حدثنا مسدد عن يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثني أبو جمرة حدثنا زهدم ابن مضرب قال سمعت عمران بن حصين يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران لا أدري ذكر ثنتين أو ثلاثاً بعد قرنه ثم يجيء قوم ينذرون ولا يفون ويخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ويظهر فيهم السمن ) حفظ
القارئ : حدثنا مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني أبو جمرة، حدثنا زهدم بن مضرب، قال: سمعت عمران بن حصين يحدث، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران: لا أدري ذكر ثنتين أو ثلاثاً بعد قرنه - ثم يجيء قوم، ينذرون ولا يفون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، ويظهر فيهم السمن ).
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
قال : "باب إثم من لا يفي بالنذر" لأن الوفاء بالنذر واجب، وترك الواجب يستوجب الإثم، ولكن يجب أن نعلم أن كل معصية رتب عليها الإثم ما عدا الشرك بالله فإنه تحت المشيئة ولهذا يقال مثلاً الواجب يستحق تاركه العقاب وما يجزم، ما يقال يعاقب إلا إذا أراد القائل بقوله يعاقب أي حكماً لا عيناً فهذا صحيح، أما عين الشخص لا نجزم أن يعاقب كل من ترك واجباً أو كل من فعل محرماً لأن الله يقول : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لم يشاء )) فقول المؤلف : إثم من لا يفي بالنذر المراد به الجنس الحكم، وليس المراد به الشخص ، فالشخص لا نجزم بأنه يأثم، قد يعفى عنه.
وقوله : "من لا يفي بالنذر"، يعني النذر الذي يجب الوفاء به وهو نذر الطاعة، وقد سبق لنا أنا قسمنا النذر إلى كم؟ خمسة أقسام، وبينا حكم كل قسم.
ثم ذكر قول الرسول عليه السلام : ( خيركم قرني ) إلى آخره، خيركم يعني الخطاب للصحابة مباشرة وللأمة حكماً، فهو للأمة جميعا، خير الأمة قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال عمران : " لا أدري ذكر ثنتين أو ثلاثة " والمعروف أنه اثنتان بعد قرنه، وهو الذي يعبر عنه العلماء بالقرون الثلاثة المفضلة.
( ثم يجيء قوم ينذرون ولا يوفون ) هذا محل الشاهد، وهذا على سياق الذم، يعني ينذرون ولا يوفون، والنذر يراد به هنا النذر الذي هو نذر لله عز وجل، ويشمل ما هو أعم، فيشمل العهد بين الإنسان وبين غيره من الناس، فتجده يعاهد ولا يفي.
( ويخونون ولا يؤتمنون ) قد يقول قائل : إن المتبادر أن يقول : يؤتمنون فيخونون، وهنا قدم الخيانة قال : ( يخونون ولا يؤتمنون ) والمعنى يختلف اختلافا عظيما، لأنه إذا قيل : يؤتمنون فيخونون معناه أنه تقع منهم الخيانة مرة واحدة، أما إذا قال : يخونون فلا يؤتمنون معناه أن الخيانة سجية وخلق لهؤلاء فهم يخونون ولا يأتمنهم الناس لعلمهم أنهم خونة.
طيب، ( ويشهدون ولا يستشهدون ) يشهدون بالشيء من غير أن تطلب منهم الشهادة، ولكن ما معنى من غير أن تطلب منهم الشهادة؟ هل المعنى من غير أن تطلب منهم الشهادة أداء، أو المعنى من غير أن تطلب منهم الشهادة تحملا؟ أي يشهدون بشيء لا يعلمون عنه؟
الحديث محتمل، فعلى المعنى الثاني لا إشكال في ذم هؤلاء الذين يشهدون بدون أن يتحملوا الشهادة لأنهم إذا شهدوا بدون أن يتحملوها صاروا شهداء زور، وشهادة الزور من أكبر الكبائر. أما على المعنى الثاني وهو الذي صدرنا به الكلام، وهو أن يؤدوا الشهادة قبل أن تسأل منهم فهذا فيه إشكال.