تتمة القراءة من الشرح . حفظ
القارئ : " بأن فيه نقصا لحق داود وذلك أن الله تعالى قد قال (( وكلا آتينا حكما وعلما )) فجمعهما في الحكم والعلم وميز سليمان بالفهم وهو علم خاص زاد على العام بفصل الخصومة قال والأصح في الواقعة أن داود أصاب الحكم وسليمان أرشد إلى الصلح ولا يخلو قوله تعالى : (( وكلا آتينا حكما وعلما )) أن يكون عاما أو في واقعة الحرث فقط وعلى التقديرين يكون أثنى على داود فيها بالحكم والعلم فلا يكون من قبيل عذر المجتهد إذا أخطأ لأن الخطأ ليس حكما ولا علما وإنما هو ظن غير مصيب وإن كان في غير الواقعة فلا يكون تعالى أخبر في هذه الواقعة بخصوصها عن داود بإصابة ولا خطأ وغايته أنه أخبر بتفهيم سليمان ومفهومه لقب والاحتجاج به ضعيف فلا يقال فهمها سليمان دون داود وإنما خص سليمان بالتفهيم لصغر سنه فيستغرب ما يأتي به قلت ومن تأمل ما نقل في القصة ظهر له أن الاختلاف بين الحكمين كان في الأولوية لا في العمد والخطأ ويكون معنى قول الحسن حمد سليمان أي لموافقته الطريق الأرجح ولم يذم داود لاقتصاره على الطريق الراجح وقد وقع لعمر رضي الله عنه قريب مما وقع لسليمان وذلك أن بعض الصحابة مات وخلف مالا له نماء وديونا فأراد أصحاب الديون بيع المال في وفاء الدين لهم فاسترضاهم عمر بأن يؤخروا التقاضي حتى يقبضوا ديونهم من النماء ويتوفر لأيتام المتوفي أصل المال فاستحسن ذلك من نظره ولو أن الخصوم امتنعوا لما منعهم من البيع وعلى هذا التفصيل يمكن تنزيل قصة أصحاب الحرث والغنم والله أعلم وتقدم في أحاديث الأنبياء شرح القصة التي وقعت لداود وسليمان في المرأتين اللتين أخذ الذئب بن إحداهما واختلاف حكم داود وسليمان في ذلك وتوجيه حكم داود بما يقرب مما ذكر هنا في هذه القصة ووقعت لهما قصة ثالثة في التفرقة بين الشهود في قصة المرأة التي اتهمت بأنها تحمل على نفسها فشهد عليها أربعة بذلك فأمر داود برجمها فعمد سليمان وهو غلام فصور مثل قصتها بين الغلمان ثم فرق بين الشهود وامتحنهم فتخالفوا فدرأ عنها ووقعت لهما رابعة في قصة المرأة التي صب في دبرها ماء البيض وهي نائمة وقيل إنها زنت فأمر داود برجمها فقال سليمان يشوى ذلك الماء فإن اجتمع فهو بيض وإلا فهو مني فشوي فاجتمع وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن مسروق قال كان حرثهم عنبا نفشت فيه الغنم أي رعت ليلا فقضى داود بالغنم لهم فمروا على سليمان فأخبروه الخبر فقال سليمان لا ولكن أقضي بينهم أن يأخذوا الغنم فيكون لهم لبنها وصوفها ومنفعتها ويقوم هؤلاء على حرثهم حتى إذا عاد كما كان ردوا عليهم غنمهم وأخرجه الطبري من وجه آخر لين فقال فيه عن مسروق عن ابن مسعود وأخرجه بن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن ابن مسعود وسنده حسن وعن معمر عن قتادة قضى داود أن يأخذوا الغنم ففهمها الله سليمان فقال خذوا الغنم فلكم ما خرج من رسلها وأولادها وصوفها إلى الحول وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث فحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث وعليهم رعايتها ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون كهيئة يوم أكل ثم يدفع لأهله ويأخذون غنمهم وأخرج الطبري القصة " .