شرح قوله (( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )) حفظ
الشيخ : ثم شرع يؤول الرؤيا فقال : (( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا )) وهنا قال : (( يا صاحبي السجن )) فإما أن يكون لا يعرف أسماءهما، وإما أن يكون أراد بذلك أن يبين حالهما التي هما عليها من أجل أن ترق قلوبهما وتقبل الحق، وكأنه يقول لعل هذا السجن بسبب الذنوب والشرك والفساد، ويحتمل كما قلت أنه لا يعرف أسماءهما.
وهل مثل ذلك قوله تعالى : (( وقال رجل مؤمن من آله فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله )) ؟ لا، لأن الله يعلم هذا الرجل، المؤمن يعلمه الله عز وجل، وهو يقول : أتقتلون رجلا، يعلم من هو الرجل، يعلم أن الرجل هذا موسى، لكنه أتى به بصيغة النكرة لئلا يظن هؤلاء أن بينه وبين موسى صلة وأنه إنما دافع عنه من أجل المعرفة، وهذا أيضا من فقه هذا الرجل، لو قال : أتقتلون موسى لقالوا: هذا صاحب له، بينهما صلة ومعرفة، لكن قال رجلا كأنه لا يعرفه، أن يقول ربي الله إلى آخره.
(( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه )) - سبحان الله - أما أحدكما فيسقي ربه خمرا، ربه أي سيده، والرب يطلق على السيد، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( أن تلد الأمة ربها ) كما في إحدى روايات البخاري، ( تلد الأمة ربها )، والأكثر ( ربتها ).
ويطلق على المالك كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اللقطة : ( حتى يأتيها ربها ).
طيب، يسقي ربه خمرا، من أين أخذ هذا ؟ من قوله : (( إني أراني أعصر خمرا )) يعصر لمن ؟ لا يعصره إلا لمن يشربه، وهذا فتى، فسيعصره لربه يشربه، لكن الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه، وش له علاقة ؟ هو يقول : (( أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه )) وهنا قال : يصلب فتأكل الطير من رأسه، وش المناسبة ؟ لعله يكون هناك مناسبة بين الخبز وبين المخ مخ الرأس، والجامع بينهما الليونة، هذا ما يظهر لي الآن، ولعل الشارح يبينه، إن شاء الله نرجع له.
- انتبهوا الآن مسألتان عندنا نرجع إليهما لا ننساهما -.
يقول : (( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )) انتهى، وإنما قال قضي الأمر لئلا يعودا إليه فيناقشاه، كيف ولماذا؟ وكيف وأنا في السجن أسقي ربي خمرا، وكيف أسلم أنا وأخي يصلب وتأكل الطير من رأسه ؟ فلما كانت المسألة محل إيرادات ومناقشة قال : (( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )).
وما أحسن ما يستعمله بعض الناس في الإفتاء تجد الرجل يستفتيه فيقول: فعلت كذا وكذا وكذا، فيقول : لا شيء عليك، ثم يعود : فعلت كذا وكذا، أو يعود مرة ثالثة أو رابعة، مثل هذا إيش نقول ؟ نقول : انتهى، من أول مرة، لأن بعض الناس يكون عنده وساوس ما يفهم الشيء أو يفهمه ويريد أن يكرر فهنا لا بأس أن تقول انتهى الأمر، لا تكثر عليّ، كما قال يوسف : (( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )).
وفي قوله : (( قضي الأمر )) تواضع من نفسه، لأن الذي قضى هذا الأمر هو، هو الذي قضى هذا الأمر ونبأهم لكن جعله مجهول الفاعل تواضعا منه.