باب : رؤيا إبراهيم عليه السلام . وقوله تعالى : (( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين )) . قال مجاهد أسلما سلما ما أمرا به وتله وضع وجهه بالأرض . حفظ
القارئ : باب : رؤيا إبراهيم عليه السلام . وقوله تعالى : (( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين )) .
قال مجاهد: " أسلما سلما ما أمرا به، وتله وضع وجهه بالأرض " .
الشيخ : هذه رؤيا إبراهيم أيضا من المرائي العجيبة، من آيات الله عز وجل، إبراهيم رأى في المنام أنه يذبح ولده، ومتى رأى أنه يذبحه ؟ لما بلغ معه السعي، فليس صغيرا لا تتعلق به النفس كثيرا، ولا كبيرا قد انصرفت عنه النفس، فالإنسان مع أولاده له ثلاث حالات أو أكثر: إذا كانوا أطفالا فإن الرجل لا يتعلق قلبه بهم، إنما يتعلق بهم قلب الأم، إذا بلغ معه السعي وصار يذهب معه ويجيء ويقضي حوائجه لكنه لم يكبر حتى يكون معه أنفة تعلق به كثيرا، وإذا كبر وارتفع انصرف عنه، انعزل، إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليس له إلا ولد واحد، ولاحظوا أنه أتاه على حين من الكبر، أليس كذلك ؟ كبيرا، وهو ولد واحد، ولما بلغ معه السعي وكان يسعى معه وفي حوائجه وهو أشد ما تكون النفس به تعلقا رأى في المنام أنه يذبحه، ورؤيا الأنبياء وحيّ وحق، فعرض هذا على ابنه، لا استشارة له، لأنه سيفعل، ولا يمكن لإبراهيم أن يستشير في أمر الله ولكن اختبارا للولد، ماذا يتلقى هذا الأمر العظيم، فكان الولد نعم المعين لأبيه على طاعة الله.
قال : (( يا أبت افعل ما تؤمر )) نصيحة من ابن صغير لأب كبير، لكن والله هذه قرة العين، أن يكون الأولاد عونا لآبائهم وأمهاتهم على طاعة الله.
ثم وعد وعدا غير وعد الإنسان المغتر بنفسه قال : (( ستجدني إن شاء الله من الصابرين )) والسين هنا للتحقيق، أي ستجدني إن شاء الله من الصابرين على ما سينفذ فيهم من هذا الأمر العظيم.
إننا نقرأها أيّها الإخوة الآن قراءة نظرية، لكن لو ابتلي بها الإنسان على وجه عمليّ ماذا تكون عليه الدنيا ؟ ستضيق عليه الدنيا أضيق ما يكون، يؤمر بأن يذبح ابنه، والإنسان يفدي نفسه اتقاء شر يلي ابنه، محنة عظيمة من أعظم المحن، إن لم تكن أعظم المحن فهي من أعظم المحن، ولهذا قال : (( ستجدني إن شاء الله من الصابرين )).
فعلم أن هذا أمر عظيم يحتاج إلى إيش ؟ إلى صبر عظيم، صبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة، فهو جامع بين الأنواع الثلاثة من الصبر.
(( فلما أسلما )) من ؟ إبراهيم وابنه، الأب والابن، أسلما يعني استسلما لأمر الله وانقادا له وسلما الأمر إلى الله.
(( وتله للجبين )) تله أبوه للجبين أي على الجبين، الجبين الجبهة أو أعلاها، هكذا على الأرض، قال العلماء: وإنما تله على جبينه لئلا ينظر إلى وجهه حين تقبل السكين عليه وهو يتمعض، خشي أن يفتتن وتعجر يده عن ذبح ابنه، تله على الأرض هكذا على الجبين امتثالا لأمر رب العالمين الذي أوجدهما جميعا من العدم.
(( وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا )) الجواب جواب لمّا محذوف لأن لما شرطية تحتاج إلى شرط وجواب والجواب محذوف، فلما أسلما وتله للجبين تبيّن بذلك صدقهما وإخلاصهما وانقيادهما لله رب العالمين، حينئذ جاء الفرج في محله أضيق ما يكون واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا، في هذه الحال الضيقة الضنك جاء الفرج من الله.
(( ناديناه )) أي من بعيد، لأن النداء يكون من بعيد.
أن: تفسيريه، (( يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا )) أي نفذتها وطبقتها لأنه عمل ولم يتأن ولم يسترخ، عمل ولكن جاء المنة من الله عز وجل بعد أن كتب له أجر هذه الطاعة العظيمة.
(( إنا كذلك نجزي المحسنين )) إنا مثل ذلك الجزاء نجزي المحسنين.
انتبه يا أخي لهذه المسألة: قد يبتليك الله بأمر تكرهه ويشقّ عليك لتترقى به إلى درجة الكمال، فيجزيك الله عز وجل أحسن مما فعلت، ولا تيأس، وانظر قصة أبيك آدم، أبيك الأول، نهاه الله أن يأكل من الشجرة فأكل (( وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى )) فكان بعد ذلك مجتبى مختار من الله عزّ وجل، حاله بعد هذه المعصية والتوبة منها أكمل من حاله من قبل، فتنبه لهذه اللطائف العظيمة التي يقصها الله عليك في القرآن حتى تربي نفسك عليها.
العلم يا إخواني ليس نظريا، العلم إذا لم يكن نظريا عمليا فإنه قليل البركة، وقد يكون حجة عليك كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( القرآن حجة لك أو عليك ).
وقوله : (( نجزي المحسنين )) في هذا دليل على أن الله عز وجل يحب الإحسان، وهو كذلك.