فوائد حديث : ( عرضت علي الأمم ) . حفظ
الشيخ : وفي هذا دليل على أن لا ينبغي للداعية إلى دين الله إذا لم يتبعه أحد أن ييأس أو يقنط ، أو يظن أن عمله ضاع سداً حتى وإن لم يتبعك أحد ، فأنت على خير وأنت مأجور ، ولن يضيع عملك ، بل ربما تكسب أكثر أجراً ، من جهة مشقة العمل ، لأن الرجل إذا دعا فأجيب سهلت عليه الدعوة ، ونشط وصار الذين يجيبونه يساعدونه ، ولكنه إذا صار يدعو ولا يجاب ، وهو على حق فإنه تصعب عليه الدعوة وإذا صبر نال أجر الصابرين ، المهم أنك إذا كنت داعيةً ولم تجد استجابة فلا تيأس ، فإن هؤلاء الأنبياء وهم أفضل منك ، رآهم النبي عليه الصلاة والسلام ليس معهم أحد ، وفيه فضيلة هذه الأمة ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى سوادا ًكثيراً ، فسأل جبريل من هؤلاء ، هذه أمتك قال لا ، وفي حديث آخر هذا موسى وقومه ، هذا موسى وقومه ، فموسى عليه الصلاة والسلام من أكثر الأنبياء أتباعا ، وفي حديث آخر أيضاً في لفظ آخر : ( فإذا سواد عظيم قد سد الأفق فقيل لي هذه أمتك ) وفيه دليل على هذا اللفظ ، أن هذه الأمة أكثر الأمم ، ولا شك في هذا ، أن هذه الأمة ولله الحمد ، أكثر الأمم ، فإن قال قائل كيف تكون أكثر الأمم والنصارى الآن أكثر من المسلمين ؟ قلنا : هؤلاء النصارى ليسوا على دين ، فليسوا من أمة عيسى وليسوا من أمة موسى ، لأن دينهم الذي هم عليه الآن ، دين باطل ، منسوخ ، قد نسخه الله ، قد أبطله الذي شرعه ، نفسه الذي شرعه هو الله أبطله برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا لا يكونون من أتباع عيسى ، وحينئذٍ لا يكون أتباع عيسى أكثر من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم .
وفيه أيضاً فضيلة هذه الأمة بأن منهم سبعين ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب ، إذن فالحساب لا يكون عاماً لجميع الناس ، بل في الناس من لا يحاسب ، ومنهم الأنبياء ، الأنبياء لا يحاسبون ، ومنهم هؤلاء الذين ذكرهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين جمعوا هذه الصفات ، لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون
( لا يكتوون ) : يعني لا يطلبون أحداً يكويهم ، وليس المعنى لا يكوون غيرهم ، أو لا يكوون أنفسهم إذا كان الإنسان يحسن الكي ، لأن بعض الناس يحسن الكي ، يكوي نفسه ، لكن هم لا يكتوون أي لا يطلبون من أحد أن يكويهم لأنهم يعتمدون على الله ، ولا يحبون أن يسألوا الناس شيئاً وأن يذلوا أنفسهم بسؤال الناس
ثانياً : ( لا يسترقون ) : معنى لا يسترقون لا يطلبون أحدا أن يرقيهم ، وليس المعنى أنهم لا يرقون غيرهم ، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله : أن رواية مسلم : ( لا يرقون ) ، رواية غير صحيحة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي ، يرقي غيره عليه الصلاة والسلام ، ولكن لا يسترقون لا يطلبون من غيرهم أن يقرأ عليهم ، ولكن لو مكنوا من يقرأ عليهم هل يخرجون من هذا الوصف يعني رجل حضر إلى مريض ، وقال : أريد أن أقرأ عليك ، فمكنه المريض ، هل يخرج من هذا الوصف
القارئ : لا يخرج
الشيخ : لا يخرج ، يعني بمعنى أنه لم يسترق ، ولا طلب الرقية ، ولكنه جاء إنسان طلب أن يقرأ عليك ما في مانع ، ولا يخرجه من هذا الوصف
( ولا يتطيرون ) ، يتطيرون : يعني يتشاءمون ، ولكن عبر عن التشاؤم بالتطير ، بأن أكثر تشاؤم العرب كان بالطيور ، و إلا قد يتشاءمون ، فهم يتشاءمون بكل معلوم من زمان أو مكان أو أشخاص ، أو صفات ، كل شيء يتطيرون بها ، العرب جهلة ، جهل يتطيرون بكل شيء ، رأو طيراً أسود ، قالوا هذا اليوم أسود ، ما لك فيه السعادة إطلاقاً ، ليش ، لأني شفت أول النهار
القارئ : طيرا أسود
الشيخ : طيراً أسود ، إن رأو أبيض ، قال خلاص اليوم يوم النور ، يوم البياض ، مع إن هذا ماله أصل ، التفاؤل طيب ، لكن التفاؤل بما ليس بفأل ، ليس بصحيح ، وهم ، طيب على كل حال ، التشاؤم ، التطير هو التشاؤم ، بمعلوم من مرئي أو مسموع أو زمان ، أو مكان ، ولذلك نجد أن المتطيرين دائماً في قلق ، دائماً في قلق ، وأن المتوكلين على الله ، المتفائلين نجدهم دائماً في سرور وسعادة أما المتشائم أعوذ بالله ، لو رأى أي شيء تشاءم .
قال : ( وعلى ربهم يتوكلون ) على ربهم ، يعني لا على غيره ، ومن أين أخذنا لا على غيره ،
القارئ : الحصر
الشيخ : من تقديم المعمول على ربهم يتوكلون ، لأن المعمول حقه التأخير ، فإذا قدم أفاد الحصر ، يعني على ربهم لا على غيره ، يتوكلون ويعتمدون ، ولكن ليس مقتضى التوكل أن تدع الأسباب ، بل افعل الأسباب ولا تعتمد عليها ، اعتمد على مسبب الأسباب عز وجل ، واتخذ الأسباب على أنها سبب فقط
بسم الله الرحمن الرحيم قال : (ولا يتطيرون ) وسبق الكلام عليها ، ( وعلى ربهم يتوكلون )يعتمدون ، وقد سبق أيضاً بيان معنى التوكل ، (فقام عكاشة بن محصن قال ادع الله أن يجعلني منهم قال : اللهم اجعله منهم) وفي لفظ : ( أنت منهم ) وهذا من مناقبه رضي الله عنه ، ومن توفيق الله له أن سبق وبادر بطلبه أن يكون منهم فكان منهم ثم قام إليه رجل آخر قال : ادع الله أن يجعلني منهم قال : ( سبقك بها عكاشة )، يعني أن الرسول عليه الصلاة والسلام ، أراد أن يسد الباب ، بأن لا يقوم من لا يستحق أن يشهد له بذلك ، فقال سبقك بها عكاشة ، وهذا الحديث ذهب مثلاً ، في كل من طلب شيئاً قد فاته ، فيقال له : سبقك بها عكاشة ، وبناءاً على هذا الحديث ، نشهد لعكاشة بن محصن أنه من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب ، بدون أن نسأل عن عمله ، عن عمله ، لأنه شهد له الرسول عليه الصلاة السلام ، حينما قال : أنت منهم
أما الحديث الثاني ، حديث أبي هريرة رضي الله عنه : قال : يقول : ( يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر ) ففيه أيضاً منقبة لهؤلاء وأنهم بالإضافة إلى أنهم يدخلون الجنة بلا حساب تضيء وجههم إضاءة القمر ليلة البدر ، وهذا يدل على أنها مضيئة ، وتشع نوراً ، كالقمر .