شرح قوله (( ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) حفظ
الشيخ : قال: (( ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان )) ...
(( ما تعبدون من دونه )) العبادة التذلل كالصلاة والركوع والسجود والذبح تقربا وتعظيما وما أشبه ذلك، (( إلا أسماء سميتموها )) أسماء سميتموها، سميتم هذا ربا فعبدتموه، لكن هل هو حقيقة على مسماه ؟ لا، لا يستحق الربوبية، ولا يصلح أن يكون ربا.
(( أنتم وآباؤكم )) فأنتم مقلِّدون لهم، (( ما أنزل الله بها من سلطان )) سلطان أي حجة، والسلطان في كل موضع بحسبه، فنحن مثلا إذا قلنا : أطع السلطان فيما أمرك، ما المراد بالسلطان؟ الولي الذي له الأمر، وإذا قلنا: ليس لك سلطان في وجوب كذا وكذا، يعني ليس لك دليل أي حجة.
(( ما أنزل الله بها من سلطان )) طيب، فإن قال قائل : هذا الوصف ما أنزل الله بها من سلطان هل هو قيد أو بيان للواقع ؟ بيان للواقع، لأن جميع الآلهة ما أنزل بها من سلطان، وإذا جاء الوصف بيانا للواقع كان متضمنا للتوبيخ، يعني كأنه يقول: كيف تعبدون آلهة ليس فيها دليل.
(( إن الحكم إلا لله )) ربما يقول قائل : كيف دخلت إن الشرطية على الاسم ؟
الطالب : ...
الشيخ : هذان قولان صح ، أظن أننا قلنا إذا أتت إلا بعد إن فهي نافية، إن هذا إلا اختلاق، فإذا أتت إلا بعد إن فهي نافية.
قال : (( إن الحكم )) يعني ما الحكم إلا لله، أيّ الحكمين الكوني أو القدري ؟ هما، الكوني والقدري، فالذي يحكم بين الناس بالشرع والتنظيم والتوجيه هو الله عز وجل، والذي يحكم بينهم بالقدر وينفّذ ما شاء هو الله.
وقد ذكر العلماء أن الحكم أي حكم الله ثلاثة أنواع: كوني وشرعي وجزائي، وبعضهم قال : إنه قسمان: كوني وشرعي، وقال إن الجزائي داخل في الكوني لأنه ثواب أو عقاب.
يقول : (( ذلك الدين القيم )) ذلك المشار إليه أن لا نعبد إلا الله، الدّين أي العمل، والدين يطلق على العمل كما هنا، وكما في قوله تعالى: (( إن الدين عند الله الإسلام ))، وكما في قوله : (( ورضيت لكم الإسلام دينا ))، ويطلق على الجزاء كما في قوله تعالى : (( وما أدراك ما يوم الدين ))، وكما في قوله تعالى : (( مالك يوم الدين )) أي الجزاء.
(( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )).
إذن انتبهوا إلى هذه الحكمة في صنيع يوسف، انتهز الفرصة في هذه الحال، ووجه ذلك أن هذين الفتيين جاءا لحاجة، فقدم بين يدي قضاء حاجتهما إيش ؟ دعوتها للحق، لكن كيف دعاهما ؟ أولا أخبر أنه هو وآباؤه على هذه الحال، ليتبين أن دعوته صادقة، حتى لا يكون من الذين يقولون ما لا يفعلون، ثم تحدث أن هذا من نعمة الله وفضل الله على الناس، ثم دعاهما إلى الحق، ولكن دعاهما إلى الحق مبتدئ بالتخلية ثم التحلية (( أأرباب متفرقون خير أم الله )) يعني انبذوا هذه الأرباب وأقبلوا إلى الله عزّ وجل.
وقوله : (( القيّم )) ضد المعوج، قال الله تعالى : (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) وإنما كان هذا دينا قيّما لأنه وضع للحق في نصابه، فالمستحق للعبادة مَن ؟ الله سبحانه وتعالى .
(( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) أي لا يعلمون أن هذا هو الدين القيّم ولهذا ضلوا (( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله )).