قراءة من الشرح . حفظ
القارئ : " قوله: ( أصبت بعضا وأخطأت بعضا ) في رواية سليمان بن كثير وسفيان بن حسين: أصبت وأخطأت.
قوله: ( قال: فوالله ) زاد ابن وهب: يا رسول الله، ثم اتفقا: لتحدثني بالذي أخطأت، في رواية ابن وهب: ما الذي أخطأت، وفي رواية سفيان بن عيينة عند ابن ماجه: فقال أبو بكر أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بالذي أصبت من الذي أخطأت، وفي رواية معمر مثله لكن قال: ما الذي أخطأت، ولم يذكر الباقي.
قوله: قال لا تقسم، في رواية ابن ماجه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقسم يا أبا بكر، ومثله لمعمر لكن دون قوله: يا أبا بكر، وفي رواية سليمان بن كثير: ما الذي أصبت وما الذي أخطأت فأبى أن يخبره.
قال الداودي: قوله: ( لا تقسم ) أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك.
وقال المهلب: توجيه تعبير أبي بكر أن الظلة نعمة من نعم الله على أهل الجنة، وكذلك كانت على بني إسرائيل "
.
الشيخ : ( لا تقسم ) يقول معناه لا تكرر القسم، وهذا خلاف الظاهر، لأننا في عرفنا الآن ما زالت هذه العبارة موجودة، يقول: والله تفعل كذا، تقول لا تحلف، ولا يخطر في بالك أن المعنى لا تكرر الحلف، فهذا هو الظاهر، لا تقسم يعني لماذا أقسمت، ما حاجة لقسمك، نعم كمّل.
القارئ : " وكذلك الإسلام يقي الأذى، وينعم به المؤمن في الدنيا والآخرة، وأما العسل فإن الله جعله شفاء للناس، وقال تعالى أن القرآن شفاء لما في الصدور، وقال إنه شفاء ورحمة للمؤمنين ".
الشيخ : (( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )).
القارئ : " وهو حلو على الأسماع كحلاوة العسل في المذاق، وكذلك جاء في الحديث أن في السمن شفاء.
قال القاضي عياض: وقد يكون عبر الظلة بذلك لما نطفت العسل والسمن اللذين عبر بهما بالقرآن، وذلك إنما كان عن الإسلام والشريعة، والسبب في اللغة الحبل والعهد والميثاق، والذين أخذوا به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واحدا بعد واحد هم الخلفاء الثلاثة، وعثمان هو الذي انقطع به ثم اتصل. انتهى ملخصا.
قال المهلب: وموضع الخطأ في قوله: ثم وصل له، لأن في الحديث ثم وصل ولم يذكر له.
قلت: بل هذه اللفظة وهي قوله: له وإن سقطت من رواية الليث عند الأصيلي وكريمة فهي ثابتة في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، وكذا في رواية النسفي، وهي ثابتة في رواية ابن وهب وغيره كلهم عن يونس عند مسلم وغيره، وفي رواية معمر عند الترمذي، وفي رواية سفيان بن عيينة عند النسائي وابن ماجه، وفي رواية سفيان بن حسين عند أحمد، وفي رواية سليمان بن كثير عند الدارمي وأبي عوانة كلهم عن الزهري، وزاد سليمان بن كثير في روايته: فوصل له فاتصل.
ثم بني المهلب على ما توهمه فقال: كان ينبغي لأبي بكر أن يقف حيث وقفت الرؤيا، ولا يذكر الموصول له، فإن المعنى أن عثمان انقطع به الحبل، ثم وصل لغيره أي وصلت الخلافة لغيره انتهى.
وقد عرفت أن لفظة له ثابتة في نفس الخبر، فالمعنى على هذا: أن عثمان كاد ينقطع عن اللّحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعُبر عنها بانقطاع الحبل، ثم وقعت له الشهادة فاتصل بهم، فعُبر عنه بأن الحبل وصل له فاتصل فالتحق بهم فلم يتم في تبيين الخطأ في التعبير المذكور ما توهمه المهلب.
والعجب من القاضي عياض فإنه قال في الإكمال: قيل خطؤه في قوله: فيوصل له، وليس في الرؤيا إلا أنه يوصل، وليس فيها له، ولذلك لم يوصل لعثمان، وإنما وصلت الخلافة لعلي، وموضع التعجب سكوته عن تعقب هذا الكلام مع كون هذه اللفظة وهي له ثابتة في صحيح مسلم الذي يتكلم عليه، ثم قال: وكأن الخطأ هنا بمعنى الترك، أي تركت بعضا لم تفسره.
وقال الإسماعيلي: قيل السبب في قوله: ( وأخطأت بعضا ) أن الرجل لما قص على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه كان النبي صلى الله عليه وسلم أحق بتعبيرها من غيره، فلما طلب تعبيرها كان ذلك خطأ فقال أخطأت بعضا لهذا المعنى.
والمراد بقوله: قيل، ابن قتيبة فإنه القائل لذلك فقال إنما أخطأ في مبادرته بتفسيرها قبل أن يأمره به ووافقه جماعة على ذلك، وتعقبه النووي تبعا لغيره فقال: هذا فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له في ذلك، وقال: اعبرها.
قلت: مراد ابن قتيبة أنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو فسأل أن يأذن له في تعبيرها، فأذن له فقال: أخطأت في مبادرتك للسؤال أن تتولى تعبيرها لا أنه أراد أخطأت في تعبيرك، لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر، لأنه خلاف ما يتبادر للسامع من جواب قوله: هل أصبت فإن الظاهر أنه أراد الإصابة والخطأ في تعبيره لا لكونه التمس التعبير، ومن ثم قال ابن التين ومن بعده: الأشبه بظاهر الحديث أن الخطأ في تأويل الرؤيا أي أخطأت في بعض تأويلك.
قلت: ويؤيده تبويب البخاري حيث قال: من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب، ونقل ابن التين عن أبي محمد بن أبي زيد وأبي محمد الأصيلي والداودي نحو ما نقله الإسماعيلي ولفظهم: أخطأ في سؤاله أن يعبرها وفي تعبيره لها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن هبيرة: إنما كان الخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان الخطأ في التعبير لم يقرّه عليه.
وأما قوله: لا تقسم فمعناه أنك إذا تفكرت فيما أخطأت به علمته، قال: والذي يظهر أن أبا بكر أراد أن يعبرها فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقوله، فيعرف أبو بكر بذلك علم نفسه لتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن التين: وقيل أخطأ لكون المذكور في الرؤيا شيئين العسل والسمن ففسرهما بشيء واحد، وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة ذكر ذلك عن الطحاوي.
قلت: وحكاه الخطيب عن أهل العلم بالتعبير، وجزم به ابن العربي فقال: قالوا هنا وهم أبو بكر فإنه جعل السمن والعسل معنى واحدا وهما معنيان القرآن والسنة، قال: ويحتمل أن يكون السمن والعسل العلم والعمل، ويحتمل أن يكونا الفهم والحفظ، وأيد ابن الجوزي ما نسب للطحاوي بما أخرجه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى إصبعي سمنا وفي الأخرى عسلا فألعقهما، فلما أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( تقرأ الكتابين التوراة والفرقان )، فكان يقرؤهما قلت ففسر العسل بشيء والسمن بشيء.
قال النووي: قيل إنما لم يبرّ النبي صلى الله عليه وسلم قسم أبي بكر لأن إبرار القسم مخصوص بما إذا لم يكن هناك مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن وجد ذلك فلا إبرار، ولعل المفسدة في ذلك ما علمه من سبب انقطاع السبب بعثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه فكره ذكرها خوف شيوعها، ويحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لو ذكر له السبب للزم منه أن يوبخه بين الناس لمبادرته، ويحتمل أن يكون خطؤه في ترك تعيين الرجال المذكورين فلو أبر قسمه للزم أن يعينهم ولم يؤمر بذلك، إذ لو عينهم لكان نصا على خلافتهم، وقد سبقت مشيئة الله أن الخلافة تكون على هذا الوجه فترك تعيينهم خشية أن يقع في ذلك مفسدة، وقيل هو علم غيب فجاز أن يختص به ويخفيه عن غيره، وقيل المراد بقوله: ( أخطأت وأصبت ) أن تعبير الرؤيا مرجعه الظن والظن يخطئ ويصيب، وقيل لما أراد الاستبداد ولم يصبر حتى يفاد جاز منعه ما يستفاد فكان المنع كالتأديب له على ذلك.
قلت: وجميع ما تقدم من لفظ الخطأ والتوهم والتأديب وغيرهما إنما أحكيه عن قائله، ولست راضيا بإطلاقه في حق الصديق.
وقيل: الخطأ في خلع عثمان لأنه في المنام رأى أنه آخذ بالسبب فانقطع به، وذلك يدل على انخلاعه بنفسه، وتفسير أبي بكر بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل له، وعثمان قد قتل قهرا ولم يخلع نفسه، فالصّواب أن يحمل وصله على ولاية غيره، وقيل يحتمل أن يكون ترك إبرار القسم لما يدخل في النفوس لا سيما من الذي انقطع في يده السبب، وإن كان وصل "
.
الشيخ : أنا عندي أن الذي حصل من الخطأ قوله: " فينقطع به ثم يوصل له " لأنه لما انقطع بعثمان ما وصل له، واللفظة هذه صحيحة، فهذا وجه الخطأ، قول أبي بكر: " فينقطع به ثم يوصل له "، لأنه انقطع بعثمان ولم يوصل له، قتل ثم جاء من بعده علي بن أبي طالب.