شرح قوله (( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون )) وقال الفضيل لبعض الأتباع يا عبد الله (( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )) حفظ
الشيخ : ثم قال : (( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )) انتقال من حال إلى حال، قبل أن يأتي تأويل الرؤيا، وهذا من حكمة يوسف عليه الصلاة والسلام وهو انتهاز الفرصة في إيصال الحق، فهو أولا تحدث عن نفسه وعن آبائه وأنهم على التوحيد الخالص، ثم دعا صاحبي السجن فقال : (( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )) ؟ الجواب: الله عز وجل لا شك، لكنه يخاطب قوما مشركين أو قوما عاشوا في شرك، فكان من البلاغة أن يقارن بين آلهتهم وبين الله، قال الله تعالى : (( آلله خير أمَا يشركون )) وإلا فمن المعلوم أنه لا نسبة، لكن نحن إذا كنا نخاطب شخصا يعترف بشيء فلنا أن نقارن بين ما يعترف به وبين الحق ولا حرج، ولا يُعدّ هذا من قول الشاعر:
"ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا ".
نحن نخاطب يعتقد أن من يعظمه مثل من إيش ؟ من نعظمه، فيقول : (( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )) كل يعرف أن الله الواحد القهار خير.
وهنا قال : أم الله ولم يقل الرب، وهناك قال أأرباب ولم يقل أآلهة، مع أن إبراهيم قال لقومه : (( أئفكا آلهة دون الله تريدون ))، لأن المقام هنا يقتضي ذلك، إذ إن هذين الفتيين رأيا رؤيا من مقتضى الملك والخلق فخاطبها بالربوبية ثم عدل عن الربوبية في جانب الله عز وجل إلى إيش ؟ إلى الألوهية، فقال: (( أم الله الواحد )) الذي لا شريك له، (( القهّار )) من هنا تأتي الربوبية لأن القهر لا يكون إلا مع تمام الربوبية الخلق والأمر.
(( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )) وهذا نظير قوله تعالى: (( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل )) أيهما ؟ الرجل السَّلم لا شك لا أحد ينازعه، (( هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )) رجل يملك عبدا لا ينازعه فيه أحد سلما له، وآخر يملك عبدا معه شركاء متشاكسون كل يوم ضرب ومهاوشة على هذا العبد، أيّهما أحسن ؟ الأول لا شك ...
وقال الفضيل لبعض الأتباع يا عبد الله: (( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )) هذه جملة معترضة، الفضيل بن عياض قال لبعض أصحابه: يا عبد الله أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟
لا أدري هل يريد الفضيل أن يقرر التوحيد في قلب هؤلاء البعض، أو أنه رأى هؤلاء الأتباع مرة مع هؤلاء ومرة مع هؤلاء ومرة مع هؤلاء فأراد أن يضرب لهم مثلا بالآية، نعود إليها في الشرح إن شاء الله.