باب : رؤيا الصالحين . وقوله تعالى : (( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا )) . حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال البخاري رحمه الله تعالى : باب : رؤيا الصالحين . وقوله تعالى : (( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا )) .
الشيخ : نعم، يقول عز وجل : (( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق )) الجملة هذه مؤكدة بثلاث مؤكدات، وهي اللام وقد والقسم المقدر.
وصدق رسوله الرؤيا أي أخبره بالصدق، وهناك فرق بين صدق وصدَّق، صدق أي أخبر بالصدق، وصدَّق أي صدق من أخبر بالصدق.
صدق الرؤيا بالحق أي الرؤيا المصحوبة بالحق، وهو الشيء الثابت.
هذه الرؤيا (( لتدخلن المسجد الحرام )) الجملة أيضا مؤكدة بثلاث مؤكدات: اللام والنون والقسم المقدر.
(( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله )) كلمة إن شاء الله قد تشكل على بعض الناس، فيقال : كيف يقول الله عز وجل عن فعله إن شاء الله وهو يعلم أنه سيقع ؟
نحن مأمورون إذا وعدنا شيئا في المستقبل أن نقول : إن شاء الله، لأننا لا نعلم أيتحقق هذا أم لا ؟ ولكن الله سبحانه وتعالى يعلم أنه سيتحقق، فلماذا قال : إن شاء الله ؟
والجواب عن هذا أن نقول : قال إن شاء الله ليبيّن للصحابة أنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يدخلوا الآن ولكن سيدخلونه بمشيئة الله، وأن كل شيء مقرون بمشيئته، فالشرط هنا لبيان الواقع، وهو يشبه قوله صلى الله عليه وسلم في زيارة المقبرة : ( وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ) فإن لحقونا بالأموات متيقن، ولكن المعنى : وإنا نلحق بكم إذا شاء الله ذلك.
(( آمنين )) حال من فاعل تدخلون، والأمن ضد الخوف.
(( محلقين رؤوسكم ومقصرين )) ولم يذكر الطواف والسعي لأن التحليق والتقصير به التحلل، ولا تحلل إلا بعد الطواف والسّعي بعد أداء النسك، فذكر آخر النسك ليزداد اطمئنانهم بذلك.
وفي تقديم الحلق على التقصير دليل على أنه أفضل، والحلق جز الشعر بالموسى، والتقصير قصه، ومن القص المكائن التي تقص الشعر قصا تاما، والتي يسمونها نمرة واحد، حيث يعتبر تقصيرا لأنه ليس جزا بالموسى.
وقوله : (( محلقين رؤوسكم ومقصرين )) ولم يقل رؤوسكم، فقيل : إن هذا من باب الاكتفاء كقوله تعالى : (( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر )) يعني والبرد، فمحلقين رؤوسكم ومقصرين يعني رؤوسكم.
وقيل: بل هناك فرق، لأن التحليق يكون على جميع الرأس شعرة شعرة، والتقصير لا يكون على جميع الرأس شعرة شعرة، بل يكون بحيث يظهر على الرأس أثر التقصير، فيكون كل من شاهده يعلم أنه قد قصره، ولا يجب استيعاب الرأس كله شعرة شعرة، لأن هذا لا يتم إلا بالحلق.
(( لا تخافون )) قيل إنها جملة مستأنفة، والمعنى لا تخافون من إخلاف الوعد، وقيل : بل هي حال مؤكدة لقوله : (( آمنين )) يعني آمنين لا تخافون في هذا الأمن أي لا يلحقوكم فيه أي خوف، فيكون النفي لإثبات كمال الأمن.