حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ) حفظ
القارئ : حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبي بردة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله )
الشيخ : قوله باب كم التعزير والأدب يجب أن نعلم ما معنى التعزير ، التعزير يطلق بمعنى النصرة ويطلق بمعنى التأديب ، فمن إطلاقه بمعنى النصرة قوله تعالى : (( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه )) أي تنصروه ، ومن الإطلاق بمعنى التعزير ما شاع عند أهل العلم ، التعزير هو التأديب وقول المؤلف : " والأدب " من باب عطف المثل على مثله ، كقول الشاعر :
فألفا قولها كذبا ومينا.
وإذا كان التعزير بمعنى الأدب فهل هو واجب أو مستحب أو يرجع فيه إلى المصلحة ؟
فيها أقوال ثلاثة ، قول أنه مستحب ، وقول أنه واجب وأنه يجب على الإمام أن يعزر في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة ، والقول الثاني أنه يرجع فيه إلى المصلحة، وهذا القول هو الصحيح ، فإذا اقتضت المصلحة أن يعزر وجب ، وإذا اقتضت المصلحة أن لا يعزر امتنع التعزير ، وإذا تساوى الأمران فليستخر الله عز وجل هل يعزر أو لا ، وإذا كان التعزير هو الأدب فقد قال العلماء إنه واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ، كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة فإنه يعزر عليها ، والمعصية إما ترك واجب وإما فعل محرم، فترك الواجب يعزر ويكرر التعزير عليه حتى يقوم الإنسان بالواجب لأن المقصود إصلاح الحال ، والمحرم لا يكرر التعزير عليه يكتفى بما حصل ، اللهم إلا أن تعود المعصية مرة أخرى ، أما ما فيه الكفارة فإنه لا يعزر عليه اكتفاء بالكفارة ، وما فيه الحد لا يعزر عليه اكتفاء بالحد ، وكذلك القصاص لا يعزر عليه اكتفاء بالقصاص.
ثم إن المؤلف رحمه الله ساق حديث أبي بردة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد ) فقوله : ( لا يجلد ) خبر بمعنى النهي ، وقوله : ( إلا في حد ) ، اختلف العلماء في المراد بالحد فقيل إنه العقوبة ، لأن الحد يطلق على العقوبة كما في حديث عبد الرحمن بن عوف بمحضر من الصحابة قال : ( أخف الحدود ثمانون ) ، وقيل المراد بالحد محارم الله يعني لا يجلد فوق عشر أسواط إلا في المحارم ، أما ما كان للتأديب على أمر عادي فإنه لا يجلد فوق عشرة أسواط ، والفرق بين القولين ظاهر، فلو أن رجلا أمسك برجل وضربه أو أخذ ماله أو ما أشبه ذلك، أو أمسك بامرأة وقبلها وفعل كل شيء إلا الجماع ، فإذا قلنا المراد بالحدود محارم الله جاز أن نعزر هذا الرجل الذي فعل بالمرأة ما فعل إلى ثمانين جلدة أو تسعين جلدة لماذا ؟ لأنه أتى محرما من محارم الله ، هذا إذا قلنا بأن الحدود هي المحارم ، أما إذا قلنا بأن الحدود هي العقوبات فإن هذا الرجل الذي فعل بالمرأة ما فعل لا نجلده إلا تسع جلدات أو عشر جلدات على القول الثاني ، والصحيح أن المراد بالحدود محارم الله فما كان من مخالفات عادية فإنه لا يتجاوز فيه عشر جلدات ، وما كان من مخالفات شرعية فإنه لا بد أن يجلد جلدا يحصل به التعزير، ومن المعلوم أننا لو عزرنا الرجل الذي فعل بالمرأة ما فعل كما ذكرت لكم لو جلدناه عشر مرات ، فإن هذا لا يحصل به التأديب ، أليس كذلك ؟ بل سيخرج ويفعل بامرأة أخرى ، عشر جلدات ما تهم عنده ، أما الأمور العادية فإنه يجلد عليها إلى تسع مرات إلى عشر مرات ولا يزاد ، مثل لو إنسان قال لابنه : يا بني اجلس في المجلس ، وإذا استأذن أحد فأذن له فسمع الابن جلبة في السوق صبيانا يعلبون كرة فخرج إليهم وترك المجلس ، ثم جاء والده ليضربه ماذا نقول له ؟ لا تتعدى عشر أسواط.