فدخل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم أبو عبد الرحمن فقالوا كذا وكذا قال ( في أنزلت كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بينتك أو يمينه قلت إذًا يحلف عليها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان ) حفظ
القارئ : فدخل الأشعث بن قيس، فقال : ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا، قال: في أنزلت، كانت لي بئر في أرض ابن عم لي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : ( بينتك أو يمينه ) قلت : إذن يحلف عليها يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حلف على يمين صبر، وهو فيها فاجر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان ).
الشيخ : هذا الباب يقول المؤلف جعل الباب قوله تعالى : (( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً )) فجعل الترجمة فيه آيات من كتاب الله.
قوله : (( يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا )) أي يأخذون بالعهد والأيمان ثمناً قليلا فيعاهدون ويغدرون من أجل الدنيا، ويحلفون ويحنثون من أجل الدنيا. ومن ذلك إذا حلف المدعى عليه بأنه ليس في ذمته للمدعي شيء وهو كاذب فهذا قد اشترى بيمينه ثمناً قليلاً، فما هو الثمن القليل الذي اشتراه ؟
الطالب : الكذب
الشيخ : لكن في هذه المسألة : ادعى شخص على أخر بمائة ريال فقال ليس لك عندي شيء وحلف على أنه ليس له عنده شيء؟ مائة ريال .
قال الله تعالى : (( أولئك لا خلاق لهم في الآخرة )) خلاق يعني نصيب، لا خلاق أي لا نصيب.
(( ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )) لا يكلمهم الله يعني تكليم رضا، أما تكليم الغضب فإنه ربما يكلمهم، ولهذا إذا قال أهل النار : (( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون )) يقول الله لهم : (( اخسؤوا فيها ولا تكلمون )) فيكلمهم. (( ولا ينظر إليهم )) أي نظر رحمة ورأفة، وليس المراد نفي النظر العام لأن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ينظر كل شيء، لا ينظر إليهم نظر رحمة ورأفة.
ولا يزكيهم أي لا يجعلهم من الزاكين لأنهم ليسوا أهلاً لذلك فليس عندهم زكاء، وبانتفاء هذه الأشياء لا خلاق ولا كلام ولا نظر ولا تزكية أتى بعد ذلك بالأمر الثبوتي فقال : (( ولهم عذاب أليم )) فهذا وعيد والعياذ بالله من اشترى بعهد الله ويمينه ثمناً قليلاً، وفي حديث أبي ذر المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) قالها ثلاثاً، فقال أبو ذر : "خابوا وخسروا يا رسول الله من هم؟" قال : ( المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) المنفق أي المروج أو الذي يزيد في ثمن سلعته بالحلف الكاذب فهذا ممن اشترى بأيمانه ثمناً قليلاً.
قال : وقوله جل ذكره : (( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم )) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا أي لا تجعلوا الحلف بالله عرضة لأيمانكم أن تبروا يعني إذا حلفتم على بر فلا تجعلوا هذا اليمين مانعاً لكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، مثاله : قال والله لا أصلي الضحى اليوم، ثم قيل له صل، قال قد حلفت، ماذا نقول له؟ نقول لا تجعل الله عرضة لأيمانك أن تبر، افعل البر.
(( وتتقوا )) قال والله لأفعلن كذا وكذا يقول والله لأشربن الخمر فقيل له اتق الله لا تشربها قال قد حلفت؟ ماذا نقول له؟ نقول لا تجعل الله عرضة ليمينك أن تتقي الله، اتق الله لا تمنعك اليمين من التقوى.
(( وتصلحوا بين الناس )) جاء رجل لآخر وقال له سمعت أن بينك وبين فلان خصومة فعلك تصلح مع الرجل فالصلح خير قال : ارجع وراءك ما لك تتدخل بينا فقال والله لا أصلح بينهما، ثم جيء لهذا الحالف وقيل له أما علمت يا فلان بين وفلان مشاحة أصلح بينهما فقال لقد حلفت، ماذا نقول له؟ نقول لا تجعل الله عرضة لأيمانك أن تصلح بين الناس. هذا هو معنى الآية، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو ) هذا هو معنى الآية. وقال تعالى : (( والله سميع عليم )) سميع لأقوالكم عليم بأحوالكم.
وقوله جل ذكره : (( ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون )) لا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً المراد بالثمن القليل ما كان من أمر الدنيا، إذا عاهد الإنسان ثم غدر من أجل الدنيا فقد اشترى بعهد الله ثمناً قليلاً. قال : (( إنما عند الله هو خير لكم )) يعني إذا وفيتم بالعهد ولو على حساب ما يفوتكم من الدنيا.