قراءة من الشرح مع تعليق الشيخ حفظ
القارئ : قال :" قوله ( ورؤيا المؤمن جزء ... ) الحديث هو معطوف على جملة الحديث الذي قبله وهو ( إذا اقترب الزمان ... ) الحديث فهو مرفوع أيضا وقد تقدم شرحه مستوفى قريبا، وقوله وما كان من النبوة فإنه لا يكذب هذا القدر لم يتقدم في شيء من طرق الحديث المذكور وظاهر إيراده هنا أنه مرفوع ولئن كان كذلك فإنه أولى ما فسر به المراد من النبوة في الحديث وهو صفة الصدق.
ثم ظهر لي أن قوله بعد هذا: قال محمد وأنا أقول هذه الإشارة في قوله هذه للجملة المذكورة وهذا هو السر في إعادة قوله قال بعد قوله هذا.
ثم رأيت في بغية النقاد لابن المواق أن عبد الحق أغفل التنبيه على أن هذه الزيادة مدرجة، وأنه لا شك في إدراجها، فعلى هذا فهي من قول بن سيرين وليست مرفوعة.
قوله: وأنا أقول هذه كذا لأبي ذر وفي جميع الطرق وكذا ذكره الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما، ووقع في شرح ابن بطال: وأنا أقول هذه الأمة وكان يقال إلخ.
قلت: وليست هذه اللفظة في شيء من نسخ صحيح البخاري، ولا ذكرها عبد الحق في جمعه ولا الحميدي ولا من أخرج حديث عوف من أصحاب الكتب والمسانيد، وقد تقلده عياض فذكره كما ذكره ابن بطال وتبعة في شرحه فقال: خشي ابن سيرين أن يتأول أحد معنى قوله: ( وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ) أنه إذا تقارب الزمان لم يصدق إلا رؤيا الرجل الصالح "
.
الشيخ : إذن قال محمد ليس هو البخاري لكنه ابن سيرين، نحن ذكرنا أنه البخاري لكن تبين الآن أنه ليس إياه، استمر.
القارئ : " فقال: وأنا أقول هذه الأمة، يعني رؤيا هذه الأمة صادقة كلها صالحها وفاجرها، ليكون صدق رؤياهم زاجرا لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدين وطموس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر انتهى.
وهذا مرتب على ثبوت هذه الزيادة وهي لفظة: الأمة، ولم أجدها في شيء من الأصول.
وقد قال أبو عوانة الإسفرائيني بعد أن أخرجه موصولا مرفوعا من طريق هشام عن ابن سيرين: هذا لا يصح مرفوعا عن ابن سيرين.
قلت: وإلى ذلك أشار البخاري في آخره بقوله: وحديث عوف أبين، أي: حيث فصل المرفوع من الموقوف.
قوله: قال: وكان يقال الرؤيا ثلاث إلخ، قائل قال هو محمد بن سيرين، وأبهم القائل في هذه الرواية، وهو أبو هريرة، وقد رفعه بعض الرواة ووقفه بعضهم.
وقد أخرجه أحمد عن هوذة بن خليفة عن عوف بسنده مرفوعا: ( الرؤيا ثلاث ) الحديث مثله، وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا ثلاث فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان )، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين مرفوعا أيضا بلفظ: ( الرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ) والباقي نحوه.
قوله: حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله، وقع في حديث عوف بن مالك عند ابن ماجه بسند حسن رفعه: ( الرؤيا ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ).
قلت: وليس الحصر مرادا من قوله: ( ثلاث ) لثبوت نوع رابع في حديث أبي هريرة في الباب وهو حديث النفس، وليس في حديث أبي قتادة وأبي سعيد الماضيين سوى ذكر وصف الرؤيا بأنها مكروهة ومحبوبة أو حسنة وسيئة.
وبقي نوع خامس وهو تلاعب الشيطان، وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر قال: جاء أعرابي فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع فأنا أتبعه، وفي لفظ: فقد خرج فاشتددت في أثره، فقال: ( لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام )، وفي رواية له: ( إذا تلاعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يخبر به الناس ).
ونوع سادس: وهو رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة كمن كانت عادته أن يأكل في وقت فنام فيه فرأى أنه يأكل أو بات طافحا من أكل أو شرب فرأى أنه يتقيأ، وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص.
وسابع: وهو الأضغاث.
قوله: ( فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل ) زاد في رواية هوذة: ( فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها لمن يشاء، وإذا رأى شيئا يكرهه ) فذكر مثله، ووقع في رواية أيوب عن محمد بن سيرين: فيصل ولا يحدث بها الناس، وزاد في رواية سعيد ابن أبي عروبة عن ابن سيرين عند الترمذي: وكان يقول لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح، وهذا ورد معناه مرفوعا في حديث أبي رَزين عند أبي داود والترمذي وابن ماجه: ( ولا يقصها إلا على وادِ أو ذي رأي )، وقد تقدم شرح هذه الزيادة في باب الرؤيا من الله تعالى.
قوله: قال وكان يُكره الغل في النوم ويعجبهم القيد، ويقال القيد ثبات في الدين، كذا ثبت هنا بلفظ الجمع في يعجبهم والإفراد في يكره ويقول، قال الطيبي: ضمير الجمع لأهل التعبير، وكذا قوله: وكان يقال.
قال المهلب: الغل يعبر بالمكروه لأن الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى: (( إذ الأغلال في أعناقهم )) الآية، وقد يدل على الكفر، وقد يعبر بامرأة تؤذي.
وقال ابن العربي: إنما أحبوا القيد لذكر النبي صلى الله عليه وسلم له في قسم المحمود فقال: قيد الإيمان الفتك، وأما الغل فقد كره شرعا في المفهوم كقوله: (( خذوه فغلوه ))، و (( إذ الأغلال في أعناقهم ))، و (( لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ))، و (( غلت أيديهم ))، وانما جعل القيد ثباتا في الدين، لأن المقيد لا يستطيع المشي فضرب مثلا للإيمان الذي يمنع عن المشي إلى الباطل.
وقال النووي: قال العلماء إنما أحب القيد، لأن محله الرجل، وهو كف عن المعاصي والشر والباطل، وأبغض الغل لأن محله العنق وهو صفة أهل النار.
وأما أهل التعبير فقالوا: إن القيد ثبات في الأمر الذي يراه الرائي بحسب من يرى ذلك له، وقالوا إن انضم الغل إلى القيد دل على زيادة المكروه، وإذا جعل الغلّ في اليدين حمد لأنه كف لهما عن الشر، وقد يدل على البخل بحسب الحال.
وقالوا أيضا: إن رأى أن يديه مغلولتان فهو بخيل، وإن رأى أنه قيد وغلّ فإنه يقع في سجن أو شدة.
قلت: وقد يكون الغل في بعض المرائي محمودا كما وقع لأبي بكر الصديق، فأخرج أبو بكر ابن أبي شيبة بسند صحيح عن مسروق قال: مر صهيب بأبي بكر فأعرض عنه، فسأله فقال: رأيت يدك مغلولة على باب أبي الحشر رجل من الأنصار، فقال أبو بكر: جمع لي ديني إلى يوم الحشر.
وقال الكرماني: اختلف في قوله وكان يقال هل هو مرفوع أو لا؟ فقال بعضهم: من قوله وكان يقال إلى قوله في الدين مرفوع كله، وقال بعضهم: هو كله كلام ابن سيرين، وفاعل كان يكره أبو هريرة.
قلت: أخذه من كلام الطيبي، فإنه قال يحتمل أن يكون مقولا للراوي عن ابن سيرين فيكون اسم كان ضميرا لابن سيرين، وأن يكون مقولا لابن سيرين واسم كان ضمير أبي هريرة أو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن سيرين وقال في آخره: لا أدري هو في الحديث أو قاله بن سيرين.
قوله: ورواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني أصل الحديث.
وأما من قوله وكان يقال فمنهم من رواه بتمامه مرفوعا ومنهم من اقتصر على بعضه كما سأبينه.
قوله: وأدرجه بعضهم كله في الحديث يعني جعله كله مرفوعا، والمراد به رواية هشام عن قتادة كما سأبينه.
قوله: وحديث عوف أبين أي حيث فصل المرفوع من الموقوف ولا سيما تصريحه بقول ابن سيرين وأنا أقول هذه فإنه دال على الاختصاص بخلاف ما قال فيه وكان يقال فإن فيها الاحتمال بخلاف أول الحديث فإنه صرح برفعه.
وقد اقتصر بعض الرواة عن عوف على بعض ما ذكره معتمر بن سليمان عنه كما بينته من رواية هوذة وعيسى بن يونس.
قال القرطبي: ظاهر السياق أن الجميع من قول النبي صلى الله عليه وسلم غير أن أيوب هو الذي روى هذا الحديث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وقد أخبر عن نفسه أنه شك أهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة فلا يعول على ذلك الظاهر.
قلت: وهو حصر مردود، وكأنه تكلم عليه بالنسبة لرواية مسلم خاصة فإن مسلما ما أخرج طريق عوف هذه ولكنه أخرج طريق قتادة عن محمد بن سيرين فلا يلزم من كون أيوب شك أن لا يعول على رواية من لم يشك وهو قتادة مثلا، لكن لما كان في الرواية المفصلة زيادة فرجحت.
قوله: وقال يونس لا أحسبه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القيد يعني أنه شك في رفعه.
قوله: قال أبو عبد الله هو المصنف، قوله: "
لا تكون الأغلال إلا في الأعناق " كأنه يشير إلى الرد على من قال قد يكون الغل في غير العنق، كاليد والرجل، والغل بضم المعجمة وتشديد اللام واحد الأغلال، قال: وقد أطلق بعضهم الغل على ما تربط به اليد، وممن ذكره أبو علي القالي وصاحب المحكم وغيرهما، قالوا: الغل جامعة تجعل في العنق أو اليد، والجمع أغلال، ويد مغلولة: جعلت في الغل، ويؤيده قوله تعالى: (( غلت أيديهم )) كذا استشهد به الكرماني وفيه نظر، لأن اليد تغل في العنق، وهو عند أهل التعبير عبارة عن كفهما عن الشر، ويؤيده منام صهيب في حق أبي بكر الصديق كما تقدم قريبا ".
السائل : ...؟
الشيخ : ابن سيرين ... قال محمد ... حدثنا محمد ابن سيرين. نعم.