تتمة القراءة من الشرح حفظ
القارئ : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، قال ابن حجر رحمه الله تعالى .
شيخ هذا كلام ابن حجر على الحديث ، الإشكال .
الشيخ : حديث عبادة ؟.
القارئ : نعم ، الحدود كفارة .
في كتاب الإيمان الباب الثامن عشر ، قال : " قوله : فهو ، أي العقاب كفارة، زاد أحمد : له ، وكذا هو للمصنف من وجه آخر في باب المشيئة من كتاب التوحيد، وزاد : وطهور.
قال النووي : عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة.
قلت : وهذا بناء على أن قوله : من ذلك شيئا ، يتناول جميع ما ذكر، وهو ظاهر، وقد قيل : يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه، ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأشعث عن عبادة في هذا الحديث : ( ومن أتى منكم حدا ) إذ القتل على الشرك لا يسمى حدا، لكن يعكر على هذا القائل أن الفاء في قوله : ( فمن ) لترتب ما بعدها على ما قبلها ... "
.
الشيخ : لاحظوا القاعدة هذه، الفاء لترتب ما بعدها على ما قبلها، ليتبين لكم ضعف قول شيخ الإسلام رحمه الله في أن الإخوة إذا كانوا محجوبين بالأب فإنهم لا يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، لأن الآية بالفاء (( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث )) وش قال ؟
(( فإن كان له إخوة فلأمه السدس ))، فالفاء تدل على أن الجملة هذه مرتبطة بما قبلها ، فيكون فيه دليل على ضعف كلام شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة وهو أن الإخوة إذا كانوا محجوبين بالأب لا يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، والصحيح أنهم يحجبونها ، ولو كانوا محجوبين بالأب . نعم .
القارئ : " وخطاب المسلمين بذلك لا يمنع التحذير من الإشراك، وما ذكر في الحد عرفي حادث، فالصواب ما قال النووي.
وقال الطيبي : الحق أن المراد بالشرك الشرك الأصغر وهو الرياء، ويدل عليه تنكير شيئا ، أي شركا أيا ما كان، وتعقب بأن عرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد، وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب والأحاديث حيث لا يراد به إلا ذلك، ويجاب بأن طلب الجمع يقتضي ارتكاب المجاز، فما قاله محتمل وإن كان ضعيفا، ولكن يعكر عليه أيضا أنه عقب الإصابة بالعقوبة في الدنيا، والرياء لا عقوبة فيه، فوضح أن المراد الشرك وأنه مخصوص.
وقال القاضي عياض : ذهب أكثر العلماء أن الحدود كفارات، واستدلوا بهذا الحديث، ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا؟ ) لكن حديث عبادة أصح إسنادا، ويمكن يعني على طريق الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولا قبل أن يعلمه الله ثم أعلمه بعد ذلك.
قلت : حديث أبي هريرة أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار من رواية معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وهو صحيح على شرط الشيخين.
وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر، وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله ، وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله.
قلت : وقد وصله آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب ، وأخرجه الحاكم أيضا فقويت رواية معمر.
وإذا كان صحيحا فالجمع الذي جمع به القاضي حسن، لكن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة هذا كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة الأولى بمنى، وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر ، فكيف يكون حديثه متقدما ؟
وقالوا في الجواب عنه : يمكن أن يكون أبو هريرة ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قديما، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : أن الحدود كفارة ، كما سمعه عبادة، وفي هذا تعسف، ويبطله أن أبا هريرة صرح بسماعه، وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك.
والحق عندي أن حديث أبي هريرة صحيح وهو ما تقدم على حديث عبادة، والمبايعة المذكورة في حديث عبادة على الصفة المذكورة لم تقع ليلة العقبة، وإنما كان ليلة العقبة ما ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن حضر من الأنصار : ( أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ) فبايعوه على ذلك، وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه، وسيأتي في هذا الكتاب في كتاب الفتن وغيره من حديث عبادة أيضا قال : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ) الحديث.
وأصرح من ذلك في هذا المراد ما أخرجه أحمد والطبراني من وجه آخر عن عبادة أنه جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام فقال : يا أبا هريرة، إنك لم تكن معنا إذ : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا، ولنا الجنة فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها )، فذكر بقية الحديث وعند الطبراني له بطريق أخرى وألفاظ قريبة من هذه.
وقد وضح أن هذا هو الذي وقع في البيعة الأولى ثم صدرت مبايعات أخرى ستذكر في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى، منها هذه البيعة التي في حديث الباب في الزجر عن الفواحش المذكورة، والذي يقوي أنها وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة وهي قوله تعالى : (( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك )) ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف.
والدليل على ذلك ما عند البخاري في كتاب الحدود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري في حديث عبادة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايعهم قرأ الآية كلها .
وعنده في تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال: ( قرأ آية النساء )، ولمسلم من طريق معمر عن الزهري قال: ( فتلا علينا آية النساء ) قال : أن لا تشركن بالله شيئا.
وللنسائي من طريق الحارث بن فضيل عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا تبايعونني على ما بايع عليه النساء : أن لا تشركوا بالله شيئا ) الحديث.
وللطبراني من وجه آخر عن الزهري بهذا السند : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بايع عليه النساء يوم فتح مكة )، ولمسلم من طريق أبي الأشعث عن عبادة في هذا الحديث : ( أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء ).
فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية بل بعد صدور البيعة، بل بعد فتح مكة، وذلك بعد إسلام أبي هريرة بمدة.
ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا ) فذكر نحو حديث عبادة ورجاله ثقات، وقد قال إسحاق بن راهويه : إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب فهو كأيوب عن نافع عن بن عمر. اهـ.
وإذا كان عبد الله بن عمرو أحد من حضر هذه البيعة، وليس هو من الأنصار ولا ممن حضر بيعتهم، وإنما كان إسلامه قرب إسلام أبي هريرة ، وضح تغاير البيعتين بيعة الأنصار ليلة العقبة وهي قبل الهجرة إلى المدينة ، وبيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة وشهدها عبد الله بن عمرو ، وكان إسلامه بعد الهجرة بمدة طويلة.
ومثل ذلك ما رواه الطبراني من حديث جرير قال : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ما بايع عليه النساء ) فذكر الحديث وكان إسلام جرير متأخرا عن إسلام أبي هريرة على الصواب.
وإنما حصل الالتباس من جهة أن عبادة بن الصامت حضر البيعتين معا، وكانت بيعة العقبة من أجلِّ ما يتمدح به ، فكان يذكرها إذا حدث تنويها بسابقيته، فلما ذكر هذه البيعة التي صدرت على مثل بيعة النساء عقِب ذلك توهم من لم يقف على حقيقة الحال أن البيعة الأولى وقعت على ذلك.
ونظيره ما أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده وكان أحد النقباء قال: ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب ) ... "
.
باقي صفحة كاملة .
الشيخ : ما تكلم على : فهو كفارة له، ما ذكر أنه يستثنى منها شيء ؟
القارئ : في البداية تكلم ، قال النووي : ...
الشيخ : لا في البداية فقط بحث هل أنه يشمل الشرك أو لا فقط ؟، هذا معروف أنه ما يشمل الشرك، لأن المشرك لو قتل على شركه ما ينفعه، لكن الكلام على أنه ظاهر الحديث أنه كفارة ولا يعاقب عليه في الآخرة، وآية قطاع الطريق صريحة في أنه يقام عليهم الحد ولهم في الآخرة عذاب عظيم، فهذه مستثناة، هذا هو محل الإشكال.
في آخره .
القارئ : فعوقب به ؟.
الشيخ : نعم .
القارئ : " وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني لم أر من أزال اللبس فيه على الوجه المرضي والله الهادي.
قوله : ( فعوقب به )، قال ابن التين : يريد به القطع في السرقة والجلد أو الرجم في الزنى.
قال : وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة إلا أن يريد قتل النفس فكنى عنه.
قلت : وفي رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث : (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق )) ولكن قوله في حديث الباب : ( فعوقب به ) أعم من أن تكون العقوبة حدا أو تعزيرا.
قال ابن التين وحكي عن القاضي إسماعيل وغيره : أن قتل القاتل إنما هو رادع لغيره وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق.
قلت : بل وصل إليه حق وأي حق فإن المقتول ظلما تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان وغيره : ( إن السيف محاء للخطايا ).
وعن ابن مسعود قال : ( إذا جاء القتل محا كل شيء ) رواه الطبراني.
وله عن الحسن بن علي نحوه ، وللبزار عن عائشة مرفوعا : ( لا يمر القتل بذنب إلا محاه فلولا القتل ما كفرت ذنوبه ) وأي حق يصل إليه أعظم من هذا، ولو كان حد القتل إنما شرع للردع فقط لم يشرع العفو عن القاتل ... "
.
الشيخ : كلام ابن حجر ضعيف جدا، لأن كون الله عز وجل يعطي المقتول ظلما هذا الأجر ، هذا من الله، لكن حق المقتول على القاتل ثابت.
القارئ : " وأي حق يصل إليه أعظم من هذا، ولو كان حد القتل إنما شرع للردع فقط لم يشرع العفو عن القاتل.
وهل تدخل في العقوبة المذكورة المصائب الدنيوية من الآلام والأسقام وغيرها ؟ فيه نظر، ويدل للمنع قوله : ( ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله عليه ) فإن هذه المصائب لا تنافي الستر، ولكن بينت الأحاديث الكثيرة أن المصائب تكفر الذنوب، فيحتمل أن يراد أنها تكفر ما لا حد فيه، والله أعلم.
ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود، وهو قول الجمهور، وقيل لا بد من التوبة، وبذلك جزم بعض التابعين، وهو قول للمعتزلة، ووافقهم ابن حزم، ومن المفسرين البغوي وطائفة يسيرة.
واستدلوا باستثناء من تاب في قوله تعالى : (( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم )) . والجواب في ذلك أنه في عقوبة الدنيا ولذلك قيدت بالقدرة عليه.
قوله : ثم ستره الله، زاد في رواية كريمة : عليه.
قوله : فهو إلى الله، قال المازني : فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ورد على المعتزلة "
.
الشيخ : ما ذكر المسألة.
على كل حال نقول : يستثنى من ذلك قطاع الطريق وذلك لعظم جرمهم ، فإنه يجمع لهم بين العقوبتين عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة.
السائل : ... يعني يكافئ المقتول في الآخرة ؟.
الشيخ : إذا تاب إلى الله، فإن الله تعالى قد يتوب عليه، ويكافئه في الآخرة ، وإلا فيؤخذ من حسنات القاتل .