أن يرد عليهم العمل ، لا سوء ظنٍ بالله ولكن إحتقاراً لأنفسهم ، وخوفاً من التقصير ، فهم يؤتون ما آتوا ويفعلون العمل الصالح ، لكن يخشون أن لا يقبل منهم ، يصومون فيخافون أن لا تقبل ، وكذلك بقية الأعمال ، وقلوبهم وجلة (( أنهم إلى ربهم راجعون )) يعني يعطون ما أعطوا لأنهم يؤمنون برجوعهم إلى الله ، وأن الله تعالى سوف يجازيهم ، قال تعالى : (( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون )) يسارعون فيها أي في الوصول إليها ، وفي إتقانها وهم مدركون لها ، لها سابقون ، (( ولا نكلف نفسا إلا وسعها )) لما كانت المسارعة ، قد يتوهم واهم أنهم لو عجزوا عن المسارعة ، لم ينالوها ، قال : (( ولا نكلف نفسا إلا وسعها )) فهم يسارعون ولكن لو صلى الإنسان منهم قاعداً لعجزه عن القيام ، فهو مسارع ، لأن الله قال : (( ولا نكلف نفساً إلا وسعها )) (( ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون )) ، وهذا الكتاب ما كتبته الملائكة من أعمال بني آدم ينطق بالحق يوم القيامة ، ويقال للإنسان :(( إقرأ كتابك ، كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً )) قال الحسن : " لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك " أنت حاسب نفسك ، لا تطلب محاسب ، وستجد أن الأمر كما كتب (( بل قلوبهم في غمرةٍ من هذا )) هذا كقوله في أول الآية : (( أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )) بل لا يشعرون ، هنا قال : ((بل قلوبهم في غمرةٍ من هذا )) يعني قد حل بها ما غمرها ، ولا تتفطن لها ، ولهم أعمال من دون ذلك ، هم لها عاملون ، ما هي الأعمال هذه ؟ أعمال الدنيا ، ولهذا قال : (( من دون ذلك )) إشارة لانحطاط رتبتها ، ثم قال : (( هم لها عاملون )) الجملة كما تعلمون هذه اسمية ، يعني متقنون للعمل لها ، وقدم المفعول لها عاملون للدلالة على أنهم قد حصروا أنفسهم وأفكارهم وعقولهم في هذه الأعمال الدنيوية .
القارئ : قال ابن عيينه : " لم يعملوها : لابد من أن يعملوها "
الشيخ : نعم ، (( يعني هم لها عاملون )) يعني ما عملوها بعد ، لكن لا بد أن يعملوها يعني أنهم مصرون على العمل على عملها .