تتمة القراءة من الشرح مع تعليق الشيخ . حفظ
القارئ : قال في كتاب النكاح " : باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا.
قال : حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا ابن عيينة، أنه سمع الزهري، يقول: أخبرني الحسن بن محمد بن علي، وأخوه عبد الله بن محمد، عن أبيهما : ( أن عليا رضي الله عنه، قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية، زمن خيبر ).
ثم ساق بسنده قال: سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخَّص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة؟ أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم .
وبسند آخر عن محمد عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: كنا في جيش، فأتانا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا ).
وعن سلمة بن الأكوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما رجل وامرأة توافقا، فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبا أن يتزايدا، أو يتتاركا تتاركا )، فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال أبو عبد الله: وبينه علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ.
قال في الشرح : قوله: باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا، يعني تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة.
وقوله في الترجمة: " أخيرا " يفهم منه أنه كان مباحا وأن النهي عنه وقع في آخر الأمر، وليس في أحاديث الباب التي أوردها التصريح بذلك، لكن قال في آخر الباب أن عليا بين أنه منسوخ.
وقد وردت عدة أحاديث صحيحة صريحة بالنهي عنها بعد الإذن فيها، وأقرب ما فيها عهدا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء، فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع.
وسأذكر الاختلاف في حديث سبرة هذا، وهو ابن معبد بعد هذا الحديث الأول.
قوله: أخبرني الحسن بن محمد بن علي أي بن أبي طالب، وأبوه محمد هو الذي يعرف بابن الحنفية، وأخوه عبد الله بن محمد، أما الحسن فأخرج له البخاري غير هذا منها ما تقدم له في الغسل من روايته عن جابر، ويأتي له في هذا الباب آخر عن جابر وسلمة بن الأكوع.
وأما أخوه عبد الله بن محمد فكنيته أبو هاشم، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، ووثقه ابن سعد والنسائي والعجلي ".
الشيخ : شف فقه الأحاديث، الأسانيد ما له داعي.
القارئ : طيب يا شيخ .
القارئ : " قوله أن عليا قال لابن عباس، سيأتي بيان تحديثه له بهذا الحديث في ترك الحيل بلفظ أن عليا قيل له أن بن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا، وفي رواية الثوري ويحيى بن سعيد كلاهما عن مالك عند الدارقطني أن عليا سمع ابن عباس وهو يفتي في متعة النساء، فقال أما علمت، وأخرجه سعيد بن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن الزهري بدون ذكر مالك ولفظه: إن عليا مر بابن عباس وهو يفتي في متعة النساء أنه لا بأس بها، ولمسلم من طريق جويرية عن مالك يُسنده أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان: إنك رجل تائه، وفي رواية الدارقطني من طريق الثوري أيضا تكلّم علي وابن عباس في متعة النساء فقال له علي: إنك امرؤ تائه، ولمسلم من وجه آخر أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال له: مهلا يا ابن عباس، ولأحمد من طريق معمر: رخص في متعة النساء.
قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، في رواية أحمد عن سفيان: نهى عن نكاح المتعة.
قوله: وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، هكذا لجميع الرواة عن الزهري خيبر بالمعجمة أوله والراء آخره إلا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث فإنه قال: حنين بمهملة أوله ونونين، أخرجه النسائي والدارقطني، ونبّها على أنه وهم، تفرد به عبد الوهاب، وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد فقال: خيبر على الصواب، وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ: نهى في غزوة تبوك عن نكاح المتعة، وهو خطأ أيضا.
قوله: زمن خيبر الظاهر أنه ظرف للأمرين، وحكى البيهقي عن الحميدي أن سفيان بن عيينة كان يقول: قوله يوم خيبر يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة.
قال البيهقي: وما قاله محتمل يعني في روايته هذه، وأما غيره فصرح أن الظرف يتعلق بالمتعة، وقد مضى في غزوة خيبر من كتاب المغازي، ويأتي في الذبائح من طريق مالك بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية، وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة أيضا، وسيأتي في ترك الحيل في رواية عبيد الله بن عمر عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وكذا أخرجه مسلم وزاد من طريقة فقال: مهلا يا ابن عباس، ولأحمد من طريق معمر بسنده أنه بلغه أن ابن عباس رخص في متعة النساء فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية، وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري مثل رواية مالك، والدارقطني من طريق ابن وهب عن مالك ويونس وأسامة بن زيد ثلاثتهم عن الزهري كذلك.
وذكر السّهيلي أن ابن عيينة رواه عن الزهري بلفظ: نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم اهـ.
وهذا اللفظ الذي ذكره لم أره من رواية ابن عيينة فقد أخرجه أحمد وابن أبي عمر والحميدي وإسحاق في مسانيدهم عن ابن عيينة باللفظ الذي أخرجه البخاري من طريقه، لكن منهم من زاد لفظ نكاح كما بينته، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن موسى والعباس بن الوليد، وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب جميعا عن ابن عيينة بمثل لفظ مالك، وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة لكن قال: زمن بدل يوم.
قال السّهيلي: ويتصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال، لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر، وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر.
قال: فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري.
وهذا الذي قاله سبقه إليه غيره في النقل عن ابن عيينة، فذكر ابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر، ثم راجعت مسند الحميدي من طريق قاسم بن أصبغ عن أبي إسماعيل السّلمي عنه فقال بعد سياق الحديث: قال ابن عيينة يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ولا يعني نكاح المتعة.
قال ابن عبد البر: وعلى هذا أكثر الناس.
وقال البيهقي: يشبه أن يكون كما قال لصحة الحديث في أنه صلى الله عليه وسلم رخص فيها بعد ذلك ثم نهى عنها، فلا يتم احتجاج علي إلا إذا وقع النهي أخيرا لتقوم به الحجة على ابن عباس.
وقال أبو عوانة في صحيحه: سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة فسكت عنها، وإنما نهى عنها يوم الفتح اهـ.
والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر، كما أشار إليه البيهقي لكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن عليا لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح لوقوع النهي عنها عن قرب، كما سيأتي بيانه.
ويؤيد ظاهر حديث علي ما أخرجه أبو عوانة وصححه من طريق سالم بن عبد الله أن رجلا سأل ابن عمر عن المتعة فقال: حرام، فقال: إن فلانا يقول فيها، فقال: والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين.
قال السهيلي: وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة، فأغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك، ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء، والمشهور في تحريمها أن ذلك كان في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه، وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع.
قال: ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح اهـ.
فتحصّل مما أشار إليه ستة مواطن: خيبر ثم عمرة القضاء، ثم الفتح، ثم أوطاس، ثم تبوك، ثم حجة الوداع، وبقي عليه حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل، فإما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها، أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة.
فأما رواية تبوك فأخرجها إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بثنية الوداع رأى مصابيح وسمع نساء يبكين، فقال: ( ما هذا؟ ) فقالوا: يا رسول الله نساء كانوا تمتعوا منهن، فقال: ( هدم المتعة النكاح والطلاق والميراث ).
وأخرجه الحازمي من حديث جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام ".
الشيخ : يكفي.
على كل حال الآن نقول: الأحاديث الصحيحة فيها على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنها إنما حرمت في عام الفتح، ولا ينافي هذا ما يذكره بعض الرواة أنها في غزوة أوطاس أو غزوة حُنين أو ثقيف لأن السنة واحدة، فعام الفتح هو عام غزوة أوطاس وثقيف وحنين، واضح ؟ لأن غزوة الطائف متصلة بالفتح، حين فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة وقرّر فيها التوحيد خرج إلى أهل الطائف، ما فيها إشكال.
أما غزوة تبوك أو عام حجة الوداع فهذا إن كان محفوظا فهو من باب إعادة الحكم تأكيدا، وإن كان غير محفوظ فقد كفيناه.
بقي النظر في غزوة خيبر فنقول أيضا : إن كان محفوظا والإشكال كله عن ابن عيينة، إن كان محفوظا فتكون المتعة قد نسخت مرتين، وبهذا قد صرح الإمام الشافعي رحمه الله أن المتعة قد نسخت مرتين، كتحريم مكة، فإن مكة كانت حراما ثم أحلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم حرمت، فمن العلماء من يقول ليس عندنا حكم نسخ مرتين إلا المتعة، وتحريم مكة.
المتعة إذا قلنا إنها حرمت في خيبر ثم أحلت في عام الفتح ثم حرمت.
وأما تحريم مكة ففيه نظر لأن حلِّها كان حلا موقتا، أحلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ساعة من النهار فقط، ليس إحلالا مطلقا ثم نسخ، بل إحلال مقيد، وعلى هذا فلا يصح التمثيل به.
قال : حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا ابن عيينة، أنه سمع الزهري، يقول: أخبرني الحسن بن محمد بن علي، وأخوه عبد الله بن محمد، عن أبيهما : ( أن عليا رضي الله عنه، قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية، زمن خيبر ).
ثم ساق بسنده قال: سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخَّص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة؟ أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم .
وبسند آخر عن محمد عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: كنا في جيش، فأتانا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا ).
وعن سلمة بن الأكوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما رجل وامرأة توافقا، فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبا أن يتزايدا، أو يتتاركا تتاركا )، فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال أبو عبد الله: وبينه علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ.
قال في الشرح : قوله: باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا، يعني تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة.
وقوله في الترجمة: " أخيرا " يفهم منه أنه كان مباحا وأن النهي عنه وقع في آخر الأمر، وليس في أحاديث الباب التي أوردها التصريح بذلك، لكن قال في آخر الباب أن عليا بين أنه منسوخ.
وقد وردت عدة أحاديث صحيحة صريحة بالنهي عنها بعد الإذن فيها، وأقرب ما فيها عهدا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء، فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع.
وسأذكر الاختلاف في حديث سبرة هذا، وهو ابن معبد بعد هذا الحديث الأول.
قوله: أخبرني الحسن بن محمد بن علي أي بن أبي طالب، وأبوه محمد هو الذي يعرف بابن الحنفية، وأخوه عبد الله بن محمد، أما الحسن فأخرج له البخاري غير هذا منها ما تقدم له في الغسل من روايته عن جابر، ويأتي له في هذا الباب آخر عن جابر وسلمة بن الأكوع.
وأما أخوه عبد الله بن محمد فكنيته أبو هاشم، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، ووثقه ابن سعد والنسائي والعجلي ".
الشيخ : شف فقه الأحاديث، الأسانيد ما له داعي.
القارئ : طيب يا شيخ .
القارئ : " قوله أن عليا قال لابن عباس، سيأتي بيان تحديثه له بهذا الحديث في ترك الحيل بلفظ أن عليا قيل له أن بن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا، وفي رواية الثوري ويحيى بن سعيد كلاهما عن مالك عند الدارقطني أن عليا سمع ابن عباس وهو يفتي في متعة النساء، فقال أما علمت، وأخرجه سعيد بن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن الزهري بدون ذكر مالك ولفظه: إن عليا مر بابن عباس وهو يفتي في متعة النساء أنه لا بأس بها، ولمسلم من طريق جويرية عن مالك يُسنده أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان: إنك رجل تائه، وفي رواية الدارقطني من طريق الثوري أيضا تكلّم علي وابن عباس في متعة النساء فقال له علي: إنك امرؤ تائه، ولمسلم من وجه آخر أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال له: مهلا يا ابن عباس، ولأحمد من طريق معمر: رخص في متعة النساء.
قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، في رواية أحمد عن سفيان: نهى عن نكاح المتعة.
قوله: وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، هكذا لجميع الرواة عن الزهري خيبر بالمعجمة أوله والراء آخره إلا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث فإنه قال: حنين بمهملة أوله ونونين، أخرجه النسائي والدارقطني، ونبّها على أنه وهم، تفرد به عبد الوهاب، وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد فقال: خيبر على الصواب، وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ: نهى في غزوة تبوك عن نكاح المتعة، وهو خطأ أيضا.
قوله: زمن خيبر الظاهر أنه ظرف للأمرين، وحكى البيهقي عن الحميدي أن سفيان بن عيينة كان يقول: قوله يوم خيبر يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة.
قال البيهقي: وما قاله محتمل يعني في روايته هذه، وأما غيره فصرح أن الظرف يتعلق بالمتعة، وقد مضى في غزوة خيبر من كتاب المغازي، ويأتي في الذبائح من طريق مالك بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية، وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة أيضا، وسيأتي في ترك الحيل في رواية عبيد الله بن عمر عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وكذا أخرجه مسلم وزاد من طريقة فقال: مهلا يا ابن عباس، ولأحمد من طريق معمر بسنده أنه بلغه أن ابن عباس رخص في متعة النساء فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية، وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري مثل رواية مالك، والدارقطني من طريق ابن وهب عن مالك ويونس وأسامة بن زيد ثلاثتهم عن الزهري كذلك.
وذكر السّهيلي أن ابن عيينة رواه عن الزهري بلفظ: نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم اهـ.
وهذا اللفظ الذي ذكره لم أره من رواية ابن عيينة فقد أخرجه أحمد وابن أبي عمر والحميدي وإسحاق في مسانيدهم عن ابن عيينة باللفظ الذي أخرجه البخاري من طريقه، لكن منهم من زاد لفظ نكاح كما بينته، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن موسى والعباس بن الوليد، وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب جميعا عن ابن عيينة بمثل لفظ مالك، وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة لكن قال: زمن بدل يوم.
قال السّهيلي: ويتصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال، لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر، وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر.
قال: فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري.
وهذا الذي قاله سبقه إليه غيره في النقل عن ابن عيينة، فذكر ابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر، ثم راجعت مسند الحميدي من طريق قاسم بن أصبغ عن أبي إسماعيل السّلمي عنه فقال بعد سياق الحديث: قال ابن عيينة يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ولا يعني نكاح المتعة.
قال ابن عبد البر: وعلى هذا أكثر الناس.
وقال البيهقي: يشبه أن يكون كما قال لصحة الحديث في أنه صلى الله عليه وسلم رخص فيها بعد ذلك ثم نهى عنها، فلا يتم احتجاج علي إلا إذا وقع النهي أخيرا لتقوم به الحجة على ابن عباس.
وقال أبو عوانة في صحيحه: سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة فسكت عنها، وإنما نهى عنها يوم الفتح اهـ.
والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر، كما أشار إليه البيهقي لكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن عليا لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح لوقوع النهي عنها عن قرب، كما سيأتي بيانه.
ويؤيد ظاهر حديث علي ما أخرجه أبو عوانة وصححه من طريق سالم بن عبد الله أن رجلا سأل ابن عمر عن المتعة فقال: حرام، فقال: إن فلانا يقول فيها، فقال: والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين.
قال السهيلي: وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة، فأغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك، ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء، والمشهور في تحريمها أن ذلك كان في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه، وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع.
قال: ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح اهـ.
فتحصّل مما أشار إليه ستة مواطن: خيبر ثم عمرة القضاء، ثم الفتح، ثم أوطاس، ثم تبوك، ثم حجة الوداع، وبقي عليه حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل، فإما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها، أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة.
فأما رواية تبوك فأخرجها إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بثنية الوداع رأى مصابيح وسمع نساء يبكين، فقال: ( ما هذا؟ ) فقالوا: يا رسول الله نساء كانوا تمتعوا منهن، فقال: ( هدم المتعة النكاح والطلاق والميراث ).
وأخرجه الحازمي من حديث جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام ".
الشيخ : يكفي.
على كل حال الآن نقول: الأحاديث الصحيحة فيها على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنها إنما حرمت في عام الفتح، ولا ينافي هذا ما يذكره بعض الرواة أنها في غزوة أوطاس أو غزوة حُنين أو ثقيف لأن السنة واحدة، فعام الفتح هو عام غزوة أوطاس وثقيف وحنين، واضح ؟ لأن غزوة الطائف متصلة بالفتح، حين فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة وقرّر فيها التوحيد خرج إلى أهل الطائف، ما فيها إشكال.
أما غزوة تبوك أو عام حجة الوداع فهذا إن كان محفوظا فهو من باب إعادة الحكم تأكيدا، وإن كان غير محفوظ فقد كفيناه.
بقي النظر في غزوة خيبر فنقول أيضا : إن كان محفوظا والإشكال كله عن ابن عيينة، إن كان محفوظا فتكون المتعة قد نسخت مرتين، وبهذا قد صرح الإمام الشافعي رحمه الله أن المتعة قد نسخت مرتين، كتحريم مكة، فإن مكة كانت حراما ثم أحلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم حرمت، فمن العلماء من يقول ليس عندنا حكم نسخ مرتين إلا المتعة، وتحريم مكة.
المتعة إذا قلنا إنها حرمت في خيبر ثم أحلت في عام الفتح ثم حرمت.
وأما تحريم مكة ففيه نظر لأن حلِّها كان حلا موقتا، أحلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ساعة من النهار فقط، ليس إحلالا مطلقا ثم نسخ، بل إحلال مقيد، وعلى هذا فلا يصح التمثيل به.