قراءة من الشرح . حفظ
القارئ : " وقرأ : (( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث )) إلى قوله (( شاهدين )) قال فحمد سليمان لصوابه ولم يذم داود لخطئه ثم قال إن الله أخذ على الحكام عهدا بأن لا يشتروا به ثمنا ولا يتبعوا فيه الهوى ولا يخشوا فيه أحدا ثم تلا (( يا داود إنا جعلناك خليفة )) إلى آخر الآية قلت والحديث الذي أشار إليه إياس أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة ولكن عندهم الثالث قضى بغير علم وقد جمعت طرقه في جزء مفرد وليس في شيء منها أنه اجتهد فأخطأ وسيأتي حكم من اجتهد فأخطأ بعد أبواب واستدل بهذه القصة على أن للنبي أن يجتهد في الأحكام ولا ينتظر نزول الوحي لأن داود عليه السلام على ما ورد اجتهد في المسألة المذكورة قطعا لأنه لو كان قضى فيها بالوحي ما خص الله سليمان بفهمها دونه وقد اختلف من أجاز للنبي أن يجتهد هل يجوز عليه الخطأ في اجتهاده فاستدل من أجاز ذلك بهذه القصة وقد اتفق الفريقان على أنه لو أخطأ في اجتهاده لم يقر على الخطأ وأجاب من منع الاجتهاد أنه ليس في الآية دليل على أن داود اجتهد ولا أخطأ وإنما ظاهرها أن الواقعة اتفقت فعرضت على داود وسليمان فقضى فيها سليمان لأن الله فهمه حكمها ولم يقض فيها داود بشيء ويرد على من تمسك بذلك بما ذكره أهل النقل في صورة هذه الواقعة وقد تضمن أثر الحسن المذكور أنهما جميعا حكما وقد تعقب ابن المنير قول الحسن البصري ولم يذم داود بأن فيه نقصا لحق داود وذلك أن الله تعالى قد قال (( وكلا آتينا حكما وعلما )) فجمعهما في الحكم والعلم وميز سليمان بالفهم وهو علم خاص زاد على العام بفصل الخصومة قال والأصح في الواقعة أن داود أصاب الحكم وسليمان أرشد إلى الصلح ولا يخلو قوله تعالى وكلا آتينا حكما وعلما أن يكون عاما أو في واقعة الحرث فقط وعلى التقديرين يكون أثنى على داود فيها بالحكم والعلم فلا يكون من قبيل عذر المجتهد إذا أخطأ لأن الخطأ ليس حكما ولا علما وإنما هو ظن غير مصيب وإن كان في غير الواقعة فلا يكون تعالى أخبر في هذه الواقعة بخصوصها عن داود بإصابة ولا خطأ وغايته أنه أخبر بتفهيم سليمان ومفهومه لقب والاحتجاج به ضعيف فلا يقال فهمها سليمان دون داود وإنما خص سليمان بالتفهيم لصغر سنه فيستغرب ما يأتي به قلت ومن تأمل ما نقل في القصة ظهر له أن الاختلاف بين الحكمين كان في الأولوية لا في العمد والخطأ ويكون معنى قول الحسن حمد سليمان أي لموافقته الطريق الأرجح ولم يذم داود لاقتصاره على الطريق الراجح وقد وقع لعمر رضي الله عنه قريب مما وقع لسليمان وذلك أن بعض الصحابة مات وخلف مالا له نماء وديونا فأراد أصحاب الديون بيع المال في وفاء الدين لهم فاسترضاهم عمر بأن يؤخروا التقاضي حتى يقبضوا ديونهم ".