تتمة شرح الحديث حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قصة قدوم عمر رضي الله عنه المدينة بعد أن حج آخر حجة ، قال : " إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده " ، وتعرضنا في الدرس الماضي للفظ الآية المنسوخة، وقلنا إن المشهور أن لفظها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم، وقلنا إن هذا اللفظ لا يطابق الحكم وعلى هذا فيكون غير محفوظ لأن الحكم معلق بالثيوبة سواء كان شيخا أم شابا، وكذلك البكارة سواء كان شيخا أو شابا ، طيب وقوله : " ورجمنا بعده " ليبين أن الحكم لم يزل باقيا ولم ينسخ، وتعرضنا للنسخ الموجود في القرآن وذكرنا أنه على ثلاثة أقسام، نسخ اللفظ فقط والحكم فقط، ونسخهما جميعا ، وبينا الحكمة فيما إذا نسخ اللفظ فقط، وبقي علينا الحكمة فيما إذا نسخ الحكم فقط ، الحكمة فيما إذا نسخ الحكم فقط وبقي اللفظ :
أولا : زيادة الأجر والثواب بما بقي من القرآن، فإن في كل حرف كم ؟ عشر حسنات.
ثانيا : تذكير المسلمين بنعمة الله عليهم بالتخفيف أو بزيادة الأجر إن كان النسخ إلى أشق، لأن النسخ إما أن يكون إلى أشق أو إلى أخف، فإن كان إلى أخف وبقي اللفظ الذي فيه الأشد فهو تذكير للمسلمين بنعمة الله عليهم بالتخفيف، مثل : آيتي المصابرة، كانت الأولى تدل على أنه لا بد أن الإنسان يصابر عشرة من المشركين فإن لم يصابرهم فليس بصابر، وفي الثانية يصابر الواحد اثنين، وبينهما فرق ، وإذا كان الأمر إلى أشد فإنه لزيادة الثواب والأجر، كما في الصلاة المفروضة نسخت من ركعتين إلى أربع ركعات، وهذا فيه نوع من المشقة زيادة على الركعتين ولكن لأجل كثرة الثواب ، نعم
يقول : " فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة " والذي خشيه رضي الله عنه وقع وضلوا بترك هذه الفريضة وقالوا : الرجم إنما ثبت بخبر آحاد لا بالقرآن، الذي في القرآن : (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )) فلا قبول، ولا شك أن ما جاء في السنة فهو كما جاء في القرآن، بل إن هذا جاء في القرآن لكن نسخ ، قال : " والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن "، قوله : " في كتاب الله " سبق أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( لأقضين بينكما بكتاب الله ) ، " على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة " أحصن يعني إيش ؟ يعني تزوج بالشروط التي عرفتم، لا بد من جماع في نكاح صحيح، وهما بالغان عاقلان حران، خمسة شروط ، قال : " إذا قامت البينة " وهي أربعة رجال كما سبق ، " أو كان الحبل أو الاعتراف " الحبل يعني الحمل، وسبق الخلاف في هذه المسألة، وأن الصواب ما قاله عمر أنه إذا حملت المرأة وجب حدها ما لم تدع شبهة ، ولكن هل ترجم وهي حامل ؟ لا ، يجب تأخير الرجم حتى تضع وتسقي ولدها اللبأ ، اللبأ أول حليب يكون فيها بعد الولادة، لأن هذا اللبا مع كونه غذاء بمنزلة الدبغ للمعدة، يدبغها، ولهذا من لم يشرب هذا اللبا فإنه يكون دائما في مرض، ثم إذا وجد من يرضعه بعد سقي اللبا أقيم عليها الحد، وإن لم يوجد تركت حتى تفطمه ، " ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو: إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم " هذا أيضا مما نسخ لفظا أو حكما ؟ لفظا، وأما حكما فهو باق، فإن من الكفر أن يرغب الإنسان عن أبيه يعني يزهد فيه وينتسب إلى غيره، مثل أن يكون الرجل من غير قبيلة معروفة فيقول : أنا فلان بن فلان لقبيلة معروفة، أو يكون كما تقول العامة عندنا : يكون خضيريا، والخضيري هو الذي لا ينتسب إلى قبيلة معروفة من العرب فينتسب إلى رجل قبيلي ، أو يكون من القبائل القبلية ولكن ينتسب إلى من هم أشرف وأكثر اعتبارا عند الناس ، المهم أن أسباب الانتساب إلى غير الأب كثيرة، قد يكون من جملة ذلك أن يكون فقيرا فينتسب إلى أب إيش ؟ غني ، قال : " ألا ثم " ألا هذه للتنبيه ويقال للاستفتاح، وهي لاستفتاح ما بعدها وإن كانت في أثناء الجملة، وفائدتها التنبيه تنبيه المخاطب، وإنما أشار إليها بالتنبيه رضي الله عنه لخطورتها وعظمها ، قال : " ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله ) " الإطراء هو المبالغة في المدح والغلو فيه، وعيسى بن مريم أطري، حيث جعله النصارى إلها أو بعض إله أو ابنا لله، فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم ) وهل هذا التشبيه قيد، فيكون المعنى : أطروني لكن دون ذلك، أو هو تعليل ويكون المعنى : لا تطروني مطلقا ؟ الظاهر الثاني لأن الإطراء هو المبالغة في المدح والغلو فيه، والرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( قولوا عبد الله ورسوله ) وهذان الوصفان أشرف وصف للرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون عبدا لله ورسولا له، وما زال الأحباب يجعلون أنفسهم عبيدا للمحبوبين، فقد قال الشاعر يعرض بمعشوقته، يقول :
لا تدعني إلا بيا عبدها *** فإنه أشرف أسمائي
قل : يا عبد فلانة، هذا أشرف أسمائي، فالعبودية لله لا شك أنها من أشرف أوصاف الإنسان ، وهو أيضا رسول فيجب أن يصدق لأنه رسول ربنا عز وجل، فيجب أن يصدق وقد قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : " عبد لا يعبد ورسول لا يكذب " تفسير مختصر مفيد، عبد لا يعبد ورسول لا يكذب يعني هذا الواجب أن لا يعبد لكونه عبدا، والعبد لا يعبد، العبد مربوب ليس ربا حتى يعبد، ورسول لا يكذب بل يصدق فيما أخبر به ويمتثل أمره فيما أمر به ، " ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله " إلى آخره، هذا هو بيت القصيد، وحينئذ قد يقع سؤال : لماذا أتى عمر رضي الله عنه بالأحكام الثلاثة السابقة مع أن الغرض من هذه الخطبة هو إيش ؟ الرد على هذا القائل الذي قال : لو هلك عمر لبايعت فلانا ؟ فالجواب عندي والله أعلم أن الحكمين الأولين وهما : رجم الزاني المحصن والرغبة عن الآباء من القرآن، فخشي رضي الله عنه إن طال بالناس زمان أن ينكروا كونها من القرآن، فهي من المنسوخ لفظه الباقي حكمه، وهذا أمر مهم بل هذا أمر خطير أن ينكر الإنسان حكما ثابتا بالقرآن ، وإن كان القرآن منسوخا فحكمه باق، أما المسألة الأخيرة الحكم الأخير وهو النهي عن الغلو برسول الله صلى الله عليه وسلم فظاهر لأنه يقرر التوحيد رضي الله عنه، وهذا من أهم شيء أن يقرر التوحيد، فقد قرر عمر التوحيد في آخر خطبه في آخر حياته كما قرره أبو بكر في أول خطبه في أول خلافته، ماذا قال ؟ أبو بكر أول ما خطب الناس قال : " ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " ثم قرأ : (( إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون )) أو قرأ : (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )) ، انتقل رضي الله عنه إلى بيت القصيد كما يقولون "بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت " ما معنى قوله : " وتمت " ؟ أي سلمت من التنغيص والخروج عليه ، وصارت بيعة صحيحة لازمة للمسلمين ، " ألا وإنها قد كانت كذلك " وش معنى كذلك ؟ يعني فلتة ، " ولكن وقى الله شرها " وقى الله شرها بماذا ؟ بما جبل الله عليه أبا بكر من حسن الرعاية والولاية ، ولهذا خضع الأنصار لهذه البيعة بعد أن كانوا في الأول رافعي رؤوسهم يريدون أن تكون الإمرة لهم، ويقولون : أنتم وفد علينا، يقولون للمهاجرين، شف سبحان الله العظيم، أول ما قدم المهاجرون ماذا صنعوا معهم ؟ واسوهم بالمال وبكل شيء، حتى إن الواحد من الأنصار يطلب من المهاجري أن يتنازل له عن زوجته فيتزوجها، لكن في النهاية لعب الشيطان في بعضهم وأرادوا أن تكون الإمرة لهم وقالوا : أنتم وفدتم إلينا، ونحن أهل البلد فدخلت فيهم نعرة الجاهلية، وغالب ظني أن سبب ذلك ما انتشر بينهم من المنافقين لأن المنافقين كما تعرفون هم الذين يولدون هذه النعرة الجاهلية كما في غزوة بني المصطلق وغيرها، فهؤلاء المنافقون أفسدوا ما كان عليه الأنصار رضي الله عنهم من الإيثار والمحبة والمودة، ولكن وقى الله شرها ، ثم بين السبب رضي الله عليه فقال : " وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر " شهادة عظيمة، يعني لا يوجد أحد منك مثل أبي بكر، حتى ولو عمر ليس مثل أبي بكر رضي الله عنه، ولهذا أذل الله له القلوب لأبي بكر حتى تمت البيعة تماما ولم يتخلف أحد عن بيعته أبدا سوى ما يذكر من قصة فاطمة رضي الله عنها، ولكن فاطمة لم تطل مدتها بل ماتت بعد ستة أشهر من موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعرفون قصة فاطمة أنها لمسألة دنيوية، لكنها صار في قلبها على أبي بكر شيء من الشره لأنه أحب الناس إلى أبيها، فظنت أن ما صنعه رضي الله عنه من باب الاجتهاد، فصار في نفسها عليه شيء، مع أن ما فعله أبو بكر من حرمان الإرث إنما كان بالنص، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة )
أما علي رضي الله عنه فقد بايع فقيل إنه بايع سرا قبل موت فاطمة مراعاة لها، وذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام غضب على علي حين أراد أن يتزوج عليها بنت أبي جهل وقال : ( فاطمة بضعة مني يريبها ما رابني ) فلما رأى أنها لم تبايع كأنه يعني داهنها أو وافقها، وقيل إنه بايع سرا، وهذا هو الأليق به رضي الله عنه أن لا يخرج عن الجماعة ، على كل حال أبو بكر رضي الله عنه أفضل الأمة بلا شك، أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر، ولهذا سخر الله له الخلق وأذل له الأعناق حتى بايعوا جميعا ولم يتخلف أحد، وتمت له الأمور ولله الحمد ، ثم قال : " من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه " معلوم لأن المبايعة معناه جعل هذا المبايع وليا على من ؟ على المسلمين وهذا لا يمكن، لا يمكن أن يكون كذلك، أن يكون وليا على المسلمين من غير مشورة المسلمين، لا بد من المشورة إلا إذا عُهد إلى الولي الثاني من الأول، فإذا عهد إلى الولي الثاني من الأول تمت البيعة، مثل بيعة عمر رضي الله عنه، فإن أبا بكر نص على عمر، ولاه وجعله ولي عهد له، فحينئذ لا حاجة للمبايعة لأن المسلمين وثقوا بالأول وولوه أمورهم على سبيل الإطلاق فإذا اختار لهم من يرى أنه أهل نفذت البيعة بدون أن يكون هناك مشاورة مع أن عمر رضي الله عنه كان يرى المشاورة حتى في خلافته، لأنه لما طعن رضي الله عنه قال : لو كان أبو عبيدة حيا، أبو عبيدة عامر بن الجراح لو كان حيا لوليته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنه إنه أمين هذه الأمة ، شف سبحان الله العظيم الاستنباط العظيم، قال إذا كان الرسول جعله أمين هذه الأمة فهو أمين، فلو كان حيا لوليته، ولكنه قد توفي قبل وفاة عمر رضي الله عنه فجعل المسألة شورى بين ستة أنفار ، ثم قال : " يحضركم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء " ابنه يحضر لكن ما له شيء من الولاية ، لماذا يحضر ؟ تطييبا لخاطره فهو عضو مراقب كما يقولون في العرف الحاضر ليس له رأي لكنه رضي الله عنه أراد أن يجبر خاطره بدون أن يجعل له ولاية ، على كل حال يقول : " فلا يبايع هو ولا الذي بايعه " وش عندكم تغرة ؟ وش معناها ؟ .. المعنى إذن واضح، يعني معناها أن هذا العمل قد يكون سببا لقتلهما كيف ذلك ؟ لأنه إذا كان المسلمون لا يرضونهما فإنهم لن يصبروا عليهما، ولكن قد يقال : كيف قال عمر هكذا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج على الأئمة وإن فعلوا ما فعلوا ما لم نر كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان ؟ قلنا : إن هذين الرجلين لم يثبت كونهما أئمة، إلى الآن لم تثبت إمامة المبايع، لكن لو ثبتت إمامة المبايع فإنه لا يجوز الخروج عليه حتى لو شرب الخمر ولو زنا ولو فعل ما فعل إذا لم يكن هناك كفر صريح عندنا فيه من الله برهان، فيكون قول عمر هنا لا يعارض الحديث، وذلك لأن هذه الصورة التي ذكرها عمر لم تتم فيها الإمامة حتى نقول إن هذا خروج على الإمام ، ثم قال رضي الله عنه : " وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أيش ؟ أن الأنصار ! أنا عندي إلا لكن في بعض النسخ زائدة يقول ، أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة " مكان معروف في المدينة " وخالف عنا علي والزبير ومن معهما " علي ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام فيرى أن لنفسه حقا، الزبير ابن عمة الرسول لأن أمه صفية بنت عبد المطلب، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( لكل نبي حواري وإن حواري الزبير ) فرأى لنفسه حقا